سوريا … ما بعد تحرير خان شيخون لن يكون كما قبله !”
هشام الهبيشان *
بعملية خاطفة وسريعة تحرر قوات النخبة في الجيش العربي السوري مدينة خان شيخون ،والتي تكتسب أهمية استراتيجية كبيرة نظرا لإشرافها على الطرق الحيوية، ما يجعل منها نقطة وصل بين أرياف إدلب، الشرقي والغربي والشمالي، كما تعد السيطرة عليها الخطوة الأولى في إعادة فتح الطريق الحيوية التي تصل بين العاصمتين الاقتصادية حلب والسياسية دمشق، ومن الناحية العسكرية فإن سيطرة الجيش العربي السوري على خان شيخون ستمهد الطريق أمام قواته لتحقيق مكاسب وإنجازات كبيرة على الأرض باتجاه معرة النعمان شمالا، حيث تتمركز عقدة الطرق الدولية السورية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ،وبالتزامن يكثف الجيش العربي السوري لقصفه الصاروخي لبعض البؤر التي تتواجد بها مجاميع إرهابية وخصوصاً على المحور الممتد من القاطع الشمالي الغربي لحماه وصولاً إلى عمق مناطق ريف ادلب الجنوبي “معرة النعمان “،هذا القصف والتمهيد المدفعي تتزامن معه عملية برية يمهد لها الجيش العربي السوري في عموم هذه المناطق رغم محاولة التركي اعاقة هذه العملية .
بالمحصلة وبعد تحرير خان شيخون ،ثبت أن الحل الوحيد للتعامل مع ملف ريف حماه الشمالي وريف ادلب الجنوبي ،هو الحسم العسكري لصالح الجيش العربي السوري، بعد فشل جملة محاولات روسية – إيرانية ومن خلف الكواليس وعبر تفاهمات الاستانة ومؤخراً سوتشي لإنجاز تفاهمات مع التركي تفضي إلى مصالحات وطنية في أكثر من منطقة وبؤرة مسلحة في عمق ريف حماه الشمالي تحديداً ، فالتركي لليوم مازال يدعم المجاميع الإرهابية في بلدات وقرى ريف حماه الشمالي وريف ادلب الجنوبي، بالإضافة إلى زيادة النظام التركي لانتشاره العسكري ولعدد نقاط التثبيت ، والهدف التركي من وراء ذلك هو منع واعاقة أي تقدم للجيش العربي السوري إلى عموم مناطق تواجد المجاميع الإرهابية في ريف حماه الشمالي وريف ادلب الجنوبي.
الدولة السورية بدورها ،وبعد تكرار غزوات المجاميع الإرهابية “الفاشلة ” مؤخراً لريف حماه الشمالي ،من المؤكد أنها حسمت قرارها نحو عملية عسكرية “برية ” أوسع لتحرير كل البؤر الإرهابية المسلحة المتبقية بعمق ريف حماه الشمالي تحديداً وصولاً لعمق ريف ادلب الجنوبي، وخصوصاً مع ازدياد تهديد هذه المجاميع الإرهابية للمناطق الآمنة ، وهنا يبدو واضحاً وعلى صعيد المسار السياسي ان هذه التطورات بدأت تلقي بظلالها على دوائر صنع القرار بالعواصم الراعية لتفاهمات الاستانة وسوتشي وخصوصاً الروسي “الذي لا يريد أن تذهب الأمور نحو أي عملية اشتباك عسكري مباشر سوري – تركي “، ورغم كل هذا ،فالواضح أن الدولة السورية حسمت قرارها ، ووضعت كل الخيارات على الطاولة وحضرت لكل خيار رد مناسب ، فمن ذهب للجنوب ورغم كل الخطوط الحمر ،لن تمنعه أي قوة عن التوجه إلى الشمال .
هذه التطورات بمجموعها شمالاً ،تتزامن مع الوقت الذي بدأت تراقب به معظم دوائر صنع القرار في العالم والمعنية بتطورات الحرب على سوريا مسار عمليات ريف حماه الشمالي وادلب الجنوبي ،فالمرحلة المقبلة سيكون عنوانها كما تؤكد دمشق “تحرير كل المناطق التي تتواجد بها المجاميع المسلحة الإرهابية شمالاً ، فمجموع هذه المعارك التحريرية “الكبرى” تعتبر في توقيتها ونتائجها المستقبلية عنواناً لمرحلة جديدة من عمر الحرب المفروضة على الدولة السورية، فانطلقت اليوم المعركة التحريرية الكبرى “شمالاً “والمتوقعة ان تكون على مراحل ولن تتوقف عند ريف حماه الشمالي أو ادلب الجنوبي بل ستمتد إلى عمق إدلب.
ختاماً ، من الواضح انه قد بدأت تأثيرات معارك تحرير الشمال السوري تظهر على أرض الواقع ، وفي تصريحات وتحليلات واهتمامات الأتراك تحديداً ،والذين باتوا يتخبطون بخطواتهم في الشمال السوري، وهذا لا يخفي حقيقة أن الأتراك يخشون فعلياً من عمليات نوعية وخاطفة للجيش العربي السوري والقوى المؤازرة تؤدي لتقدم الجيش العربي السوري إلى عمق ادلب ،وتكسر كل الخطوط الحمراء التركية وتجبر التركي على الانكفاء نحو مناطق ضيقة من محافظة ادلب ومنها إلى اقصى شمال وشمال شرق حلب “عفرين وجرابلس والباب ” ،وهذا بحال حدوثه “وسيحدث “سيشكل ضربة قاصمة للدور التركي “شمال سوريا “وعندها سيتلقى التركي هزيمة جديدة، وقد تكررت هزائمه في الآونة الأخيرة في مناطق عدة في الشمال السوري ، فتحرير ما تبقى من“ ريف حماه الشمالي وادلب الجنوبي ”يعني للتركي سقوط كل ما يليه كأحجار الدومينو، وبالتالي خسارة جديدة وكبيرة للتركي وهذا ما لا يريده التركي اليوم ،ولذلك اليوم نرى هناك حالة هلع وهستيريا يعيشها التركي ،فحقائق وتطورات الواقع تؤكد أن التركي اصبح امام خيارين لا ثالث لهما ، اما القبول بالذهاب نحو تسويات شاملة لملف الشمال السوري وبشروط الدولة السورية وذلك سيكون على الأرجح ” تحت ضغط الروس تحديداً ”وهذا هو الحل الافضل والأنجع للأتراك ،أو مواجهة تقدم الجيش العربي السوري ،وهذه المواجهة لن تصمد طويلاً نظراً لعدة عوامل ليس أولها ولا آخرها ان هامش وخيارات المناورة التركية شمالاً اصبحت محدودة جداً ، وهناك متغيرات دولية واقليمية تفرض على التركي بالنهاية الانصياع لشروط الدولة السورية وحلفائها.
*كاتب صحفي أردني