لذا نحتفي بمولد الرسول الأعظم

أحمد يحيى الديلمي

 

أحمد يحيى الديلمي

في كل عام يهل فيه شهر ربيع الأول كان اليمنيون يعيشون أجواء مفعمة بالأمل عابقة بالحب تفتح آفاق الناس على لحظة الانعتاق من الغي والضلال وبزوغ فجر جديد يرتقي بمشاعر وعقول وأجسام الناس إلى مقام ملامسة الحقيقة على مدى قرون خلت والمدن اليمنية تحتفي بعيد ميلاد النور محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
تتردد السيرة العطرة للرسول الأعظم داخل المساجد والدواوين ، وكل يوم جديد من ربيع الأول يهل يحمل في ثناياه الكثير من معاني السمو واستعادة المشاهد المجسدة لجهاده صلى الله عليه وآله وسلم وما تَحمَّله من عناء وتعب ومؤامرات في سبيل إبلاغ الدعوة .
ظلت هذه الثقافة تتكرر في كل عام إلى أن تربعت داخل النفوس أسوار خفية مهدت لاتساع نطاق الجهل والانقياد الساذج لمفاهيم مريبة حتمت الاقتداء بسلوكيات شاذة وسعت نطاق الجهالة وفرضت التمسك بأوهام عنكبوتية خادعة من قبل نفوس قاحلة تدعي حماية العقيدة والانتصار لقيم الدين تارة وأخرى بدعوى العودة إلى الجذور والاقتداء بأفعال السلف ، وهي من شرعنت الفتاوى الزائفة التي أوصلت الإسلام والمسلمين إلى مرحلة التقزم ، فأثارت الشكوك والأوهام وأغرت قلوب المسلمين بكم هائل من العداوات والأحقاد وبثت كل أشكال الكراهية ، أخيراً وهو الأهم تم استهداف رموز الدين وفي المقدمة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عبر التأكيد على أن الاحتفاء بمولده أو تخليد مشاهد حياته وأدواره الجهادية العظيمة بدعة وضلالة ، هذه النزعات الشيطانية كادت تتحول إلى ثقافة وتختزل حياة الرسول الأعظم في طقوس عابرة وفقاً لاعتقادات باطلة من نفس الجماعات التي استغلت سذاجة وجهل البسطاء وحاولت أن تملأ رؤوسهم بأفكار مشحونة بسعار الغلو والتطرف والتشدد وأخيراً الإرهاب .
على وقع نفس المزاعم اختفت مظاهر الاحتفال وتراجع حماس الناس بفعل الإجراءات القمعية وحالة انتشار قوات الأمن والمخبرين في كل مسجد يتوقع أن تقام فيه مظاهر احتفال إحياء المناسبة واختزال العملية في احتفال تقيمه وزارة الأوقاف بالجامع الكبير بصنعاء ثم الانتقال إلى جامع الشهداء لأن المصلين بالجامع الكبير ضاقوا ذرعاً بطريقة الاحتفال خاصة أنه كان يتم انتقاء الخطباء ممن يتحدثون عن النظام ويمجدون الرئيس أكثر من الحديث عن صاحب الذكرى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى جانب تحريف الكثير من الوقائع وفي الغالب يسمع الناس كلاماً مريباً مليئاً بالتناقضات يستحضر هامات ويتحدث عن كرامات ليس لها جذور ولا أدوار ، وفي بعض الأعوام كان أركان السفارة السعودية يشاركون في التحضير للاحتفال بقصد الوصول إلى الغاية المنشودة التي تعتبر الاحتفال بمولد الرسول بدعة وضلالة وفعلاً محرماً يوجب العقاب .
كل ما أسلفت جعل وجه المقاربة وإحياء الذكرى يختلف تماماً هذا العام لتحقيق غايات هامة وهي :
• إزالة الوعي المهدوم المعزز بسطوة المال الذي حاول محو ثقافة تعظيم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وإبدالها بثقافة شيطانية تقلصت معها مظاهر إحياء هذه الأيام الخالدة في العديد من الدول العربية والإسلامية ، لذلك تطلب الأمر صعقة قوية تُعيد المسلمين إلى الصواب وتقتلع أفكار الضلال والحقائق الزائفة من قعر الصدور ومد الأجيال بثقافة نقية تعرفهم بعظمة الرسول وتخليد مناقبه في كل لحظة من لحظات حياتهم.
بالنسبة لنا في اليمن هي ضرورة لإحياء ثقافة الارتباط بالدين والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم في إعلاء راية الجهاد للذود عن حياض الوطن وحماية العقيدة من الغزو الفكري الدخيل والقيام بأعباء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما يمثل الاحتفاء الكبير بهذه المناسبة العظيمة تأكيداً واضحاً على أن اليمن استعاد القرار السيادي وضمن استقلال الإرادة وامتلك الخيار الوطني وأنه ينتصر للرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانتصار للدين والهوية الوطنية وهي أعظم غاية يسعى إليها كل مسلم .. والله من وراء القصد ..
قول مأثور ( في الزمن المسخ يتحول الرعاع إلى غزاة ومحتلين .. إنا لله وإنا إليه راجعون).

قد يعجبك ايضا