الأسواق العشوائية..احتلال غاشم لأهم الشوارع


> السلطة المحلية تغض الطرف والمواطن يتحمل الأعباء والمشاكل

> إعاقة كاملة لحركة المرور..والسرقات ازدهار استثنائي

> الحل في تأهيل الأسواق الموجودة وإنشاء أسواق جديدة بالتعاون مع القطاع الخاص

مع قدوم مواسم الأعياد يزداد انتشار الأسواق العشوائية داخل العاصمة صنعاء والمدن الرئيسية.. فلا يقنع الباعة والبساطون باحتلال الأرصفة فقط ولكن بسطاتهم تمتد إلى اقتطاع أجزاء كبيرة من الشوارع الرئيسية وقد تغلقها في بعض الأماكن وتمتد أيضاٍ إلى الشوارع الفرعية محدثة بذلك ارباكاٍ وإزعاجاٍ للسكان وتضييقاٍ لحركة المشاة وتكون بذلك سبباٍ رئيسياٍ للازدحام الحاصل في المرور فارضة واقعاٍ غير مقبول حيث تظهر آثاره من خلال تشويه معالم المدينة حضارياٍ وإعاقة للسلطات المحلية في أداء واجباتها والقيام بوظائفها المختلفة مثل أعمال النظافة وتنظيم حركة المرور.
ونحن على أبواب عيد الأضحى المبارك نتعرف من خلال التحقيق التالي على المشكلة وإمكانية إيجاد حلول ممكنة بتعاون السلطات المحلية والقطاع الخاص.

لا يمكن أن نطلق على أي تجمعات عشوائية لباعة تحتل الأرصفة والشوارع ومداخل الأسواق مصطلح أسواق عشوائية لأن الأسواق تطلق على التجمعات التجارية التي تمتلك ترخيصاٍ من قبل الأجهزة التنفيذية والسلطات المحلية التي تقع في إطارها هذه التجمعات.
وتوصف هذه التجمعات بالعشوائيات لخرقها القانون وانتشارها في أماكن غير قانونية فهي تنتشر بالقرب من الأسواق العامة وتحتل أرصفة الشوارع الرئيسية خاصة منها الشوارع التجارية وسط أمانة العاصمة مثل شارع هايل وشارع جمال ومنطقة التحرير وشميلة والصافية وباب اليمن وحتى أمام المحلات الكبيرة في شارع الستين وغيرها من المناطق الأخرى ولا يقتصر تواجدها أيام المواسم المختلفة مثل حلول شهر رمضان واستقبال عيدي الفطر والأضحى حيث تمتد هذه التجمعات إلى الشوارع الفرعية وأبواب المساكن وتحتل المساحات الضيقة سواء بالعربيات أم بالبسطات ولكنها تكون منتشرة على مدار العام.
وللإقبال الشديد من قبل المستهلكين على هذه التجمعات لشراء حاجياتهم من متطلبات الموسم سواء كانت مواد غذائية في شهر رمضان أم كانت احتياجات العيد من ملابس و”جعالة العيد” وغيرها من المتطلبات والاحتياجات التي يحتاجها الناس مع العيد فهذه من الأسباب التي تسهم في انتشارها وتحقيق أرباح ترضي أصحابها.
فرص عمل
وهذه التجمعات تعمل على توفير فرص عمل لعدد كبير من العاطلين والشباب الذين يبحثون عن عمل مؤقت في مثل هذه المواسم حيث يستغل رمزي عبدالرحمن وهو طالب جامعي أيام شهر رمضان المبارك في بيع العطور خاصة في النصف الثاني من الشهر حيث يزداد الطلب على هذه السلعة قبل حلول العيد.. يأخذ رمزي كمية معينة من العطور من أحد أقاربه وهو تاجر جملة وتجزئة ويقوم ببيعها بواسطة صندوق يضعها فيه ويحتل مكاناٍ معيناٍ في الشارع.
يقول رمزي: في مثل هذه المواسم نحن الطلاب نجد في هذه الأسواق فرص عمل مؤقتة حيث نحصل على ربح مناسب نقوم بتوفيره لأيام الدراسة فأهلي يقيمون في الريف ولا يوجد من يعولني ويضيف: هناك الكثير من الطلاب ومن الشباب العاطلين ممن يستغلون هذا الموسم للعمل ليس في العطور فقط ولكن في مختلف أنواع الملابس.
ويؤكد مثنى حمود وهو بائع في إحدى هذه الأسواق أو التجمعات العشوائية وقد تجاوز عمره الخمسين عاماٍ بأنه لم يستطع توفير مبلغاٍ كافياٍ لكي يستأجر محلاٍ تجارياٍ فكل ما يحصل عليه من ربح بالكاد يكفيه لإعالة أسرته.. مشيراٍ إلى أن هذه التجمعات تعتبر ملاذاٍ للعاطلين الباحثين عن أعمال فهم بالكاد يحصلون على رأسمال بسيط سواء بالاستدانة أم ببيع قطعة ذهب ليبدأوا مشوارهم ولا يجدون إلا الشارع كمكان أفضل لعرض بضائعهم وأوضح أنه يعمل في هذا المكان منذ عشرين عاماٍ ويحمد الله على ما يهبه له كل يوم من ربح بسيط يعيل به أسرته التي يكبر أبناؤها وتزداد طلباتهم يوماٍ عن يوم.
منافع متبادلة
يجد أصحاب محلات المواد الغذائية والبقالات أن وجود هذه التجمعات في المواسم التجارية يساعد في ارتفاع المبيعات لديهم بما يحقق منافع متبادلة يقول هاني الشميري وهو عامل في إحدى محلات المواد الغذائية: نحن لا نتذمر من وجود هؤلاء الباعة أمام محلاتنا طالما أنهم على مسافة كافية تسمح بدخول وخروج الزبائن لكنه يؤكد على أن وجود الكثير من الناس سواء كانوا باعة أم متسوقين له تأثير على حركة الشراء داخل المحل.
ويضيف: هذا هو موسم يأتي كل عام ولا تستطيع الجهات المعنية إلا التعامل مع هذا الواقع والقيام بعملية التنظيم والتنظيف تباعاٍ حتى آخر يوم فتقوم برفع جميع المخلفات الناتجة عن السوق.
فيما يرى عدد من أصحاب المحلات الخاصة ببيع الملابس ومحتاجات المستهلكين من أغراض العيد المختلفة ضرورة تطبيق القانون وإخلاء الشوارع من هذه التجمعات وإيجاد الحلول المناسبة لأصحابها فهي تعمل على تشويه المنظر العام للشارع  وللمدينة كما تؤثر بشكل أو بآخر على تجار التجزئة لأن بعض المستهلكين يتجهون إلى هذه التجمعات لشراء حاجياتهم فيتعرض أصحاب المحلات لخسائر كبيرة  بينما يواجهون ارتفاع الإيجارات ويتحملون العديد من الالتزامات كدفع الضرائب ورسوم رخص مزاولة المهنة وغيرها.. ويطالبون بضرورة إيجاد حلول مناسبة لهذه التجمعات ولأصحابها.
إعاقة المرور
ولأن معظم التجمعات العشوائية لا تجد أمامها إلا الشوارع والجزر الوسطية والأرصفة بل احتلال الشارع بأكمله كما يحدث في شارع هايل بأمانة العاصمة مع كل موسم يشهد اقتراب العيد وهي بذلك تخالف القانون وتعمل على مضايقة المواطنين العابرين وتسبب في ازدحام السيارات في هذه الشوارع لأن هذه الأماكن ليست مخصصة للباعة وإنما للسيارات وللمارة.
ويضطر سائقو الباصات العاملين على خط شارع هايل عندما يتم اغلاقه من قبل أصحاب هذه البسطات قبل العيد بعدة أيام أن يسلكوا الشوارع الفرعية داخل الحارات خلال الأيام الأخيرة نظراٍ لتوسع هذه التجمعات واحتلالها للشارع بشكل كامل مما يسبب أزمة مرور خانقة داخل الحارات ينزعج لها السكان وتؤثر على سير الحياة الطبيعية.
ويشكو يونس حسن وهو أحد سائقي هذه الباصات وزملاؤه من عدم وجود حيلة لديهم في مقاومة هذا التوسع فالشارع يضيق تدريجياٍ ويزداد ازدحاماٍ مع قدوم العيد حتى يتم إغلاق الشارع ونضطر إلى تحويل مسار الطريق بالدخول إلى الحارات حتى نصل إلى نهاية الشارع.
وفي ظل هذا الوضع العشوائي يعاني رجال المرور من عدم التزام أصحاب المركبات والسيارات بالوقوف الصحيح الموازي للرصيف وفي الأماكن الخالية بل على العكس من ذلك فهم يقفون بسياراتهم في أي مكان المهم أن يكون أمام الأماكن التي يريدون التسوق منها حيث يقول المساعد إبراهيم المحاقري أحد أفراد شرطة المرور بأن المكان يصبح في حالة فوضى مزعجة للجميع فأصحاب السيارات يقفون بسياراتهم بجانب هذه التجمعات العشوائية التي تحتل المكان المخصص لوقوف السيارات وبالتالي تضيق المساحة المخصصة لمرور السيارات فتسبب بذلك زحاماٍ شديداٍ مشيراٍ إلى أن رجال المرور يقومون بواجبهم ويحاولون توعية السائقين بعدم الوقوف إلا في الأماكن الخالية والمناسبة ولكن عشوائية المكان تجعل من الجميع في حالة فوضى عارمة نحاول من خلالها التخفيف من حدة الاختناقات المرورية.
ويؤكد أحد زملائه أن رجال المرور يتحملون عبء هذه العشوائيات فليس من صلاحيتهم منع هذه الظاهرة ولكن يقتصر دورهم على تنظيم سير المركبات على الطريق وتسجيل أي مخالفات تقوم بها هذه المركبات.. مشيراٍ إلى أن مكاتب الأشغال هي من تتحمل المسؤولية إزاء هذه الظاهرة.
 مخالفة قانونية
ولمعرفة الدور الحكومي تجاه هذه التجمعات ودور السلطة المحلية في محاولة إيجاد حلول مناسبة والحد من هذه الظاهرة يقول فرحات الأحمدي مدير عام الأسواق في مكتب الأشغال بأمانة العاصمة: إن وجود هذه التجمعات في الشوارع اختراق للقانون ومخالفة له فالشارع والرصيف ليسا مكاناٍ للبيع وإنما هما للسير وأشار إلى أن دور مكتب الأشغال بأمانة العاصمة حيال هذه التجمعات وسلطته هو القيام بتعزيز قدرة المديريات في معالجة المشكلة والحد من انتشار هذه الظاهرة وتأهيل الأسواق والرقابة عليها والمتابعة والتعقيب ورصد المخالفات التي قد تنشأ إما من قبل الأشخاص الذين يقومون باستحداث هذه التجمعات أو من قبل السلطة المحلية في المديريات وكذلك القيام برفع التقارير اليومية إلى قيادة المكتب ومنها إلى قيادة أمانة العاصمة لاتخاذ الإجراءات وفقاٍ لما يتضح من خلال التحقيق.
ويضيف الأحمدي: ويقوم مكتب الأشغال بأمانة العاصمة بتحرير مذكرات تنبيه إلى مدراء المديريات بهذه المخالفات ليكونوا على علم بها حتى يقوموا بواجبهم تجاهها ونرفع بنسخ من هذه المذكرات إلى قيادة أمانة العاصمة ووكلاء الأمانة ولكن للأسف الشديد لا يتم التعامل مع هذه المخالفات بجدية من قبل مكاتب الأشغال في المديريات.
 الحاجة إلى أسواق جديدة
وأوضح مدير عام الأسواق في مكتب الأشغال بأن أمانة العاصمة يوجد فيها سبعة أسواق مركزية وهي الحصبة نقم مذبح سوق المهيوب سوق نشوان للدواجن والطيور وسوق التنمية الحضرية في سعوان وسوق ذهبان وهي أسواق حكومية تتبع أمانة العاصمة وجميعها تعمل ماعدا سوقي مذبح والحصبة ونحتاج إلى هذين السوقين للتخفيف من الأزمة ولكن لا توجد رغبة وقوة إرادة لدى أمانة العاصمة في إعادة فتحهما.. إضافة إلى مايقارب 130 سوقاٍ ثانوية وتابعة للقطاع الخاص منها عدد غير مؤهل ومنها ما تم إنشاؤه مخالفاٍ لقانون البناء والمخطط العام وغير مرخص لها.
وتطرق الأحمدي إلى أن التجمعات العشوائية لا يمكن تحديدها برقم بعينه وذلك نظراٍ لطبيعة انتشارها وتفرعاتها ومجاورتها للمحلات والأسواق التجارية واحتلالها للشوارع والأرصفة وهي تجمعات متحركة  دائماٍ ما تتنقل من مكان إلى آخر وتظهر من وقت إلى آخر بحسب المواسم المختلفة.
حلول ممكنة
ومن الحلول الممكنة كما يقول الأحمدي استثمار الأسواق المركزية بشكل صحيح لصالح البساطين وذلك بإعادة تأهيلها وإصلاحها لنفس الغرض الذي أنشئت من أجله لتكون أسواقاٍ لهؤلاء الباعة والسعي لجذب القطاع الخاص وتسهيل الإجراءات أمامه لإنشاء أسواق جديدة ترافق التوسع العمراني الذي تشهده أمانة العاصمة وإلزام هؤلاء الباعة في الدخول إلى هذه الأسواق.. مشيراٍ إلى أن إدارة الأسواق لديها إحصائيات كاملة عن جميع الأسواق الموجودة في أمانة العاصمة ودراسات لإنشاء أسواق جديدة كما أن لديهم بدائل لمثل هذه التجمعات ولكن لم يلتفت إليها.
وأضاف: صحيح أن معظم أصحاب هذه التجمعات يقومون بإعالة أسرهم ولكن الحل ليس بقاءهم في الشوارع والأرصفة يحتلونها وهي ملك عام للجميع بل الحل يتمثل في وجود إرادة وتوجه من قبل أمانة العاصمة في الحد من هذه الظاهرة والمساعدة بإنشاء أسواق جديدة عن طريق تشجيع القطاع الخاص في ذلك وإلزامهم في الدخول فيها على أن يكون الإيجار مقبولاٍ وبذلك نكون قد وفرنا لهؤلاء الأشخاص مصدر رزق دائم لأن الجلوس على الشارع ليس دائماٍ فقد يأتي يوم من الأيام ويتم تطبيق القانون ومنع أي تجمعات عشوائية جديدة.
مشيراٍ إلى امكانية تنظيم أسواق مؤقتة في أحواش مثلاٍ أو في أراضُ مسورة بحيث  تبتعد عن الشوارع ويمكن أيضاٍ تنظيمها في أحواش بعض المدارس أيام العطلة الصيفية ويتم تأجيرها للمستفيدين ويعود ريعها لترميم تلك المدارس ويمكن أيضاٍ استخدام صالات الأفراح أيام شهر رمضان كذلك في تنظيم أسواق مؤقتة.
وتطرق إلى وجود عدد من الصعوبات والمعوقات في حل هذه المشكلة ومنها تردد القطاع الخاص في إنشاء المزيد من الأسواق وذلك لعدم قدرة مكاتب الأشغال في المديريات على رفع التجمعات العشوائية من الشوارع والأرصفة وإلزامها بدخول الأسواق الحديثة القريبة منها لأن أصحاب هذه التجمعات يجدون في الشوارع مكاناٍ أفضل يجنبهم دفع إيجارات أو أي تكاليف أخرى.
أضرار شاملة
وكما أن هذه التجمعات العشوائية تؤثر سلباٍ على الحياة العامة وتشوه المظهر العام للشارع والمدينة فإنها أيضاٍ تلقي بأضرارها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأخلاقية أيضاٍ على المجتمع وأفراده فالسكان ينزعجون من انتشارها داخل الأحياء السكنية وتعرقل حركتهم وتعطل وتمنع وصول سيارات الإسعاف إلى المنازل وبالتالي تسبب في مضاعفات لدى المرضى وتخلق ثقافة خرق القانون واحتلال الشوارع وإزعاج المواطنين وتكون بمثابة بؤر لتصريف البضائع المهربة والمنتهية الصلاحية.
ويبقى الدور على السلطة المحلية في أمانة العاصمة في إيجاد حلول حقيقية وواقعية لمشكلة الأسواق العشوائية وتوفير البنية التحتية وإيجاد الظروف المناسبة لمشاركة القطاع الخاص في إنشاء المزيد من الأسواق الاستهلاكية لاستيعاب البائعين في هذه التجمعات نتمنى أن يتحقق ذلك..

تصوير /ناجي السماوي

قد يعجبك ايضا