يحتفل اليمنيون اليوم ومعهم كل الأشقاء من أبناء الشعوب العربية الذين يعتبرون الإنجاز الوحدوي الذي صنعه أبناء شعبنا صبيحة يوم الثاني والعشرين من مايو عام 1990م إشراقة مضيئة في التاريخ العربي المعاصر لكون هذا الإنجاز بما حمله من دلالات رفيعة وروح وطنية وقومية أصيلة أعاد الأمل لكل الوحدويين على الأرض العربية في أن الزمن وإن كان قد دار دورته دون أن تتحقق لهذه الأمة تطلعاتها وآمالها في الوحدة والتكامل والاندماج إلا أن الإنجاز اليمني بكل المقاييس شكل الأنموذج والمثال الذي يمكن أن تستمد منه شعوب هذه الأمة مرجعيتها في التخلص من أعباء التمزق والتجزئة التي فرضت عليها بعد الحرب العالمية الأولى لتتحول الأرض العربية على امتداد جناحي الوطن العربي إلى كيانات مبتورة عن بعضها البعض بعد أن رسمت خرائطها وفق المصالح الاستعمارية آنذاك.
وبالتالي فإن من غير الممكن اختزال احتفالنا اليوم بعيد الأعياد الوطنية بمعزل عن تلك الدلالات القومية والإسلامية والإنسانية للوحدة اليمنية التي أعاد بها أبناء الشعب اليمني الاعتبار لتاريخهم ومدار حضاراتهم وريادة مكانتهم وحققوا بها أحلام أجيالهم والحضور اللائق لوطنهم بين المجتمعات والشعوب والأمم.
وإذا كان هناك من ملمح أو فارق في احتفالنا بهذا الإنجاز الوحدوي العظيم خلال هذا العام فإنه يظهر في حصيلة تلك المكاسب والتحولات الشاملة التي حققتها اليمن خلال عقدين من الزمن على الأصعدة التنموية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وما قطعته من أشواط متقدمة على دروب التطور والنماء والنهوض الشامل والتي جسدت المعنى الحقيقي لخير الوحدة وأفضالها على هذا الشعب.
أما الأمر الآخر الذي يميز احتفالنا هذا العام فإنه يرتبط بما ورد في خطاب فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية من رؤية ثاقبة لمعطيات الحاضر ومتطلبات المستقبل وما حملته تلك الرؤية من روح متسامية على الأحقاد والضغائن ومن شجاعة نادرة لا يقدم عليها سوى من وهبهم الله الحكمة والبصيرة النافذة من الرجال الذين أضاءوا جوانب التاريخ بتفانيهم وإخلاصهم وتسامحهم وترفعهم فوق الصغائر.
وعلى قدر ما جاء في خطاب فخامة الرئيس من المعاني والقيم الوطنية الرفيعة وما جسده من المسؤولية الوطنية فإنه حرص على أن يكون العيد العشريني لقيام الجمهورية اليمنية عيد الصفاء والنقاء والتعاضد وعيد استلهام ثقافة الوحدة وحقائق الوحدة والتي تتجلى اليوم في أنصع صورها في تلاحم أبناء الشعب اليمني ووحدة ترابهم ووحدة مسارهم ووحدة آمالهم وتطلعاتهم ووحدة المقومات اللازمة لتطورهم وكذا في وحدة وفائهم لذلك الإرث النضالي الذي رسمه آباؤهم وأجدادهم وقدموا في معتركاته أعز التضحيات وأغلى ما يملكون من أرواحهم ودمائهم في سبيل أن تنعم أجيالهم بالمنعة والسؤدد وقيم الحرية والديمقراطية والسيادة والكرامة.
وفي إطار هذه الحقائق جاءت دعوة فخامته لكل الأطياف السياسية إلى تعزيز الشراكة الوطنية وطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة يشارك فيها الجميع في بناء الوطن بصدق ونقاء سريرة وفكر سياسي ناضج وراق يستفيد من كل العبر والدروس وحقائق الممارسة الديمقراطية خلال السنوات الماضية ليؤكد الأخ الرئيس بذلك أن احتفالنا بمرور عقدين على قيام الجمهورية اليمنية وإعادة اللحمة الوطنية يضعنا ما بين مرحلتين مرحلة تجاوزناها ومرحلة نحن مقبلون عليها وعلينا أن نمضي فيها بقلوب صافية ونقية من كل الشوائب والأدران واعين بأولويات القادم والمستقبل ومنحازين لهذا المستقبل بعيداٍ عن الانشداد للماضي ومنغصاته ومغلبين مصلحة اليمن أولاٍ على مصالحنا الذاتية أو الحزبية بحيث نغدو جميعنا في خندق واحد كيمنيين وأبناء شعب واحد مهما اختلفنا في الرؤى وتباينت مواقفنا فإن ما يجمعنا هو الوطن.
وفي كل وجه من وجوه هذه الرسالة يغدو من الواضح أننا معنيون وقبل كل شيء باستنباط معطيات المرحلة الجديدة التي سنبدأها من اليوم انطلاقا من دعوة الشراكة الوطنية من أجل الوطن والتي لاشك وأنها تقتضي من جميع مكونات العملية السياسية والحزبية بل وكافة أبناء الوطن التمييز بين الفرق الشاسع بين الاختلاف الذي يحدث جراء ممارسة العمل السياسي وبين الهرولة إلى الخصومة مع الوطن وما ينتج عنها من عواقب وخيمة على مصالح المجتمع ومسيرة التنمية والسلم الاجتماعي.
فالعبرة ليست بعدد الأحزاب والتنظيمات السياسية التي ننتمي إليها وإنما بما تقدمه هذه المصفوفة من أجل الارتقاء بوطنها كما أن العبرة ليست بممارستنا لحرية الرأي والتعبير بل بكيفية استخدامنا لهذا الحق وجعله وسيلة للبناء لا معولاٍ للهدم وأداة لتقوية التماسك الاجتماعي وتعزيز الولاء الوطني لا نافذة يتسلل منها الهواء الملوث الضار والمضر بالوطن والوحدة الوطنية.
والأخ الرئيس بهذه الدعوة من موقعه كرئيس للدولة أولاٍ ومواطن يمني حريص على هذا الوطن وأمنه واستقراره وحاضره ومستقبله إنما يدعو الجميع إلى كلمة سواء ترتفع بهم فوق الأحقاد والضغائن والمزايدات والمكايدات وتنتقل بهم إلى الشراكة الوطنية التي تسير بنا نحو الغد برؤية واضحة تقودنا إلى بناء الدولة اليمنية الحديثة وبناء المجتمع الديمقراطي المتطور والناهض والمستقبل الأفضل والمزدهر في انطلاقة جديدة نحو غد جديد لا مجال فيه للتردد أو التخاذل أو النزعات الضيقة.
إنها محددات المرحلة التي نحن مقبلون عليها وقد جاءت شفافة على لسان من أعد لها في أقواله وأفعاله.. خاطب بها قائدَ وفيْ شعبه الأبي ويِحúسْنْ بنا أن ننصت إلى نبضاتها الوطنية ونْحúسنِ استكشاف آفاقها لكونها تجمع بين حكمة قائد وزعيم ينبض قلبه بحب اليمن وعبقرية شعب صنع المعجزات على أرضه المعطاء في ثنائية تاريخية نادرة الوجود.
والكرة الآن في مرمى من وجهت لهم هذه الرسالة الذين يتعين عليهم التقاطها من أجل اليمن السفينة التي نبحر بها جميعاٍ نحو شواطئ الأمان والازدهار.
Prev Post
Next Post