د. جابر يحيى البواب
توقفت بطولة كأس العالم ودورة الألعاب الأوليمبية لسنوات بسبب الحربين العالميتين “الحرب العالمية الأولى 1914-1919م الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945م”، واستغل (موسوليني) استضافة كأس العالم سنة 1934م في إيطاليا للدعاية لنظامه الفاشي، وكذلك فعل (هتلر) مع أولمبياد برلين عام 1938م، وعوقبت ألمانيا المنهزمة في الحرب بتغييبها عن البطولات العالمية التي تلتها، وفي السبعينيات برزت أيضا السياسة في سماء الرياضة سواء من خلال احتجاز رهائن إسرائيليين والتي نفذها فدائيون فلسطينيون أثناء دورة الأولمبياد الصيفية المقامة في ميونخ في ألمانيا عام 1972م أو من خلال المقاطعة الإفريقية لدورة موريال عام 1976م بسبب التعامل العنصري في تلك الفترة، وكذا المقاطعة الأمريكية والغربية لأولمبياد موسكو في سنة 1980م، والمعاملة بالمثل من قبل الروس وحلفائهم من خلال مقاطعة أولمبياد لوس انجلوس بعد أربع سنوات، ورغم محاسن الرياضة التي أعادت العلاقات بين أمريكا والصين عبر دبلوماسية كرة الطاولة، كما أعادت الدفء للعلاقات الأمريكية الإيرانية عبر لقاءات المصارعة وكرة القدم بين البلدين، رغم كل ذلك فإن السياسة عادت لتطل بوجهها المتجهم في وجه الصينيين الطامحين لاستضافة أولمبياد 2008م بكين.
أمثلة وأحداث كثيرة للدور السلبي والايجابي المتبادل بين السياسة والرياضة ومنها ما حدث في مباراة الأسبوع الماضي “الثلاثاء 10 سبتمبر 2019م” بين منتخب يمن الصمود والتحدي ومواجهة العدوان والحصار ومنتخب مملكة الشر والعدوان قائدة تحالف حصار اليمن وقتل أطفاله وشيوخه ونسائه، مباراة اثبت من خلالها رجال المنتخب أن اليمن القابع تحت الحصار والعدوان المعزول عن الأنشطة والفعاليات المحلية والخارجية قادر على صنع المعجزات وتحقيق الانجازات، صحيح أن المنتخب تعادل بهدفين مقابل هدفين لكنه قدم مباراة جيدة مقارنة بما تمر به اليمن ومر به المنتخب من عناء في التحضير وعناء في السفر ومقارنة بما يمتلكه منتخب آل سعود من إمكانيات وقدرة وإعداد وتجهيز مسبق ومدرب أجنبي لكنها إرادة الله وإنصافه .. ” 2 / 2 نتيجة تاريخية صنعتها الأحداث”
منتخبنا لم يلعب دوراً سياسياً فقط في تأكيد مظلومية اليمن واظهر للعالم مدى وحشية العدوان وسعيه إلى تحطيم حضارة اليمن السعيد وتمزيق لحمة أبنائه بل إن المنتخب أعطى درسا قاسيا لدعاة الانفصال في الداخل ومرتزقة العدوان الساعين إلى تمزيق الجسد، فصاحب الهدف الأول يمني أصيل من الجنوب وصاحب الهدف الثاني يمني أصيل من الشمال.
توجد الكثير من الدراسات والأبحاث ورسائل الماجستير والدكتوراه التي وضع أصحابها فرضيات مختلفة ومتعددة بهدف دراسة مفهومي السياسة والرياضة والعلاقة بينهما لعل من بين هذه الرسائل رسالة الدكتوراه التي تحصل من خلالها فقيد الوطن والرياضة البروفيسور عبدالملك بانافع على درجة الدكتوراه من جامعة حلوان عام 1998م ورسالة ماجستير بعنوان “توظيف السياسة في الرياضة” للباحث نادر زهير قاسم – جامعة بير الزيت فلسطين والعديد من الرسائل والأبحاث والمقالات العلمية التي تطرقت لموضوع السياسة والرياضة، منها ما يطالب بتحييد السياسة عن الرياضة ومنها ما يؤكد أهمية السياسة للرياضة والعكس، ولقد ذكرنا بعض الشواهد والأحداث العالمية التي تؤكد وجود علاقة بين السياسة والرياضة سواء علاقة ايجابية أو سلبية فإن ذلك يخضع لمن يوظف هذين المفهومين ولمدى الاستفادة منهما في صنع القرارات أو تحريك صانع القرار تجاه قضية ما.
وقضيتنا نحن شريحة الشباب والرياضيين الصامدين في وجه العدوان الصابرين على تعسف المجتمع الدولي بإخضاعنا للحصار ومحاولته سلب سيادتنا، تتمثل في مدى تعامل صناع القرار مع لوائح وأنظمة الاتحادات الدولية لمختلف الألعاب الرياضية وخصوصا أن هذه الاتحادات لا تزال تتعامل مع نظام صنعاء وتتخاطب مع هيئاته الشبابية والرياضية؛ لكن مع الأسف نجد بعضاً من صناع القرار أو المساهمين في صناعة القرار ممن لا يمتلكون ثقافة الدبلوماسية والتلاعب بالمفاهيم والمصطلحات السياسية لصالح القضية اليمنية وقضية الشباب والرياضة على وجه الخصوص يحرمون الرياضة والرياضيين من المشاركات والفعاليات الخارجية الهامة والتي يمكن من خلالها فضح مدى وحشية التحالف عن طريق عرض صور وفلاشات وأفلام قصيرة للضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء وللبنية التحتية المدنية والعسكرية التي دمرها العدوان.