أسهمت إذاعة تعز بدور وطني كبير في دعم ثورة 14 أكتوبر المجيدة ومواجهة الاحتلال البريطاني لجنوب الوطن حيث مثلت صوت الثورة في الجنوب وتم توجيه إرسالها الإذاعي إلى المناطق الجنوبية بهدف دعم الثوار والمناضلين وبث روح الثورة عند الجميع وحثهم على التمرد على الاحتلال البريطاني واقتلاع جذوره من أرض الوطن الطاهرة.
ولمعرفة تفاصيل تلك المرحلة والبدايات الأولى لإذاعة تعز والدور الذي لعبته والبرامج التي كانت تقدم وغيرها من المواضيع ذات الصلة التقينا بأحد المناضلين ممن ساهموا في تلك الجهود الوطنية من خلال العمل الإذاعي الذي قدمه عبر إذاعة تعز في مرحلة الكفاح المسلح من أجل الحرية والاستقلال وهو المذيع المعروف الأستاذ عبدالله محمد شمسان فإلى التفاصيل:
• في البداية هل بالإمكان أن تعطينا فكرة عن البدايات الأولى لإذاعة تعز¿
– الحقيقة أن إذاعة تعز أنشئت في مرحلة عندما أخذت ثورة 14 أكتوبر بالانتشار في العديد من المناطق الجنوبية وبالأخص في عدن العاصمة وبدأت العمليات الفدائية والمواجهات المسلحة بين الثوار وقوات الاحتلال البريطاني بالتصاعد حيث رأت القيادة السياسية في صنعاء أنه من الضروري إنشاء محطة إذاعية في تعز تكون مهمتها دعم المناضلين في الجنوب بحيث تمثل صوت الثورة.
ستة أشخاص
• متى تم افتتاح الإذاعة بالتحديد وكم كان عدد العاملين فيها¿
– تم افتتاح إذاعة تعز بداية يناير 1965م حيث تم تكليفي أنا وزميلي حسن العزي من قبل وزارة الإعلام في ديسمبر 1964م للعمل في إذاعة تعز حيث شكلنا المكون الأساسي للإذاعة إلى جانب الخبير الإذاعي المصري محمد الخولي وثلاثة من المهندسين فقط ورغم أننا كنا ستة أشخاص فقط إلا أننا أثبتنا أن الإرادة القوية والروح الوطنية المتفانية في حب الوطن والإخلاص الصادق للقضية الوطنية التي كلفنا القيام بها هي من الأمور الأساسية التي تجعل الإنسان يتغلب على كافة الصعاب ويجتاز العراقيل والتحديات وقد بدأنا البث الإذاعي بواقع ساعتين يومياٍ من الساعة العاشرة صباحاٍ حتى الثانية عشرة وكان الإرسال آنذاك يغطي أجزاء كبيرة من الوطن من بينها المناطق الجنوبية كافة وبالجهد المتواصل تمكنا بعد فترة من العمل الشاق من تمديد الإرسال إلى الساعة الثانية بعد الظهر أي بواقع أربع ساعات في اليوم واستمر هذا الوضع إلى أن تم الاستقلال برحيل الاستعمار في 30 نوفمبر 1967م بعد ذلك تحولت إذاعة تعز إلى إذاعة محلية وكان مديرها هو الأستاذ عبدالرحمن مهيوب الذي تم تعيينه مديرا لإذاعة تعز بداية العام 1967م.
برنامج الجنوب الثائر
• كيف أسهمت إذاعة تعز في دعم ثورة 14 أكتوبر¿
– أسهمت إذاعة تعز بدور وطني هام في إذكاء روح الوطنية وإيقاد شعلة الحرية في جنوب الوطن ودعم ثورة 14 أكتوبر المباركة التي اقتلعت الوجود البريطاني من أرض اليمن الطاهرة حيث كان إسهام إذاعة تعز من خلال البرنامج المعروف باسم (الجنوب الثائر) الذي واكب صوت الجنوب الثائر ومسيرة الحرية بكل إنجازاتها النضالية وانتصاراتها العظيمة فقد كان هذا البرنامج موجهاٍ للفدائيين والثوار وأبناء الجنوب بشكل عام حيث كان من خلاله يتم تشجيع وتحريض المقاتلين وتوعية الناس عموماٍ بمساوئ الاستعمار الذي اغتصب أرضنا الطاهرة وضرورة رحيله منها .. كما كان يتضمن أخبار عن العمليات العسكرية والفدائية إلى جانب استعراض البيانات التي كانت تصدرها القوى الوطنية ولقاءات مع مناضلين وكذا تعليق يومي عن الأحداث في الجنوب وأناشيد حماسية ثورية .. ومن أهم ما كنا نقوم به في إذاعة تعز من خلال برنامج الجنوب الثائر هو إجراء لقاءات ميدانية مع الثوار في مناطق تواجدهم والتي تدور فيها المواجهات المسلحة بينهم وبين قوات الاحتلال وقد رافقتْ كلاٍ من المناضلين علي عنتر وأحمد البيشي رحمهما الله في تنفيذ العديد من اللقاءات الإذاعية رغم خطورتها وكان لهذه اللقاءات أثرها الكبير في نفوس الناس.
عدد من البرامج
• هل من برامج أخرى كانت تقدم إلى جانب (الجنوب الثائر)¿
– نعم كان هناك عدد من البرامج التي تقدمها إذاعة تعز إلى جانب برنامج (الجنوب الثائر) حيث كان يقدم برنامجاٍ دينياٍ وما يطلبه المستمعون وبريد المستمعين إضافة إلى موجز أنباء وأناشيد ثورية وحماسية مع العلم أن برنامج «الجنوب الثائر» كان يبث في البداية بواقع ربع ساعة يومياٍ وبعد فترة وجيزة تم تمديد الوقت الخاص بهذا البرنامج إلى ساعة إلا ربع يومياٍ.
نجونا بأعجوبة
• كيف كنتم تقومون بإعداد وتسجيل البرامج في ظل غياب الإمكانيات¿
– كنا نقوم بتجهيز العمل في مقر إقامتنا في دار الضيافة حيث خصص لنا غرفتين إحداهما خصصناها للنوم والأخرى استخدمناها كاستديو ونسجل فيها البرامج من خلال مسجلة جراندنج وبعدها نأخذ الأشرطة إلى محطة البث الموجودة في منطقة الحوبان ونقوم ببثها وهذه الغرفة تم تفجيرها بقنبلة ناسفة بداية عام 1967م حيث تهدم جزء كبير من جدار هذه الغرفة ونجونا أنا وزميلي حسن العزي بأعجوبة في هذا الانفجار .. وهذا دليل على الرعب الذي أحدثه البرنامج لدى المستعمر وعملائه.
صعوبات وتحديات
• ما هي الصعوبات التي واجهتكم¿
– واجهنا صعوبات كبيرة ترقى إلى مستوى التحديات الصعبة وبعضها تكاد تكون شبه مستحيلة ولكن بالإرادة والإخلاص والإصرار على تحقيق النجاح خاصة وأن أمامنا قضية وطنية علينا إنجازها ومن أهم هذه الصعوبات أو التحديات أننا استلمنا إذاعة ليس فيها سوى محطة إرسال لا غير حتى استديو التسجيلات التي لا يمكن لأية إذاعة العمل بدونه لم يكن متوفرا ولم يكن في حوزتنا سوى جهاز تسجيل واحد وعدد قليل من الأشرطة لا تتعدى الثلاثين تحتوي على مواد إذاعية متنوعة حملتها معي من إذاعة صنعاء ولم نجد أمامنا بداٍ أو حل سوى أن نخصص غرفة عادية في مقر إقامتنا للقيام بالتسجيلات للبرامج ومن أهمها البرنامج السياسي الثوري الموجه (الجنوب الثائر) الذي أنشئت إذاعة تعز من أجله في دعم ثورة 14 أكتوبر بشكل مباشر ومركز ولقرب تعز من المناطق التي تدور فيها المواجهات بين الثوار وقوات الاحتلال البريطاني ليكون لهذا البرنامج التأثير المطلوب.
ومن أبرز المشاكل التي عانينا منها وبشكل يومي هي أصوات المارة وأبواق السيارات وأحياناٍ أصوات بعض الحيوانات التي تسمعها بوضوح داخل الغرفة التي يتم التسجيل فيها مما يجعلنا نضطر إلى وقف التسجيل والإعادة من جديد لعدة مرات.
عام ونصف
• إلى متى استمر هذا الوضع معكم¿
– استمر هذا الحال من المعاناة الشديدة والظروف الصعبة لانعدام أبسط الإمكانيات الفنية وحصر العمل داخل غرفة عادية لا تتوفر فيها أبسط مقومات العمل الإذاعي استمر فترة طويلة تقارب العام والنصف بعدها تم إنشاء استديو نمارس به عملنا وأخرى للبث المباشر في محطة الإرسال في منطقة الحوبان وبدأنا في توظيف عدد من الراغبين في العمل وقمنا بتدريبهم حيث بدأ العمل ينتظم بشكل أفضل وبعدها رجعت أنا إلى إذاعة صنعاء حيث مقر عملي الأساسي.
• هل من كلمة أخيرة تحبون قولها¿
– أحب أن أقول إنه مع كل ذكرى لثورة 14 أكتوبر العظيمة أشعر وكأنني جزء منها .. وفخور بأنني أسهمت بقدر كبير من الجهود الوطنية والعمل الإذاعي المشرف من خلال إذاعة تعز في مرحلة الكفاح المسلح من أجل الحرية والاستقلال التي نعيش هذه الأيام ذكراها الرائعة والمشرقة .. وستبقى اليمن بثورتها ووحدتها وجهود المخلصين والشرفاء من أبنائها منتصرة على كل الأزمات والتحديات.
