حضور المرأة اليمنية بصورة فاعلة في الحياة العامة ظل غائبا ورهينا لمعطيات وظروف الواقع السياسي والاجتماعي وخاصة في العصر الحديث بعكس ما كان عليه الحال في الزمن القديم والذي وصلت فيه المرأة إلى رأس الدولة وتبوأت مكان الصدارة على مستوى السياسة والحكم وصناعة القرار الوطني كما هو شأن الملكة بلقيس بنت الهدهاد حاكمة بلاد سبأ التي ورد ذكرها في القرآن الكريم وكذلك أروى بنت أحمد الصليحي التي حكمت اليمن في أواسط القرن الخامس الهجري الحادي عشر ميلادي.
ولم يشهد التاريخ اليمني بعد نموذج بلقيس وأروى أي حضور قوي للنساء في الحياة العامة بل بلغ الغياب مداه في عهود ما قبل الثورة اليمنية على الرغم من انها ظلت صاحبة المجهود الأكبر على مستوى الاعمال الزراعية ولكن بصورة هامشية بسبب عدة عوامل اجتماعية وثقافية سادت في تلك الحقب المظلمة في تاريخ الوطن .
ولم تعرف المرأة أية تغييرات ايجابية لصالحها في هذا الجانب إلا بعد الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر في ستينيات القرن الماضي غير أن هذا التطور ظل محدودا ودون مستوى الطموحات والآمال. اليوم ومع مخاضات التحول الحضاري الذي تشهده البلاد باتجاه التاسيس لبناء الدولة المدنية الحديثة والتي تعتبر فيه النساء أحد اعمدتها الرئيسية وأحد الشركاء الفاعلين في مسيرته فإن المرأة التي كان لها الدور البارز في ثورة الشباب الشعبية السلمية باتت تدرك تماما دورها المنتظر في صناعة هذا التحول والمضي قدما لاثبات قدرتها وكفاءتها في البناء التنموي وصناعة القرار الوطني جنبا إلى جنب مع اخيها الرجل.
قوة اجتماعية هامة
● ولا يختلف اثنان على ما تمثله المرأة من قوة هامة في المجتمع وحركة تطور لذلك فقد سجلت حضورا لافتا في فعاليات ومجريات الحوار الوطني الشامل الذي التأم فيه الشمل اليمني للتدارس حول خطوات البناء المستقبلي للدولة المدنية القائمة على أسس العدالة والمساواة واحترام الحقوق والحريات وسيادة النظام والقانون على الجميع دون استئثار طرف بالسلطة والثروة على حساب الآخر .
وكان الحضور النسوي في هذا الاستحقاق الوطني التاريخي متميزا بل أن إحدى الناشطات أكدت بأن حضور المرأة اليمنية في مؤتمر الحوار يفوق نسبة حضور النساء الامريكيات في الكونغرس الامريكي وبالتالي فإن اليمنيات وهن يشاركن بقوة وايجابية في رسم معالم المستقبل المأمول قد وضعن نصب اعينهن الكثير من الاهداف الخاصة بتطوير المرأة وتفعيل دورها في المجتمع انطلاقا من عدة حقائق حول ما عانته وتعانيه النساء في المجتمع اليمني من اشكال التمييز والتهميش نتيجة للنظرة المجتمعية التي تؤطر المرأة ضمن حدود وتصورات معينة باعتبارها أنثى وانها لا ترتقي لمرتبة ومنزلة الرجل مما حال دون حصولها على حقوقها الاجتماعية والانسانية.
خطوات مطلوبة
● يقينا فإن مخرجات الحوار التي سترسم معالم الدولة المنشودة ستضع النساء في المكان المناسب وبما يتواءم مع مكانتهن ودورهن واهميته في المجتمع باعتبارهن جزءاٍ رئيسياٍ فيه .. بل ان مشاركة المرأة في الحياة السياسية وضع القرار الوطني شرط اساسي لاكتمال ملامح الدولة المدنية واقامة النهج الديمقراطي السليم وتؤكد الدكتورة سامية الاغبري الاستاذ المساعد بكلية الاعلام جامعة صنعاء بأن تمكين النساء في المشاركة السياسية الفاعلة هو ما يؤدي الى اقامة المجتمع المدني القائم على الحرية والعدالة واحترام حقوق الانسان ويشددون على ضرورة مواصلة العمل لتعزيز دور المرأة في المجتمع باعتبارها جزءاٍ فاعلاٍ وأساسياٍ في أي مشروع تنموي تقدمي.
وتشير إلى اهمية تحقيق المساواة في فرص العمل واظهار المشاركة الفعلية للمرأة والعمل على تطوير مهاراتها وقدراتها لتفعيل مشاركتها في الحياة العامة واحترام مبدأ المساواة بين الجنسين في الحقوق السياسية والمشاركة في المؤسسات التشريعية ورفض المساس بهذا الحق بأي شكل من الاشكال والتوجه لتنمية الوعي التربوي والتعليمي بين أواسط الصغار بمفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان والدور الهام الذي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني.
مؤشرات التنمية
● وتبقى المشاركة السياسية للمرأة أحد أهم المؤشرات والدلالات على تطور أي مجتمع وتقول الدكتورة ابتهاج الكمال نائب رئيس الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد بأنه لا يمكن الحديث عن التنمية الحديثة دون مشاركة النساء بصورة حقيقية وفاعلة فيها ووضع بصماتها في تلك الخطط والمشاريع التنموية .
وتضيف الكمال ان درجة مشاركة المرأة وفاعليتها تنعكس ايجابا في السياسات التنموية كما ان محاولة دراسة التغيير الاجتماعي لا يمكن عزلها عن دور المرأة التي تمثل نصف المجتمع .. مشددة على ضرورة ان تبذل النساء في مجتمعنا اليمني الذي يتسم بالهيمنة الذكورية جهودا مضاعفة لاثبات نفسها وكفاءتها في الحياة العامة .. وتشير إلى أن الارث التاريخي للمرأة اليمنية يجعلها مهيأة لأداء دور وطني بارز في مسيرة التطور الحضاري .
وتوضح نائب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بأن الظروف والاحداث التي شهدتها اليمن عبر مختلف المراحل الزمنية اتاحت للنساء في ظل ظروف كثيرة فرصا تاريخية لاثبات كفاءتهن في مختلف الميادين ومنها العمل النضالي الوطني اذ انخرطت كثير من النساء في العمل النضالي الجماهيري اذ استطاعت نساء يمنيات من المشاركة الفاعلة في الكفاح ضد الاحتلال البريطاني في الجنوب ومساندة اخيها الرجل في التصدي لحكم الائمة في الشمال وظلت طيلة المراحل اللاحقة عاملا مؤثرا في جميع الاحداث على الساحة الوطنية وها هي اليوم تشكل رقما صعبا في عملية التحول الحضاري الذي تشهده اليمني على طريق بناء الدولة الحديثة .