تمرير صفقة القرن لن يحمل سلاماً لأحدٍ
مصطفى عامر
بهدوء، ومنذ أمدٍ بعيد، يتمّ الإعداد لصفقة القرن باعتبارها واحدةً من أكبر الخطوات الممهّدة لما يُعرف بعصر السّلام الصّهيوني، وهو العصر الذي يؤمن صنّاع السياسة في أمريكا وفي الغرب بعمومه بحتميّة حدوثه، كما أنّهم يعملون بجد من أجل الوصول إليه.
ثمّة من ينكرون نظرية المؤامرة، على أن الأرض لن تتوقف عن الدّوران فيما لو اعتقد أكثر النّاس بأنّ الأرض لن تدور، كما أنّني- وهذه محض قناعةٍ لا ألزم بها أحداً- لا أجد تعريفًا لعلم السياسة أدقّ من كونه “علم المؤامرة”.
وفي كلّ الأحوال فإنّ ثمّة جاذبٌاً تاريخيٌّاً لهذه البقعة من العالم، وأنا هنا لا أتحدث عن الثروة والموقع الجغرافيّ على أهمّيتهما، فهذه المنطقة ترتبط ارتباطًا عضويًا بالموروث الدّينيّ لما يزيد عن نصف سُكّان الكرة الأرضية على الأقل، وحينما أتحدث عن هذه المنطقة فأنا أقصد تحديدًا الجغرافيا المقدّسة لدى أتباع كافة الديانات الإبراهيميّة، سواءً أكانت الديانات الأشهر: اليهودية والمسيحية والإسلام؛ أو حتى تلك المندثرة أو الأقل شهرة، كالصابئة المندائية التي تسكن حاليًّا في بعض أجزاء العراق وإيران وتؤمن بوحدانية الله وبرسالة عددٍ من الأنبياء عليهم السّلام.
لهذا فصفقة القرن ليست بتلك البساطة التي جعلت بعض الكُتّاب يصورونها كما لو أنها كانت واحدةً من الأفكار التي مرّت على ترامب كحلم ليلة صيف وغادرت مخيّلته في يومٍ عاصف! كما أنها ليست من بنات أفكار كوشنر كما تروّج وسائل الإعلام، بالإضافة إلى أن تسميتها لم تأتِ على سبيل التلاعب اللفظي، أو أنّه- على الأقل- لا ينبغي بنا قراءتها على هذا النّحو، فالصفقة الأقذر على مرّ التّاريخ الحديث لن تصنع بهذه البساطة ولا بهذا القدر من الارتجالية، وهي في كلّ الأحوال ليست خطوةً في بداية الطريق كما أنّها لا تمثل نقطة نهايته، بقدر ما هي جزء محوري من المشهد الأخير الذي ليس بالإمكان اكتماله دون تحقيقها.
على هذا النحو فإنّ الفشل المخزي لقمّة البحرين لم يرسل لصنّاع الصفقة عبارة “قف!”، بقدر ما أرسل لهم عبارةً أخرى ذات دلالة: “ثمّة عقباتٍ ينبغي تجاوزها”، وما لا يمكن تجاوزه بالسّلم فإنّ صنّاع الصفقة سيعملون على تجاوزه بالحرب، وعلى هذا النحو فإنّ على محور المقاومة وحلفائه التأهّب لمعركةٍ قادمةٍ مصيريّةٍ مشتركة، أو- وهذا خيار الجبناء- السّماح بتمرير صفقة القرن بسلام!
على أنّ تمرير صفقة القرن لن يحمل سلامًا لأحدٍ من ” الجوييم” الذين شاركوا في تمريرها، لا أتحدث على مستوى الدّول فحسب حتى لا أُفهم خطأً، وإنّما على مستوى الأفراد أيضًا.
فالمصير الذي ينتظر سيسي مصر، بالتالي، لن يختلف عن المصير الذي ينتظر سلمان السعوديّة، أشخاصٌ مثل محمد بن سلمان ومحمد بن زايد يسوقون ذواتهم إلى المذبح منذ أمدٍ بعيد، حتى وإن كانوا- وهذه معلومةٌ ضروريّةٌ لقراءة المشهد- يعملون باعتبارهم جزءًا من الحلف الآخر لا عملاء له.
فدبي تحتضن واحدًا من أهم المحافل الماسونيّة في العالم، هذا خبرٌ وليس تنبؤاً، محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، معًا، يعملان باعتبارهما جزءًا من المشروع الماسوني، وثمّة وهمٌ يراود الطفلين معًا باعتبارهما صارا جزءًا من “حكومة النخبة” التي تحكم العالم!
كثيرون سيطر عليهم مثل هذا الوهم على أيّة حال وتمّ رميهم في سلة المهملات، شاه إيران محمد رضا بهلوي على سبيل المثال كان واحدًا منهم، ولا أعتقد أن مصير الأسر التي تحكم الخليج سيكون أفضل حالاً، إلّا فيما لو أخذنا الروايات التي تتحدّث عن الأصول اليهوديّة لبعض الأسر التي تحكم الخليج، مثل أسرة آل سعود، على محمل الجد.
وحتى لو أخذنا مثل هذه الروايات على محمل الجدّ فإنّ يهود المغرب، الذين ينتمي إليهم حكام السّعودية وفقًا لهذه الرّوايات، محض يهودٍ شرقيين، “سافارديم”، ومثل هؤلاء اليهود لا ينتظرهم المجد في المشهد الختاميّ الذي ينتظره اليهود الأشكيناز.
الأحاديث أعلاه تسيطر على عقل “ترامب” بنفس القدر الذي تسيطر فيه على عقل نتنياهو، وهي الأفكار ذاتها التي يؤمن بها آل بوش وريجان وجيمي كارتر وأوباما وآل كلينتون وآل روتشيلد وآل روكفلر.
وفيما يعتقد النخبويّون في هذه البلدة باستحالة حدوث أيّ مؤامرةٍ في هذا الكون باستثناء مؤامرة “اصحاب مطلع” على “اصحاب منزل”! فإنّ قراءة ما يحدث في اليمن الآن وسابقًا ولاحقًا بمنأى عمّا يحدث في سوريا ولبنان وفلسطين ومضيق هرمز وليبيا والجزائر والسّودان، سينتج- برأيي- قراءاتٍ قاصرة، ويدفع كثيرين لاتخاذ قراراتٍ خاطئة.