بيديها الناعمتين الصغيرتين تلتقط حنين كيسها البلاستيكي الكبير “الشوالة” وتهم بالانصراف باكرا إلى عملها اليومي الذي اعتادته كل صباح..
حنين تتوجه إلى سوق الخضار بمنطقة مذبح لتجمع ما أمكنها من الخضار الفاسدة التي يجود بها أصحاب البسطات والسيارات ثم تقوم بتنقيتها وإخراج ما يمكن استخدامه .. حنين نموذج يمثل العديد من أطفال اليمن الذين يقاسون مرارة الألم جراء استمرار العدوان وحصاره العنجهي.. مزيد من التفاصيل تجدونه في السياق التالي.. إلى التفاصيل:
حنين ليست الوحيدة التي تذهب كل صباح للبحث عن ما تسد به رمق إخوتها الصغار بل هناك في ذلك السوق تحديدا وفي غيره من الكثير من الأسواق عشرات الأطفال دون العاشرة يعملون ويبحثون عن قوتهم وقوت أسرهم .
تركت الحرب أوزارها على الأسرة اليمنية وخاصة على عاتق الأطفال الصغار والذين وجدوا أنفسهم مجبرين على العمل الكاد والمتعب وقليل الربح لتحمل مصاريف وأعباء أسرهم الفقيرة والتي لا تكاد تجد قوت يومها وخاصة من تأثروا بالحرب بفقدان معيلهم ورب منزلهم ..
الطفلة حنين والتي تبلغ التاسعة من العمر تتحمل عناء أسرتها رغم الكثير من المخاوف التي تعترضها في الشارع أو وقت القصف وهناك الكثير ممن يعملون بكنس سيارات الخضار أو غسل الفواكه او لم القمامة من السوق وجميهم من الأطفال دون العاشرة من الفتيات أو الأولاد تصف معاناتهم أجسادهم النحيلة وثيابهم المتسخة والشقاء المرسوم على وجوههم ..
علب البلاستيك
سعيد سلطان هو الآخر لم يعد يتوجه كل صباح إلى مدرسته التي تركها وهو في الصف الثالث بعد وفاة والده فهو يستيقظ باكرا ليجوب الشوارع للبحث عن العلب البلاستيكية ” القوارير” وتجميعها بكل حماس وسرعة فلا يلهو مع أقرانه ولا يلتفت لأي شيء أمامه فهمه الوحيد أن يجد ما يمكن بيعه من علب المياه الفراغة ويقول سعيد : أبيع الكيلو بمئين ريال يعني “الشوالة” أبيعها بمئتين أحيانا اجمع شوالة في اليوم وأحيانا في يومين وأعطي قيمتها لأمي لتغطي بعضا من مصاريف المنزل
ويضيف سعيد : أتوزع أنا وإخوتي الاثنين على الحارات فهو يذهب إلى مكان لا أجده فيه حتى نستغل الوقت بالتجميع وكثيرا ما نعثر على علب البلاستيك في القمامة ..
هؤلاء الأطفال وغيرهم الذين ينتشرون في أحياء العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات اليمنية بحثا عن الرزق تحكي البؤس والحالة الاقتصادية السيئة التي وصلت لها الأسر اليمنية جراء الحصار والعدوان الذي يدخل عامه الرابع رغم كل المخاطر التي تحدث لأطفال جراء هذه الأعمال في الشوارع وبين النفايات وبهذا العمر الصغير.
آثار وتداعيات
الآثار والتداعيات الخطيرة للعدوان على الأطفال لم تقف عند حد القتل الجماعي بهم وبأمهاتهم وعائلاتهم بل امتد ليحرم الملايين منهم من التعليم وتلقي الأدوية والرعاية الصحية اللازمة والتي انعدمت وأصبحت في أدنى مستوياتها بسبب الحصار الجائر على بلادنا من قبل العدوان .
الخوف المرضي
ويؤكد المتخصصون أن الأطفال يظلون أكثر الفئات الاجتماعية تأثراً بما تخلفه الحروب من آثارٍ نفسية.. وتظهر هذه الآثار في عدة صور يذكرون ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الفزع الليلي ومعاناة القلق والشعور بعدم الراحة.
والإصابة بحالة «الفوبيا» أو الخوف المرضي من الأصوات والظلام وكذلك الانتكاسة في بعض المهارات التي تم اكتسابها، فيظهر التبول اللاإرادي أو زيادة في التبول إلى جانب ظهور بعض الاضطرابات السلوكية مثل قضم الأظافر والكذب، وظهور مشكلات في الكلام، كالتلعثم أو الفقدان الوظيفي للكلام وكذا حدوث اضطرابات الأكل، وغير ذلك من الآثار التي يسعى العدوان وبتعمد إلى استهداف أطفال اليمن.
ويشير أخصائيو الطب النفسي إلى أن هذه الآثار قد تتحول إلى مشاكل نفسية عميقة خاصة إذا لم يتمكن الأهل أو البيئة المحيطة بهم من احتواء هذه الحالات ومساعدة الطفل على تجاوزها».
الحد من الآثار
في المقابل يؤكد الأخصائيون على «ضرورة التعامل السليم والرشيد مع الأطفال ضحايا العدوان من الأسرة والبيئة المحيطة ومن دون ذلك فان هذه الآثار ستتحول إلى عاهات مستديمة ومستعصية على العلاج مع مرور الوقت وان التعامل يتطلّب الكثير من الحرص والدعم لإعادة الطمأنينة إلى الطفل والثقة بالنفس ليتخطى الظروف التي عاشها».
ويشدد الأخصائيون على ضرورة الاهتمام بالتربية النفسية والجمالية للطفل وبثقافة الطفل والطفولة مع التركيز على بث كلمات من الحب أو تشتيت فكرهم عن التركيز في الأحداث المروعة خاصة في أوقات الغارات المخيفة في حال وقوعها على مقربة منهم، فهذه اللحظة هي الأهم في حياة الطفل النفسية وكلما تركناه يواجهها وحده يزداد أثرها السلبي بداخله على المدى القريب والبعيد كما يجب اختيار الأسلوب والألفاظ التي يمكن للطفل استيعابها والتجاوب معها .