تركيا وأطماعها في الوطن العربي
محمد ناجي أحمد
لم ترحل تركيا من الوطن العربي اختياراً منها ،لقد كانت ثورة الشريف حسين عام 1916م علامة زمنية فارقة ،ودوراً نوعياً سرّع من انكسار تركيا في الحرب العالمية الأولى.
دخل الشريف حسين الحرب العالمية الأولى ضد الإمبراطورية العثمانية موعوداً بمشرق الوطن العربي ،موحداً تحت حكمه ،وانتهت الحرب لتكشف بريطانيا ووصيفتها الاستعمارية فرنسا عن وجهيهما الحقيقيين .
كان الاستعمار يدبر مكيدته في الخفاء من خلال اتفاقية سايكس/بيكو،التي وضعوا بنودها وخطوطها الجغرافية العبثية ،التي كان يرسمها موظفو بريطانيا ،لتتحول تلك الشخبطات على الورق والأرض إلى حدود قطرية تسيل من أجلها الدماء وتحترب القبائل .
انتهت الحرب العالمية الأولى لتنكث بريطانيا وتنقلب على وعودها ،ولتنفي الشريف حسين إلى جزيرة قبرص ،ليموت هناك مثقلا بالديون المعيشية ومشلولا .وظل الرجل وفياً لحلمه ومشروعه العربي المشرقي ،الذي تأتي فلسطين في قلبه.وليوصي أبناءه بأن يقبروه في القدس ،وقد كان له ذلك.
بعد انهزام تركيا في الحرب كان الجيش الذي يقوده مصطفى،الذي لقب بأتاتورك بعد ذلك ؛أي أبو الأتراك-تائه في عمق الجغرافيا التركية يلملم فلول امبراطورية شاخت وانهارت بفعل نهمها وتعصبها العرقي وفسادها المتراكم ،ومظالمها وانحلال قيمها ،إمبراطورية ظلت تمتص عرق الفلاح ودمه ،وتدير سلطانها بالإتاوات والرشاوى والعنف الدموي ،واستعباد الفلاحين وقهر الشعوب ،والتصفيات العرقية والدينية!
ومع الهزيمة تواصل مصطفى كمال أتاتورك مع أحرار الشام والعراق من أجل التعاون في مواجهة الاستعمار البريطاني والفرنسي،في سوريا والعراق ،لكن الفرنسيين سارعوا للتفاهم معه باللغة التي ربتهم عليها الإمبراطورية العثمانية،عرضوا عليه لواء الاسكندرونة وأنطاكية ؛أي سلخها من الشام وإعطائها رشوة له ،فقبل العرض وتخلى عن وعوده واتفاقاته مع العرب.ليواجه العرب بثورة العشرين قسوة فرنسا وأسلحتها الفتاكة ،بأسلحة بدائية وروح فدائية استشهادية قادها وزير الدفاع يوسف العظمة،ليستشهد ومن معه في مذبحة جماعية،كانت نتيجة طبيعية لتخلي تركيا عنهم.
واستمرت فرنسا طيلة العشرينيات من القرن العشرين إلى عام 1936م تحدث تغييرات ديموغرافية بطرد العرب وتوطين الأتراك ،وصولا إلى فبركة الاستفتاء على سلخ لواء الاسكندرونة ونزعه واحتلاله بالاستيطان،لتكون نتيجة الاستفتاء استكمالا وإضفاء للاحتلال بمسمى حق تقرير المصير ،وأي مصير هذا الذي يعطي أرضا عربية لتركيا ،وانتزاع جزء أصيل من الجغرافيا العربية ،سواها فرنسا من منحت تركيا استيطان واحتلال هذا الجزء من الأرض العربية،الذي منه جاء المفكر العربي زكي أرسوزي ،وظل يناضل من أجل أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ،وفي أولى تلك الرسالة تحرير فلسطين ولواء الاسكندرونة.
وفي العراق ظلت مطامع تركيا بالموصل مستمرة ،وصولا إلى أردوغان وتصريحاته بإعادة النظر باتفاقية لوزان ،وغيرها من الاتفاقيات التي ألزمت تركيا والتزمت فيها بأن الموصل عراقي .
أطماع تركيا في سوريا لا تتوقف عند احتلالها للواء الاسكندرونة وأنطاكية،ولكنها اليوم تسفر عن وجهها الاستعماري بالتمدد داخل ادلب ،بحجة لطالما استخدمتها الولايات المتحدة ؛أي محاربة الإرهاب ،و(الضربات الوقائية) و(الحرب الوقائية)وكذلك هي تركيا اليوم ،وبضوء أخضر أمريكي ،تحتل أراضي سورية بحجة محاربتها للأكراد ،أو ما تسميه بمنظمة (قسد)كونها توصفها بأنها منظمة إرهابية .
وتركيا حين تسفر عن وجهها الاستعماري ،وتتدخل إسرائيل من خلال بعض التصريحات المضللة ،حين تدين دخول الجيش التركي إلى ادلب ،وهي في تنسيقها العسكري والاستخباري والاقتصادي والسياحي مع تركيا في ذروة التنسيق المتين ،في ذات الوقت تتخذ المقاومة الإسلامية (حماس) موقف المؤيد لتحركات الجيش التركي في سوريا بحجة أن تركيا تحمي أمنها القومي ،لهذا تتفهم حماس هذا التحرك!
هنا تصبح معركة الوعي جوهرية ،فإسرائيل عمليا مع تمدد تركيا في سوريا ،وحماس كعادتها في كل منعطف وصراع في المنطقة العربية تختار انحيازاتها كمنظمة تحدد ولاءها أولا في انتمائها الإخواني ،ولو على حساب الأمن القومي العربي!
من جهة أخرى ” ترى إسرائيل أن إدخال تركيا كلاعب أساسي في الشرق الأوسط يغير من الطبيعة الجغرافية – السياسية للمنطقة ،ويجعل من وجود دولة غير عربية تؤدي دورا كبيرا في الاقتصاد والأمن والحياة السياسية مبررا لقبول وجودها هي بالذات ” ص7 –دول المثلث بين فكي الكماشة التركية الإسرائيلية – عايدة العلي سريّ الدين – دار الفكر ،بيروت 1997م .
بل إن علاقتها مع تركيا قد أسهمت في إخراجها من عزلتها ،وسرّعت من عملية التطبيع .
يتكامل الدور التركي في موضوع المياه ضد سوريا والعراق مع التوسع الجغرافي الإسرائيلي والمائي معاً على حساب لبنان والأردن . ولهذا أصبح التوسع الجغرافي التركي ومنع كميات المياه اللازمة لسوريا والعراق التي تمر عبر تركيا ،وارتفاع ميزان التبادل التجاري ،ورحلات الطيران ،من سمات الحلف الاستراتيجي بين إسرائيل وتركيا .
ما تريده تركيا هو أن تخلق مستوطنات كحزام أمني داخل الأراضي السورية ، والعراقية يقيم فيه ” فلاحون مخلصون للدولة التركية ،تستخدمهم أنقرة من منطقة الأناضول ،وهذا ما قامت به في أي حال بعد احتلالها للشطر الشمالي من قبرص ” ص10-المرجع السابق.
ومطالبتها بتعديل (اتفاقية لوزان ) شبيه بما فعلته مع اتفاقية (سيفر) 1920م، التي كانت تنص على اعتراف بدولة كردية مستقلة ،لكنها عدلتها باتفاقية (لوزان ) 1923م ،التي تنص على إلغاء الاعتراف بدولة كردية ،وأصبحت الدولة التركية باسطة سيادتها على معظم المناطق الكردية ،وهو ما تريد تكراره بخصوص (الموصل ) التي تدعي بأنها “أرض تركية “.