تركيا ومساعيها لامتلاك أسلحة نووية في مواجهة الاستغراب المحلي والرفض الخارجي

 

أنقرة/ وكالات
خلال الشهر الماضي انتقد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” مرتين على الأقل وفي خطابات عامة احتكار بعض البلدان الأسلحة النووية ومنع الآخرين من إنتاج هذه الأسلحة، مشيراً بشكل ضمني إلى حاجة تركيا للوصول إليها.
وفي أوائل سبتمبر، قال: “لا توجد دولة متقدّمة في العالم لا تملك أسلحةً نوويةً.
وقال أيضاً في خطابه أمام الجمعية العامة “إن الحق في امتلاك الطاقة النووية يجب أن يكون متاحاً للجميع أو محظوراً على الجميع”.
هذه المواقف دفعت المحللين الأتراك إلى التفكير فيما إذا كان وجود برنامج وطني لإنتاج أسلحة نووية مناسباً لتركيا أم لا؟ والإجابة على هذا السؤال تحتاج أولاً إلى دراسة أسباب نشوء مثل هذه الرؤية بين النخب السياسية في تركيا.
فقد وقّعت تركيا على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في عام 1980م، وانضمت إلى هذه المعاهدة التي تعدّ أهم نظام قانوني لعدم انتشار الأسلحة النووية، كما وقّعت تركيا على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية في عام 1996م.
هذه المعاهدات رغم أنها تهدف إلى منع انتشار الأسلحة النووية، لكنها لم تفعل شيئاً حتى الآن لنزع سلاح تلك البلدان التي لديها الآن مثل هذه الأسلحة.
،بالإضافة إلى القوى الخمس في مجلس الأمن تمتلك دول أخرى مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية والكيان الإسرائيلي الأسلحة النووية.
وعلى هذا الأساس قال أردوغان في تصريحاته إن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية غير مقبولة لأن آخرين لم يوقّعوا عليها.
كان الكيان الإسرائيلي هو المخاطب الرئيسي في تصريحات أردوغان الذي قال إن “إسرائيل” تستخدم أسلحتها النووية لتهديد الآخرين.
وأضاف: “نحن جيران إسرائيل تقريباً، إنهم يهددون الدول الأخرى بالأسلحة النووية، لكن لا أحد يستطيع حتى لمسهم”.
حالياً في غرب آسيا وشمال إفريقيا يعتبر الكيان الإسرائيلي هو الوحيد الذي يمتلك ترسانةً نوويةً بعشرات إلى مئات الأسلحة النووية، ولم يؤيد أو ينكر علناً تقارير عن ترسانته النووية وفقاً لمبدأ “الغموض النووي”.
هذا الكيان- وهو الحليف الرئيسي لأمريكا في المنطقة- رفض حتى الآن أي طلب للشفافية وقبول عمليات التفتيش استناداً إلى دعم واشنطن له، ما يشير إلى ضعف أنظمة الرقابة النووية.
من ناحية أخرى، بالإضافة إلى الكيان الإسرائيلي تلاحظ تركيا أن منافسيها الإقليميين الآخرين مثل السعودية والإمارات ومصر المتحالفين مع أمريكا قد تحركوا نحو حيازة التكنولوجيا النووية ذات الأغراض غير السلمية، وكان ذلك ممكناً فقط من خلال ضوء واشنطن الأخضر.
هذا في حين أن البيت الأبيض حاول خلال العام الماضي تشكيل تحالف إقليمي يضم هذه الدول تحت عنوان الناتو العربي، الذي أحد أهدافه هو مواجهة أنقرة.
بعد عام من الانتقاد والتهديد بالانسحاب من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى انسحبت أمريكا أخيراً من هذه المعاهدة الثنائية مع روسيا في أوائل أغسطس الماضي.
تم التوقيع على معاهدة حظر الصواريخ المتوسطة المدى في عام 1987م بين “رونالد ريغان” و”ميخائيل غورباتشوف” في ذروة سباق التسلح بين أمريكا والاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة، بهدف الحدّ من سباق التسلح الجامح.
هذه المعاهدة رغم كونها معاهدةً ثنائيةً، ولكن بسبب الآثار السلبية -الناتجة عن إلغائها-على أمن الدول الأوروبية المتحالفة مع أمريكا في الناتو، والتي تستضيف الأسلحة النووية سبّبت مخاوف لدى هذه البلدان.
ورغم أن تركيا واحدة من الدول الأوروبية الخمس التي تستضيف الأسلحة النووية الأمريكية، ولكن ليس لديها الصلاحية مطلقاً للتحكم فيها واستخدامها من جانب واحد.
حالياً وبالنظر إلى المخاوف بشأن نشر أغلب الصواريخ الأمريكية النووية بالقرب من الحدود الروسية، الأمر الذي قد يؤدي إلى سباق تسلّح جديد مع روسيا على غرار حقبة الحرب الباردة، ونظراً للعلاقات الباردة بين تركيا وحلف الناتو، يبدو أن لدى تركيا الكثير من الحوافز للنظر في تطوير قوة ردع مستقلة.
لفهم مستقبل سياسة أردوغان الخارجية من المهم جداً أن نفهم تحوّل نظرة تركيا إلى ما يسمى بالنظام الدولي الليبرالي الحالي، ودور أنقرة في المؤسسات عبر الأطلسية ، فقد وجدت أنقرة أن العديد من معاييرها تتعارض مع مصالحها.
ويأتي هذا التغيير نتيجةً لكيفية رؤية النخبة السياسية في تركيا لدور أنقرة في المعادلات العالمية، وكيفية تعريف النظام العالمي الجديد بالشكل الصحيح والمناسب.
بالنظر إلى التطورات في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، ومعارضة الغرب لأهداف وخطط تركيا في سوريا والعراق وليبيا والسودان وغيرها من البلدان شعرت نخبة السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية بالإحباط الشديد بسبب استمرار الاعتماد على الغرب.
الخلاف بين واشنطن وأنقرة حول دعم البيت الأبيض لأكراد سوريا وتزويدهم بالأسلحة، وكذلك العراقيل التي تضعها في تشكيل المنطقة الآمنة في شمال سوريا هو جزء من الصراعات في السياسات الإقليمية الأمريكية والتركية.
لكن الحكومة التركية تسعى إلى التكيف مع النظام العالمي المتغير خارج نطاق أراضيها.
ففي حين تبذل النخبة الأمريكية قصارى جهدها لمواجهة القوى الناشئة التي تتحدى هيمنتها على النظام الدولي، ترى أنقرة صعود الصين، وبدرجة أقل الرؤية الروسية التعديلية دليلاً على التراجع الأمريكي.
وفي ظل هذه الظروف يعتقد أردوغان أنه يجب ألا ينظر إلى الغرب بعد الآن، لأن الدول المتنافسة سوف تتفوق قريباً على أمريكا.
وبدلاً من ذلك يجب أن تكون تركيا جهةً فاعلةً مستقلةً تسعى جاهدةً لتعزيز مصالحها، حتى لو كانت هذه المصالح تتحدى علاقات أنقرة مع الحلفاء التقليديين.
شراء إس 400 من روسيا، على الرغم من المعارضة الشديدة من الناتو وأمريكا أدى في النهاية إلى عدم بيع باتريوت وإف 35 إلى تركيا، وهذا أحد الأمثلة البارزة لهذا الاتجاه بين النخب السياسية التركية.
كما تتحدث تركيا عن إمكانية بدء محادثات مع روسيا لشراء سوخوي 35 وسوخوي 57، ما سيزيد من تحديات الحفاظ على تماسك الناتو.
وفيما يتعلق بالعلاقات مع الصين، فإن التغييرات في السياسة التركية واضحة أيضاً.
فتركيا بعد تلقي مليار دولار من المساعدات الاقتصادية من الصين في يونيو، والتي كانت مساهمةً مهمةً لحكومة أردوغان، لتنظيم الوضع الاقتصادي والتغلب على الركود قبل الانتخابات المحلية في إسطنبول لعبت دوراً مهماً في الحدّ من ضغوط حقوق الإنسان الأمريكية على بكين، من خلال إرسال وفد “تفتيش” إلى معسكرات العمل القسري للمسلمين في الصين.
في ضوء هذه القضايا قد يمكن القول في الواقع إن المتغير الرئيسي المتبقي الآن هو ما إذا كان لدى أنقرة الإرادة السياسية لقبول التكاليف المالية والسياسية للسير نحو إنتاج الأسلحة النووية أم لا؟.

قد يعجبك ايضا