ضمن خطة القيادة العامة الرامية إلى الانتشار على كامل الشريط الحدودي مع مملكة العدوان السعودية ، وتطهير الجيوب والمعاقل والمواقع والمساحات التي سيطر عليها العدوان داخل الأراضي اليمنية خلال العامين الماضين ، بالإضافة إلى تطويق ومحاصرة المواقع السعودية القريبة من حدودنا للحد من أي تأثيرات لتواجد القوات العسكرية التي راكمها النظام السعودي وكدسها في المناطق الحدودية داخل أراضيه كمناطق خلفية لجبهة الحرب ، وبما يضع حدا للعربدة السعودية ، وسعيها لإنشاء مساحات أمنية عازلة تنتشر فيها القوات والحشود والدبابات وتقدر مساحة 40 كيلو متر داخل الأراضي اليمنية ، بما يجعل من المعسكرات والمدن السعودية بعيدة عن متناول الأسلحة المتوسطة ، عبر المجاهدون نقاط الحدود في محور نجران ، وكسروا معادلة الجيش البديل المكون من حشود المرتزقة والعملاء ، المسنودين بأحدث سلاح المدرعات والدبابات ، ويصبحون أقرب من أي وقت إلى مدن سعودية كبرى.
الثورة/ يحيى الشامي.
- الحدود..ميدان المعارك الكبرى
خلال العامين الماضيين لم يتغير شيء على خطوط النار في جبهة نجران وخارطتها الواسعة ، منذ عامين أو أقل قليلا ، الاشتباكات تراوح مكانها في عدة نقاط ، تحتدم على هذا الجبل وتهدأ في البقية ، بين مهاجم ومدافع وعلى مسافة صفر وقد تساوي أحيانا مسافة نيران الأسلحة المتوسطة والخفيفة المتبادلة دون تحقيق خرق نوعي، القوات التي حشدها العدو إلى كتاف ضاربة ، عدد كبير من المقاتلين المرتزقة ، ألاف المدرعات والأليات ، مخازن هائلة من الأسلحة والإمدادات اللوجستية ، بنية تحتية كبيرة ، كتاف هي ساحة المعارك الكبرى على الحدود ، ذلك أنها مناطق حاكمة وتمثل نقطة انطلاق للعدو إلى جبهات آخرى ، أو هكذا كانت إلى أن استدُرج المرتزقة إلى أطرف نقطة في وادي آل أبو جبارة.
في وقت سابق نفذ المجاهدون انسحابا تكتيكيا من مواقع جنوب الوادي وهي أبعد نقطة وصل إليها العدو ، تمددت القوة الهائلة ووصلت إلى نقاط متباعدة ومشتتة ، توغل العدو تحول إلى كمين محكم ، فبعد أن نشر قواته في المواقع الشاغرة جلب عشرات الآليات المدرعة والمدافع والتعزيزات البشرية، ثم شرع في التموضع واستحداث المواقع وتحصينها، وحين بدأ التحضير لعملية جديدة انطلاقا من المواقع التي استولى عليها ، يقال بأن ضباط الجيش السعودي وحتى قيادته توهموه ما حدث إنجازا بكلفة صفر خسائر ، وفي لحظة النشوة تحول ما توهموه إنجازا إلى هزيمة ساحقة ، تهاوت وانهارت القوة في لحظات ، صورة جسدت عظمة الله وقدرته التي تجلت لكل المشاهدين وبشكل غير معهود. ،
بهذا تكون قيادة الجيش واللجان قد نجحت في فتح مسار إشغالي يغرق فيه العدو ويسحب معظم قواته إليه بينما يتم وضع اللمسات الأخيرة ، لعملية نصر من الله ، عملية لا علاقة لها البتة بخطوط الدفاع والاشتباك الأمامية، ظن العدو أنه يراكم انتصاراته ويتقدم الى ما بعد الوادي، وقد جاء التكتيك الأخير (الانسحاب) من المواقع القريبة من منطقة نجد الفارس وهي المنطقة الأبعد التي يتقدم فيها العدو في خارطة تقدمه الأكبر منذ ثمانية أشهر لتكون بمثابة الضربة الأولى.
تعامل مجاهدو الجيش واللجان مع الاختراق الكبير الذي حققه العدو السعودي ومرتزقته قبل ثمانية أشهر ومازال يتوسع فيه كفرصة عسكرية ثمينة لتحقيق ضربة نوعية كبرى تتجاوز مسألة تحرير الأرض وإخراج الغازي إلى فرض معادلة عسكرية وازنة يفقد فيها العدو ورقته الحدودية الأقوى ويخسر أكبر قدر من قواته البشرية ومعداته الحربية ويتعرض لأكبر انتكاسة عسكرية في تاريخه بضربة واحدة تشترط خطة الجيش واللجان أن تكون كلفتها من طرفهم شبه منعدمة ، وعليه تم التعامل مع كل تقدمات العدو صوب اراضي كتاف والبقع على نحو استدراجي مدروس بعناية.
عناية الله وتأييده جعلت من كل خطوة يخطوها العدو في صالح المجاهدين ، كان المجاهدون بقدرة الله وبأسه يخوضون المعركة ويدكون حصون الإرتزاق والعمالة والعدوان.
- خارطة الكمين الكبير.
بحساب الجغرافيا وبمعيار موازين القوة الغير متكافئة فإن تحرير مساحة 350كم2 قد يستغرق أشهر، غير أن ما أنجزه الجيش اليمني واللجان الشعبية في المرحلة الأولى من عملية نصر من الله جرى خلال ساعات.
المنطقة تقع قبالة نجران ولأن السعودي يعتبرها أهم أوراقه من بين كل الجبهات، فقد أنشأ فيها وأدخل إليها ثلاثة ألوية من المرتزقة اليمنيين بالإضافة قوات من الجيش السعودي ، فيما كان السعودي يعُد انتصاراته ويحتفل بها كانت القوات اليمنية تتعامل مع التوغل السعودي كفرصة ثمينة للايقاع بأكبر قدر من قوات الجيش السعودي والمخدوعين اليمنيين.
سمحت قوات الجيش واللجان لقوات للغزاة السعوديين بالتوسع قليلاً في الجهة الجنوبية، تحديداً في مناطق الرصيفات والجبال المحيطة من الجهة الغربية كجبل المجزعة والهضبة وأنمار وصولاً الى ال أبو جبارة، على عكس ما جرى في الجهة الشمالية التي ظلت محكومة بقبضة الجيش واللجان كنقاط حاكمة من وادي الحرماء شرقاً ووادي خية غرباً.
مع مرور الوقت بدأ العدو السعودي يثق بانتصاراته ويبني عليها توجهات جديدة فاندفع لنقل جزءاً كبيراً من قواته الى المنطقة وشرع في شق بنية تحتية عملاقة واستحداث عشرات المعسكرات جنوباً وشمالاً والانطلاق منها الى مناطق أخرى كجبل النمرة ومعسكراتها وجبل ام الرياح وملحقاته وجبال السوائل والثلاثين ومرفقاتها العسكرية وجبل الوقار الاعلى في المنطقة والمطل عليها من جهة الجنوب وجبال الهضبة المشرفة على الوادي
مع بدء هجوم قوات الجيش واللجان من ثلاثة اتجاهات غربي وشرقي وجنوبي فقدت قوات الغزاة والمخدوعين زمام المبادرة وتحولت كل قواتها الى عبء، وبدأت الانهيارات تتوالى داخل الألوية الثلاثة بدءاً من خطوط الدفاع الى عمق مراكز القوة والسيطرة.. جرى ذلك في غضون ساعات.
- تحوّل المهمة العسكرية إلى المهمة الإنسانية
بعد انقطاع الخط واطباق الحصار على مرتزقة الجيش السعودي داخل مناطق الاستدراج قبالة نجران، تحولت مهمة المجاهدين العسكرية الى دور إنساني صرف، يتعلق بتأمين مجاميع المستسلمين وتوفير الحماية اللازمة لهم من غارات طيران العدوان، ومن ثم البحث عن طرق آمنة لنقلهم من المنطقة وإخراجهم الى أماكن بعيدة عن ساحة المعارك، وهي مهمة وصفها قادة في الجيش واللجان الشعبية بأنها أصعب من المهمة العسكرية لما تنطوي عليه من مخاطر جمة في مقدمتها غارات الطيران المعادي الذي شرع في ملاحقتهم في كل الشعاب والأودية والجبال مستعينا في البحث عنهم بالطيران الاستطلاعي.
في البدء رفض غالبية المرتزقة الاستسلام متمسكين بأسلحتهم متجاهلين دعوات المجاهدين لهم الاستسلام ، أصرت هذه الشريحة من المرتزقة على التمسك بالسلاح رغم إدراكهم حجم الخيانة التي تعرضوا لها من قبل قيادتهم سواء السعوديين أم اليمنيين والذين هربو
في اللحظات الاولى من بدء العملية دون إشعارهم بالخطر المحدق، كانت معنويات المرتزقة حينها قد هبطت الى الحضيض وتيقن البقية منهم أن المقاومة تضرهم أكثر مما تنفعهم وأن الناجي منهم من القتل بنيران الجيش واللجان لن ينجو من غارات طيران أسياده السعوديين، ولن يجد في سور الحصار المضروب على جوانب المنطقة ثغرة ينسب منها وإن وجد فإلى أين، حيث الآفاق مسدودة وليس في الفيافي الا السراب والأرض لا ترحم التائهين فيها الجاهلين لدروبها ومناكبها، لم يمر من الوقت طويلا حتى انضم الجميع الى صفوف المستسلمين.
كان المشهد مهيبا ومليئا بالمفارقات، بنادق وجعاب المخدوعين تتراكم فوق بعضها في عدة نقاط مخصصة لها فيما أعلنت بنادق المجاهدين صمتها لترتفع أصوات حملتها بعبارات الترحيب: ارحبوا لوطنكم، ارحبوا الى يمنكم ( المشهد الشهير الذي عرضه الإعلام الحربي)، فيما دخل المخدوعون في نوبة من الصدمة اثر عشرات الغارات التي لاحقتهم وتعاملت معهم كأهداف، وعبر بعضهم عن امتنانهم المجاهدين الذين سرعان ما بادروا في تنظيم عملية الخروج باذلين أقصى جهودهم لحمايتهم وتأمينهم في عملية نقل استمرت لأكثر من أسبوع وهي إحدى أسباب تأخر الاعلان عن العملية وفق ما أشار إليه الناطق الرسمي الأنصار الله في مقابلة تلفزيونية.
وأمام جنون الطيران – الذي أوكلت إليه مهمة الدفاع بالنيابة عن مرتزقة الجيش السعودي إثر انهيارهم – تضاعفت التحديات التي واجهت مجاهدي الجيش واللجان الغارات لا تتوقف تضرب مجاميع الأسرى أينما وجدتهم، ما وضع المجاهدين في سباق مع الوقت وتحد اجتياز المكان في المنطقة المحررة ٣٥٠كم مربع وهي مساحة واسعة تنعدم فيها الطرقات التي حتى وان وجدت يصعب ادخال السيارات اليها لسببين الاول تضاريس المنطقة شديدة الوعورة، والثاني كثافة تحليق الطيران الحربي وتضاعف غاراته على كل الاهداف المتحركة والثابتة كالمعسكرات والمواقع التي أخلاها وخرج منها آلاف المخدوعين، والعدد هو تحد اخر لا يقل تحديات البيئة الحربية وأجواء المعركة، التي يلمس المعاين لها والحاضر فيها كيف نجح المجاهدون في تحويل الظرف العسكري القاس الى لحظة انسانية مفعمة بالمسؤولية وبالروح الجهادية، برزت تجلياتها في التعامل الأخلاقي الكبير مع الأسرى الذي بدى بعض منه في مشاهد الإعلام الحربي المنشورة لعملية نصر من الله
- ولو كان بهم خصاصة
لا يخفى أن استسلام الآلاف من منتسبي ثلاثة الوية كان نتاج تظافر عدة عوامل عسكرية من بينها الحصار، فالماء والغذاء نفدا سريعا بعد انقطاع خط الإمداد الوحيد من داخل نجران إليهم، والمفارقة هنا أن الجوع كان يعصف أيضا بعشرات المجاهدين الذين استمروا في عملياتهم دون استراحة بانتظار انتهاء مهمة أطال من عمرها عدد الأسرى الكبير، وتمدد المهام لتتجاوز كثيرا حدود المعركة، ومع ذلك و وسط جو من العناء والتعب و العطش والجوع تقاسم المجاهدون لقمة عيشهم الصغيرة المحمولة على حقائبهم وعلبة الماء مع من وجدوا من الأسرى، بل إن البعض (وهي شهادة أنقلها من واقع تواجدي ) جاد بما يملك من الزاد للأسرى ولم يحتفظ لنفسه شيء، وهي مواقف تركت أثرا بالغا في نفوس الأسرى الذين ماتزال بنادق الكثير منهم محتفظة بحرارتها بعد الرصاص المضروب؟
من بقيق إلى نجران: نهاية الحرب ونهاية المملكة أيضا
الثورة/ عبدالرحمن عبدالله
بدت عمليات نصر من الله ، مشاهد حية توثق اللحظات الأخيرة في عمر العدوان على اليمن ، سيما في المعنى العسكري الذي أسقط رهانات الطيش السعودي في القوة والسلاح والحشود والمرتزقة ، المفارقة أن مشاهد التهاوي والأنهيارات مؤهلة لأن تكون في الوقت نفسه مشاهد لسقوط مملكة العدوان وأحلافها في الحرب على اليمن ، توحي بذلك صور الإنهيارات والإستسلام ، وهروب الدبابات والمدرعات متعددة الجنسيات ، ولا شك في أن عجز وفشل التكنولوجيا الأمريكية والأوربية وغيرها ، وانهيار القوات الهائلة أمام المقاتلين يرسم نهاية لتاريخ السلاح والقوة الغاشمة التي كُرس بها عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
أيام حاسمة من عمر العدوان على اليمن ، الخيارات الإستراتيجية نشهد فصولها وانعكاساتها اليوم ، فما كان استراتيجيا؛ أصبح واقعا قائما في مشهد المعارك ، التسارع المطّرد لأحداث المعركة بلغ خلال الشهر الأخير ذروة لم تشهدها سنوات الحرب الخمس ، يجدر توسيع المشهد قليلا ، لتشمل إلى جانب نصر من الله عسكريا تصاعد ضربات الصواريخ والمسيرات على المنشآت النفطية وآخرها ابقيق ، سياسيا تجسدت الانعكاسات في مبادرة رئيس المجلس السياسي الأعلى بوقف الطيران والصواريخ ، وما رافقها من خطوات أحادية في الجانب الإنساني أهمها إطلاق الأسرى ، مروراً بالتحول الملحوظ في الموقف الدولي إزاء تلك الخطوات مجتمعة ، وهي تعكس في مجملها حركة موازين القوة ومعادلاتها الناتجة عن معركة النفس الطويل ، وصولاً إلى إعادة مشهد الحرب وتمظهراتها في الإعلام كمأساة يمنية ، إلى هزائم وانتكاسات سعودية وفصول من الأزمات والتهاوي للمملكة التي تفقد كل شيء وعلى دفعات متتالية ، مع ما يمكن أن يفضي إليه المشهد هو نهاية حاسمة للعدوان ، وكياناته التي بالغت كثيرا في الإجرام والقتل والبشاعة وارتكبت فضائع لا تحصى.
مهدت نصر من الله وهي تسمية لتحول فارق ومفصلي ، هو من تدبير الله الذي تجلت فيه قوته وبأسه ، لتحولات فارقة في مشهد العدوان والتصدي له ، ما يوحي بأن لحظة إلهية غيبية قد حلت على مملكة العدوان وحلفائها ، ويبقى القول بأن ثمة مساران مترابطان الآن ، سياسي، وميداني ، الثاني هو الأهم في صنع متغيرات المسار الأول ، وما زالت مجريات فصوله تدور في مناطق إستراتيجية أخرى!
على مستوى معركة الحدود فإن عملية نصر من الله والتي تواصلت من كتاف حتى مرتفعات نجران ، تعني عمليا سقوط ترسانة القوة والسلاح وحشود المرتزقة أو ما يسمى بالجيش البديل الذي أراده النظام السعودي لحماية حدوده بدلا عن جيشه الذي انهار في معارك الأيام الأولى للعدوان على اليمن ، وبهذا المعنى فقد أعادت العملية لمملكة العدوان حساباتها ووجدت نفسها متخبطة ومتأرجحة بين قبول مبادرة الرئيس المشاط ، والتلكؤ في ذلك ، فيما يواصل أبطال الجيش واللجان الشعبية متوكلين على الله في وضع لمسات النهايات المرسومة والمحكومة بسنن الله في عباده الأولين ، والعاقبة للمتقين.