من الانطلاقة إلى الانتصار العظيم وسقوط معاقل طواغيت الفساد والإجرام والعمالة

ثورة الـ 21 من سبتمبر.. الملحمة الكاملة

 

جرعة ظالمة ، وقرار مستفز للكرامة ، آنذاك كانت اليمن محكومة بالوصاية والسفراء العشرة لأمريكا وبريطانيا والخليج وسفراء أوروبيين آخرين ، أدخل اليمن تحت الوصاية رسمياً والمعلنة ، وأخضعت الجمهورية اليمنية للبند السابع بطلب رسمي من السلطة العميلة في صنعاء ، أخبار السفراء تتصدر شاشات الإعلام المحلي يوميا ، القاعدة تنتشر في المحافظات الجنوبية ومأرب وتقتحم المعسكرات وتقتل الجنود، المذابح والتفجيرات تعم مدن اليمن ومحافظاته ، وقد جاء قرار حكومة الوصاية التي كان يرأسها محمد سالم باسندوة وقتذاك برفع أسعار الوقود في ثاني أيام عيد الفطر المبارك أوائل أغسطس 2014م ، ليضع أمام اليمنيين خياراً حتمياً في الثورة على سلطة عميلة وفاسدة وظالمة أيضاً.
الثورة/
خلفيات التحرك الشعبي
ثلاثة أشهر متواصلة هي مايو ويونيو ويوليو من العام 2014 اختفت المشتقات النفطية وتأزم الوضع بفعل الفاعلين من التجار المرتبطين بالأطراف السياسية الحاكمة ، حكومة الوصاية وقتذاك برئاسة محمد سالم باسندوة أعفت نفسها عن وضع أي حلول ، الطوابير طويلة جداً أمام المحطات ويوماً بعد آخر تتفاقم الأزمة ويزداد الوضع تعقيداً ، الناس يبحثون عن المشتقات ، حكومة المناصفة بين “المؤتمر والمشترك” تعلن عن جرعة سعرية وترفع أسعار المشتقات النفطية ، كان القرار بمثابة التحدي والامتحان للإرادة الشعبية ومدى فاعليتها.
في خطابه أواخر رمضان يونيو 2014م حذر السيد عبدالملك الحوثي حكومة الوصاية من مغبة الإقدام على فرض جرعة سعرية ، وقال في كلمته بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام مخاطباً الجهات الرسمية: ” أنصحكم لا تمعنوا في استرضاء حزب الإصلاح على حساب أبناء الشعب وأن لا تستمروا في ممارساتكم الظالمة لهذا الشعب العزيز.. شعبنا يزداد وعياً وشعبنا هو شعب أبي وحر وعزيز ..وإذا طفح الكيل من ممارساتكم الظالمة توقعوا من شعبنا الكثير الكثير ..لماذا تتجهون إلى أن تقدّموا هديتكم(يقصد الجرعة) ..السيئة جداً لشعبنا العزيز في هذا الشهر الكريم بجرعة جديدة ..برفع للأسعار بالتضييق على الناس في معيشتهم سواء أردتموها في آخر هذا الشهر الكريم قربانكم في العشر الأواخر إلى الله أو أردتموها هدية العيد ..لا يجوز يكفيكم أن تقرروا جرعة للحد من فساد المفسدين الذين ينهبون الثروة العامة والمصالح العامة ..ويستأثرون بخيرات هذا الشعب وبالمليارات الهائلة من ثروات هذا الشعب المظلوم والبائس والمُعَاني . ونصيحتي كما قُلت سابقاً لعقلاء حزب الإصلاح أن يتدارسوا مع دواعشهم تغيير سياسة حزبهم ليس من العيب أن يراجع الإنسان الخطأ لديه, المسار الذي يسلكه حزب الإصلاح في تبني العنف وإثارة الفوضى والفتن والحروب والأزمات والمشاكل والتهيئة للامتداد القاعدي التكفيري صنيعة المخابرات الأمريكية سياسة خاطئة ستزيد من عزلة هذا الحزب وتؤثر على شعبية هذا الحزب وعلى مستقبل هذا الحزب”.
من الرفض إلى الثورة
جاء قرار الجرعة السعرية ثاني أيام عيد الفطر المبارك بمثابة البارود الذي أشعل الغضب ناراً في جموع اليمنيين ، اليمنيون يبحثون عن منقذ لهم فهم قد رأوا وشاهدوا بأن الأمور لا تسير إلا إلى الفوضى والإخضاع والتجويع وتكريس الوصاية الأجنبية ، وفي السابع من شهر شوال وهو اليوم الثاني من شهر أغسطس 2014 ، أطل السيد عبد الملك الحوثي في خطاب تاريخي مفصلي دعا فيه الشعب إلى الخروج والتظاهر وإسقاط الجرعة ، والتنديد بجرائم العدوان الصهيوني في قطاع غزة.
وقال :” هذه الجرعة تأتي في هذا السياق في هذا التوقيت في هذه المرحلة عامل من عوامل الاستهداف وليست أبداً في سياق اصلاحات اقتصادية, أين هي الاصلاحات الاقتصادية لو كانت ضمن اصلاحات اقتصادية لنزلت ضمن منظومة متكاملة من الإصلاحات الاقتصادية”.
أضاف بقوله:”بئس الهدية في توقيت أيام العيد هدايا من هذا النوع تقدمها هذه السلطة الظالمة الجرعة هذه أيضاَ بقدر ماهي استهداف ورغبة خارجية, هي أيضاً اخفاق تمثل حالة من حالات الاخفاق السياسي والفشل السياسي أنا أقصد أنه سياق هذه الجرعة ليس فقط سياقا اقتصادياً يعني لم نكن نعيش وضعاً سياسياً ايجابياً وصالحاً ومستقراً وبالتالي في ظل الوضع السياسي المستقر انما عرضت لنا مشكلة اقتصادية”.
مظاهرات 4 أغسطس استجابة لدعوة القائد
يوم الأثنين 4 أغسطس واستجابة لدعوة السيد عبد الملك الحوثي صنعاء تكتظ بالحشود المليونية ، خرج اليمنيون في تظاهرة كبرى تلبية لدعوة السيد عبد الملك الحوثي ، رفعوا الهتافات الرافضة للجرعة السعرية الظالمة ، وللتنديد بالجرائم الصهيونية في قطاع غزة، تزامنت مع مسيرات جماهيرية شهدتها معظم محافظات الجمهورية ، الزخم الجماهيري الكبير وقتذاك كان مؤشراً على معادلة جديدة بدأت ملامحها في صور ومشاهد المظاهرات التي عمت العاصمة والمحافظات.
التحذيرات والتنديدات لم تتوقف ، تصعيد شعبي ونخبوي كبير ضد قرار الجرعة ،العلماء, السياسيون, الأكاديميون, المشائخ والشخصيات السياسية والاجتماعية يؤكدون أن معاناة الشعب اليمني ستتحول إلى بركان غضب يقتلع السلطة الفاسدة والعميلة ، تتوالى المظاهرات وتبدأ الاعتصامات السلمية استعداداً للخيارات القادمة، بينما استمرت حكومة باسندوة في تجاهل المطالب ومحاولة مواجهتها عبر الشائعات والحرب الإعلامية والنفسية ، العناد والارتهان للخارج كانا عاملين هامين في موقف السلطة آنذاك ، أدرك الجميع أن إلغاء الجرعة لابد أن يكون من خلال إسقاط حكومة الوصاية والعمالة فخرجوا للمطالبة بإسقاطهما معا.
المرحلة الأولى من التصعيد..الثورة في مواجهة الدول العشر وأمريكا وبريطانيا
وسط الظروف القائمة آنذاك ، وفي الثالث عشر من أغسطس 2014م ، خرج قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي بخطاب تاريخي ثانٍ دعا فيه الجماهير إلى الخروج الكبير وتدشين المرحلة الأولى من التصعيد الثوري لإسقاط الجرعة والحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار ، الأهداف الثلاثة التي رفعها الثوار كانت بمثابة الإجراءات التصحيحية التي من خلالها يمكن تصويب المسار ، استعد السيد لخيارات عدة ، وفي خطابه ذاك علق الأمل على كل الأحرار والشرفاء في المؤسستين العسكرية والأمنية بأن يكونوا إلى جانب الجماهير في المطالب المشروعة والمحقة والعادلة ، ولم يفوّت نصيحته للسلطة بحسن التصرف والتعقل ،محذراً من مغبة أي استهداف للمتظاهرين في الشوارع وأن لا تتورط في جرائم وأيام دموية أمثال جمعة الكرامة، مطمئناً الجميع بأن المسيرات لا تهدف إلى احتلال صنعاء أو ابتلاعها فنحن شعب جمهوري أكثر من الفاسدين والعابثين، كما أعلن السيد عن خطوات تصعيدية ضاغطة ممهلاً الحكومة 5 أيام مالم سيتم فتح مخيمات وساحات للاعتصام في محافظة صنعاء كما ستشهد أمانة العاصمة مسيرات مكثفة خلال هذه المهلة.
أمام التحرك الشعبي الضاغط شكَّلَ هادي وهو رأس السلطة آنذاك ، لجنة رئاسية وصلت إلى محافظة صعدة للقاء السيد القائد ، اللجنة كانت تبحث تهدئة الشارع ، وبعد مرور أربعة أيام غادرت اللجنة بطريقة مفاجئة دون استكمال المفاوضات ، وقال ناطق أنصار الله محمد عبد السلام حينها إن نقطة الخلاف الجوهرية مع اللجنة الحكومية أنها وصلت إلى صعدة وهي مجردة من أية صلاحيات حول القضايا الرئيسية وبالأخص قرار الجرعة السعرية وحتى دون أن تقدم مبادرات أو حلول وإنما طلبوا من أنصار الله الاستجابة لموقف الحكومة والتراجع عن الموقف ، أوصلت اللجنة بعض التهديدات إلى القيادة وأن عليها التراجع مالم فإن سيوف الخارج مسلطة على الرقاب وأن أمريكا لن تسمح باستمرار هذا الموقف ، وكان الرد نحن من هذا الشعب وإليه ومعه في كل الظروف.
قائد الثورة يسخر من تهديدات الدول العشر
وصلت التهديدات إلى قائد الثورة شخصياً (وقد أشار لذلك في خطاب ألقاه بمناسبة العيد الثالث لثورة 21 سبتمبر) ، في تلك المرحلة دخلت الثورة مسارا فاصلا وحاسما ، وفي خضم أحداثها أصدر مجلس الأمن عشية الجمعة 29 أغسطس بيانا عبر فيه عن موقف عدائي تجاه ثورة الشعب اليمني ، إذ دعا في البيان لوقف المظاهرات وإخلاء الساحات ، ورفع المخيمات والنقاط التي نصبها الثوار من أبناء اليمن قاطبة ، واصفا ما يحدث بالعنف الذي أكد على وقفه وإيقاف جميع التحركات ضد الحكومة ، بيان مجلس الأمن أدخل الثورة مرحلة مواجهة حاسمة وتحديا مفصليا تمكن اليمنيون من تجاوزه بالإصرار والتصميم على تحقيق مطالبهم وفرض إرادتهم الوطنية على قرارات الإخضاع والوصاية الاجنبية.
في الحادي والعشرين من أغسطس أكد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن الاعتصام السلمي في صنعاء مستمر حتى تحقيق مطالبه، مؤكداً أن الهدف إسقاط الحكومة وليس إسقاط العاصمة صنعاء كما تروج السلطة ، وشدد على أن الاعتصام السلمي لا مناطقي ولا طائفي، لافتاً الى أن التهديد الخارجي لا نحسب له أي حساب ، ودعا اليمنيين للخروج في كافة المحافظات والعاصمة صنعاء لأداء صلاة الجمعة في خط المطار افتتاحاً للمرحلة الثانية من التصعيد الثوري السلمي والحضاري في اليمن، وتضامناً مع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.
في كلمته تلك كشف عن مضمون رسالة تهديد وصلته من الدول العشر فقال السيد عبدالملك :” حينما وصلت الينا رسالة باسم الدول العشر مع ان الظريف الغريب أنها لم تكن موقعة ولهذا لم نجب عليها رسمياً بأي جواب لأنها لم تصل إلينا موقعة ، وصلتنا من السفارة البريطانية , وأي تحذير ورد في تلكم الرسالة أو غيرها لا نحسب له أي حساب” وأضاف ان “تلك الرسالة تضمنت مساندة لموقف الحكومة الخاطئ في سياساتها الخاطئة في فشلها الكبير” وأكد ان “الدول العشر لا يمتلكون الحق في ان يحذروا ، و لا أن يتدخلوا لأن شعبنا قرر وصمم وعزم أن لا يركع الا لله ، وأن يواصل المشوار في المطالبة بحقوقه المشروعة وبالوسائل المشروعة”.
مؤكدا ان” أي تحذير وصل سواء في تلك الرسالة أو غيرها نحن لا نحسب لها أي حساب لأن تحركنا في إطار شعبنا اليمني العظيم وله قضية عادلة ومحقة وهو يتحرك بقضية مشروعة وحضارية وعملية ولن يمثل لا تحذيرهم ولا تدخلهم أي ضغط على شعبنا اليمني العظيم , وأي تدخل مهما طبل له الآخرون أي تحذير أي ضجيج من جانب الخارج لا نحسب له أي حساب ونحن ننصح تلك الدول أن يكون موقفها إيجابياً تجاه الشعب وأن لا تجعل من نفسها مظلة للفاسدين وشعبنا لا يمكن ان يقبل ان يُحكم من السفارات”.
المرحلة الثانية من التصعيد الثوري
في الثاني والعشرين من أغسطس واستجابة لدعوة القائد وإيذانا ببدء المرحلة الثانية من التصعيد الثوري ، أدى اليمنيون صلاة جمعة الإنذار بشارع المطار ، اكتظ الشارع الكبير باليمنيين ، كان الخطيب والإمام هو العلامة الكبير سهل بن عقيل مفتي محافظة تعز ، وهي رسالة إلى السلطة بأن الشعب اليمني بكافة شرائحه ومكوناته يقفون خلف المطالب الثلاثة العادلة وأنها معركة الجميع.
بالتوازي بدأ أبناء محافظة صنعاء بنصب مخيمات الاعتصام السلمي في مداخل العاصمة ، وبدأت الساحات الثورية تستقبل المحتشدين من كل المناطق ، في اليوم نفسه أقدم الطيران الحربي لنظام هادي على التحليق في ساحات الاعتصام للقبائل على مداخل العاصمة في منطقة الصباحة وشارع الرسول الأعظم ومديرية همدان حيث حلق الطيران على علو منخفض عدة مرات.
لقد كان للخروج الجماهيري في الساحات أثر فاعل وحاسم ، أنجز انتصارا عظيما فيما بعد ، أدى اليمنيون الصلاة في جمعة غضب بتاريخ التاسع والعشرين من أغسطس بشارع المطار ، رفعوا شعار بالعشر ما نبالي ومضوا ليكملوا ثورتهم العادلة والمحقة.
الثورة تدخل مرحلة ثالثة من التصعيد
مساء الأحد 31 أغسطس أطل قائد الثورة من جديد ليعلن بدء المرحلة الثالثة من التصعيد الثوري ، وردا على قرار مجلس الأمن أكد بأنه لن يتوانى مع شعبه في التصدي للمؤامرات الخارجية وأن الشعب اليمني يواجه ظلما قائما ، ويدفع عن نفسه الإذلال والإفقار والتجويع ونهب الثروات والمقدرات ، أشار إلى أن سكان صنعاء الشرفاء رجالاً ونساء في الطليعة وإلى جانبهم الشرفاء من سكان المناطق المحيطة بصنعاء ليفند ما كان يروج حينها من أن الهدف هو صنعاء.
تضمنت المرحلة الثالثة من التصعيد كما أعلنه قائد الثورة في خطابه خطوات شعبية ضاغطة على السلطة ، فبدأ الثوار بنصب المخيمات أمام وزارات الكهرباء والمواصلات والداخلية والبريد المركزي وفي جمعة ذلك الأسبوع التي أسميت بجمعة الإنذار رفع الثوار الشارات الصفراء، وأغلقوا شارع المطار فامتدت الساحات واتسعت وتوافد الناس من كل المناطق إلى المخيمات ، وتواصلت قوافل الكرم والمدد ، توسعت الاعتصامات وفتحت مخيمات اعتصام في مناطق حساسة ومزعجة للسلطة، كما شهدت العاصمة عصياناً مدنياً شل الحركة لأربع ساعات وتم إغلاق البنوك الرئيسة في شارع الزبيري.
بدأت سلطة الوصاية والارتهان عصر الأحد 7 سبتمبر بإرسال قوات مكافحة الشغب إلى مخيمات المعتصمين في خط المطار متقدمين بعدد من العربات وجرّافة شيول محاولين فض الاعتصام وإزالة الحواجز الأسمنتية ، غير أن الثوار واجهوها بصدورهم السلمية ، فأطلقت القوات النيران والقنابل الغازية صوب المتظاهرين فيما قامت عربات مكافحة الشغب بفتح المياه الساخنة على المعتصمين في محاولة لتفريقهم وفض الاعتصام ، سقط في هذا الاعتداء الأول على الثورة أول شهيد في ثورة 21 سبتمبر وهو الثائر البطل جبريل يحيى محمد الغرباني من محافظة إب كما أصيب 40 آخرون تم نقلهم إلى مستشفى المؤيد بعضهم كان في حالة خطيرة.
واتهم الثوار وزير الداخلية المحسوب على حزب الإصلاح اللواء عبده الترب بالتوجيه المباشر للاعتداء على المعتصمين موضحين أن قوات الشغب كانت ترافقها مليشيات اخوانية مسلحة يرتدي بعض أفرادها الزي الرسمي لقوات مكافحة الشغب وكانت تطلق الرصاص الحي على المتظاهرين، والتقطت عدسات الكاميرا في ذلك اليوم صوراً لجنود تابعين لمليشيات الإصلاح وهم يهددون المتظاهرين بالذبح.
تواصلت القوافل الغذائية ورفد ساحات الاعتصام على مداخل العاصمة بالمواد الغذائية وغيرها فيما واصل الشعب الخروج بمسيرات في عدد من محافظات الجمهورية تضامناً مع ثوار صنعاء وتأييداً للمطالب المشروعة مؤكدين بأن الجرائم لن تمر دون جزاء فالعين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص، فيما لاقى الاعتداء على المعتصمين تنديدات واستنكاراً سياسياً واسعاً.
الثورة تزحف نحو رئاسة الوزراء ومقرات الحكومة
في التاسع من سبتمبر 2014م وضمن خطوات التصعيد الضاغطة خرجت مظاهرات كبرى توجهت صوب رئاسة الوزراء ، وحين وصلت المسيرة إلى ساحة مقر الحكومة تعرضت لاعتداء آثم وغاشم من قبل الجنود التابعين للفرقة الأولى مدرع التي كان يقودها المجرم علي محسن الاحمر ، الحصيلة 75 مصاباً بطلق ناري و144 بالغازات السامة و50 مفقوداً تم أسرهم ، و7 شهداء، حملت الثورة رأس السلطة آنذاك هادي مسؤولية ما حدث ، تحذيرات توالت على إثر المجزرة من مغبة ما ارتكبته تلك العناصر الإجرامية.
في خطابه يوم المجزرة حذر قائد الثورة من تداعيات تلك المجزرة وحمّل السلطة مسؤولية ما سيترتب عليها ، أكد بأن قيادة الثورة لن تتوانى في إسناد الشعب وحمايته متعهدا بملاحقة المجرمين ، وقال السيد عبدالملك في خطابه :
“الثوار يتحركون بطريقة سلمية مظاهرات واعتصامات ، لا مبرر أبدا لاستهدافهم أو القيام بقتلهم ، نحن لا يمكن أن نتغاضى عن الحادثة التي حصلت يوم أمس ولا أن ننساها ، هم قدموا لنا وعدا والتزاما بمحاكمة الجناة فيها الذين باشروا عملية القتل ، أمام أي اعتداءات قادمة المسألة خطيرة جدا ، إذا كانت قوى الفساد والاستبداد تريد أن تسلك هذا المسلك فإنني أحملها المسؤولية أمام الله وأمام الشعب وأمام التاريخ عن كل ما يترتب على جرائمهم واعتداءاتهم بحق هذا الشعب ، حينها يمكن أن نتخذ خطوات متعددة وأن نسند هذا الشعب ولكل مقام بما يناسبه ولكل موقف بقدره ، لكن ليدركوا أنه لا يمكن أن نتفرج عليهم وهم يقتلون ، ولا يمكن أن نسمح بفرض معادلة جديدة في استباحة الدماء أو قتل الناس لا يمكن أبدا ذلك ، وهناك من يتخوف لما يمكن أن يحصل من نتائج بعض القوى السياسية ، لينصحوا أولئك ، وإذا كان أولئك يتصورون أنهم سينكبون هذا الشعب أو أنهم سيقومون بقتل الناس وإثارة المشاكل والفتن وتخريب الأمن والاستقرار وتكون المسألة عادية ، لن تكون المسألة عادية ، اليوم يمكن للشر الذي يفتعلونه أن يحيط بهم ، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله يمكن أن تطالهم يد العدالة الإلهية ويد الشعب الضاربة ، يمكن أن تطال رؤوسهم ، يمكن أن تطال كل ما يهمهم كل ما يحرصون عليه ، يعني هم بالتأكيد إذا هم يريدون أن يضروا الشعب فبالتأكيد سيتضررون ، اليوم هناك معادلة جديدة ، وبالتالي لا يمكن أبدا أن نقبل بما كان عليه الحال سابقا أن يستبيحوا الدماء بدون مقابل ، في هذا السياق نحن الآن وأقول بوضوح هناك إلى جانب نشاطنا الثوري وتحركنا الثوري هناك مفاوضات مستمرة نقاش مستمر ، نسعى أيضا بكل جهد لإقناع تلك الأطراف بأن تتقبل وتتفاعل إيجابيا وتستجيب لمطالب شعبنا اليمني العزيز العظيم المسلم ، ونحاول أن نقنعها بذلك ، في المقابل نستمر في تصعيدنا الثوري ، حينما تتحقق الاستجابة لهذه المطالب سيكون شعبنا إيجابيا تجاههم ، وبالتالي لن نحتاج للاستمرار في التصعيد الثوري ، لكن طالما لم تصل إلينا أي مؤشرات للاستجابة الصادقة والجادة لهذه المطالب ، فهذه المطالب هي مستقبل هي حاضر ، هي واقع ، هذه المطالب هي مطالب أساسية ليست ترفية ولا ثانوية ولا هامشية ولا كمالية ، هي أساسية بكل ما تعنيه الكلمة ، هي مطالب تتحقق بها العدالة في بلدنا ، ويتأمن بها المستقبل في أجيالنا ، وفي هذا السياق أتوجه وكلي أمل وكلي اطمئنان إلى شعبنا اليمني العظيم ، كلي ثقة بهذا الشعب وبربه الله العظيم أن هذا الشعب أبي حر عزيز وثابت عند موقفه وعلى مطالبه ، أتوجه إليك يا شبعنا اليمني العظيم في صنعاء ومحيط صنعاء بالخروج المشرف والحاشد إلى ساحة التغيير يوم الغد إن شاء الله في سياق خطوة تصعيدية إضافية ما لم تستجب تلك القوى لمطالب شعبنا المشروعة ، أتوجه من جديد بنصح وتحذير إلى تلك القوى ألا تتورط في المزيد من الاعتداءات ، إذا تورطت في المزيد من الاعتداءات وسلكت المسلك الاجرامي هي تتحمل المسؤولية ، أيضا إذا رأينا أن هناك تعنتا كبيرا ورفضا للاستجابة لمطالب هذا الشعب وأن المسألة ستتعقد أكبر فنحن سنقدم على خيارات استراتيجية وكبيرة جدا ولكن نأمل ألا نحتاج في الوصول إلى ذلك ، وبالتالي يمكن أن نتشاور مع العقلاء والحكماء من أبناء هذا الشعب ، أيضا لمثل تلك الخطوات الشاملة ليست فقط مسألة صنعاء أو مسألة موقف هنا أو هناك ، أمور استراتيجية كبيرة جنبا إلى جنب مع التصعيد الثوري ، إذا رأينا أولئك لا يتفهمون مطالب الشعب ولا يصغون إليها ولا يستجيبون لها ، لكني أنصحهم وأنصح القوى السياسية أن تتعاطى بجدية مع المسألة حتى يمكن أن نحافظ على بلدنا اكثر فأكثر وأن نبعد الكثير من الأخطار والمشاكل والتبعات لتعنتهم ..لتعنتهم ، أتمنى إن شاء الله أن يكتب الله لشعبنا اليمني العظيم الانعتاق من حالة الاستبداد والفساد ، وأقول لشعبنا ما ضاع حق وراءه مطالب ، فلنستمر في مطالبنا المشروعة ولنتوكل على الله ولنعتمد عليه فهو معنا هو مع عباده المستضعفين هو لا يريد لعباده أن يُظلموا ولا أن يُقهروا ولا أن يُستذلوا والمستقبل لكم إن شاء الله”
عشية انتصار الثورة
عقب مجزرة المتظاهرين في ساحة الوزراء توالت الأحداث وبشكل متسارع عمَّ الغضب كل الساحات الثورية أدى الثوار للمرة الخامسة على التوالي صلاة الجمعة بشارع المطار مؤكدين مواصلة الثورة واستكمال الخطوات التصعيدية، جدد المتظاهرون مطالبتهم للسلطة بسرعة تقديم مرتكبي مجزرة شارع المطار ومجزرة رئاسة الوزراء للمحاكمة والاقتصاص منهم ، بدأت قوات المجرم بالاعتداء على المواطنين وإطلاق القذائف العشوائية في صنعاء ، أدى إلى استشهاد عدد منهم وإصابة آخرين ،دفع اللجان الشعبية إلى التحرك المسلح والتصدي لهذا الاجرام ، دخلت الثورة في مواجهة مسلحة ، أرسل علي محسن قواته إلى مناطق همدان ومذبح والكسارة والاستقبال وهناك تمكن الثوار من تشتيتها والتصدي لها ، ذلك الانكسار ترافق مع سيطرة الثوار على معسكر التلفزيون في 20 سبتمبر .
وفي ذلك اليوم أطبق رجال الثورة من اللجان الشعبية حصارا ضاربا على معسكر الفرقة الأولى مدرع مع قيادته وعلى رأسهم الجنرال علي محسن الأحمر ، وفي فجر الواحد والعشرين من سبتمبر بدأوا باقتحام المعسكر من الغرب والشمال ، وما هي إلا ساعات قليلة حتى تمكنوا من القضاء على آخر معاقل الإرهاب والخيانة والتآمر والوصاية ، عصر الأحد أعلنت اللجان الشعبية سيطرتها الكاملة على معسكر الفرقة الاولى مدرع وجامعة الإيمان ، وخلال الأربع والعشرين ساعة شهدت صنعاء تغيرات كبرى ، أعلنت وزارة الدفاع والأركان العامة تأييدها للثورة كما أعلنت وزارة الداخلية أن أنصار الله أصدقاء للشرطة وقدم باسندوة استقالته من الحكومة كما انضم عدد من جنود ومنتسبي الشرطة الجوية وجميع المطارات للثورة الشعبية ، هرب الجنرال المجرم علي محسن الاحمر في زي نسائي على متن طائرة مروحية أقلعت من العند إلى السفارة السعودية ، تمثلت في هروب الجنرال علي محسن وسقوط الفرقة.
الأحد الحادي والعشرون من سبتمبر وقّعت الأطراف السياسية بحضور هادي ورئيس البرلمان ومستشاريه وممثلي الاحزاب وبحضور أممي ، على اتفاق السلم والشراكة باركته فيما بعد كل القوى والمكونات والأنظمة والدول ومجلس الامن والأمم المتحدة ، قضى الاتفاق بتشكيل حكومة كفاءات وإنزال الجرعة وتشكيل هيئة تنفيذ مخرجات الحوار.
وفي الثالث والعشرين من سبتمبر صنعاء وكل محافظات اليمن تشهد احتفالا عارما بانتصار الثورة الشعبية الكبرى..القائد يطل في خطاب متلفز ليل الثالث والعشرين من سبتمبر مباركا بالنصر ، ومؤكدا بأن الثورة في بداياتها والطريق طويل ، معلنا بأن اليمن بدأت مرحلة جديدة عنوانها الشراكة والأمن والعدالة وبناء الدولة ، رسم السيد عبد الملك خطوط المستقبل وشكر الجهود الشعبية المتنوعة التي كانت من عوامل الصبر والصمود والانتصار وطمأن كل المتخوفين من الاستئثار أو الإقصاء في المرحلة المقبلة، داعياً الجميع إلى التكاتف والتعاون خلال المرحلة الانتقالية.
وأكد قائد الثورة في خطابه إن ثورة 21 سبتمبر تنشد أحسن وأطيب العلاقات مع كل الدول العربية والإسلامية وفي مقدمتها دول الجوار، كما حذر من خطورة القاعدة والتي هي صنيعة استخباراتية للأجنبي وتلعب دوراً سلبياً في تدمير الشعوب العربية ، تزينت صنعاء العاصمة بالألعاب النارية وبذلت اللجان الشعبية دوراً كبيراً في تأمين المنشآت العامة والخاصة ومنازل المسؤولين وقيادات الأحزاب بعد أن تخلت الأجهزة الأمنية عن واجبها وتكفلت بحماية البنوك ومحلات المواطنين من النهب والسرقة، وعبر الكثير من المواطنين عن ارتياحهم الكبير لما حدث وللأمن الذي عاشته صنعاء بوجود اللجان الشعبية.

قد يعجبك ايضا