المياه والتنمية السياحية

يعد الماء ضرورة حياتية لكل كائن حي في وجه الأرض كما هو الهواء والغذاء ويظل الإنسان هو الباحث والمنقب والمبتكر لكل وسائل استخراج المياه لأن وجودها تعني استمراراٍ لحياته ونشاطه وإعماره وكلما تطورت الحياة وزاد عدد السكان زادت الحاجة إلى المياه هذه الحاجة التي قد تقود بلدان إلى هاوية الحرب. إننا عندما ندعوا إلى ترشيد الماء نعني بذلك الاستخدام الأمثل له بحيث يؤدي إلى الاستفادة منه وبأقل كمية وبأرخص الأسعار وعندما نتحدث عن ترشيد الماء نهدف إلى توعية المستهلك بأهمية الماء كنعمة عظيمة وجوهرة ثمينة لغرض الحفاظ عليها لأن الحفاظ عليها هو الحفاظ على حياة كل الكائنات الحية الموجودة في كوكب الأرض.

إن التقدم التكنولوجي يؤدي إلى زيادة استهلاك المجتمعات للمياه ليس فقط للاستهلاك المنزلي بل أيضاٍ في الزراعة والصناعة وبالمثل فإن زيادة عدد السكان تعني زيادة كمية المياه المستهلكة ومن ثم الحاجة إلى المزيد من الماء العذب. ومن الجدير بالذكر التنويه بأن استخدام المياه في أي من القطاعات الثلاث السابق ذكرها لا يعني بالضرورة استهلاكها نهائياٍ إذ أن جزءاٍ كبيراٍ من ماء الري يمكن تجميعه في المصارف وإعادة الاستفادة منه كذلك المياه المستخدمة في الاستهلاك المنزلي يمكن تنقيتها وإعادة استعمالها مرات عديدة . وفي الدول الصناعية أو معظمها يمكن إعادة استخدام المياه المستعملة في الصناعة ما يزيد على خمسين مرة على أنه في جميع الحالات توجد نسبة من الماء تفقد بصورة نهائية من الوجهة العملية نتيجة للتبخر وفتح الحنفيات أو التسرب في باطن الأرض أو التلوث بدرجة يحول دون التنقية بتكاليف معقولة .
إن أزمة المياه التي تعاني منها عدد من المدن اليمنية لهو ناقوس الخطر الذي يدق للاهتمام بأهم مورد في حياتنا وهو الماء. إن الأرض وتقدمها في سنن هذا الكون وهذا التقدم لا يمكن أن يتواصل إلا بوجود مياه نقية عذبة وهذا ما تؤكده الحياة البشرية وما يرسخ في عقيدتنا.
فالماء نعمة من نعم الله يجب علينا جميعاٍ الحفاظ عليها وحمايتها.
فلا زراعة ولا صناعة بدون المياه ولا نشاط أو حركة إلا مع المياه وهذا أيضاٍ يسري على جميع الصناعات ومنها صناعة السياحة التي يرتبط وجودها ونشاطها بالمياه النظيفة والعذبة وبالمسطحات المائية المختلفة فالمياه والطاقة عاملان متلازمان لإحياء وإنعاش صناعة السياحة فبوجود الماء تنمو الزراعة وتعدد المنتجات وحيث يوجد الماء تظهر البحيرات والينابيع والعيون وتزداد المساحات الخضراء وترق القلوب وحيث تقل المياه وتندر تكون القلوب أشد قسوة من الحجارة فالماء رحمة من رحم الله الواسعة بالإنسان وما يجري في عالمنا اليوم من نزاع على السيطرة على موارد الأمم ومنها الماء لدليل قطعي بما تعانيه شعوب الشرق الأوسط خاصة من أزمة المياه وتلوثها وهي أي الحروب تأكل الأخضر واليابس ولا زال الناس يعيشون في غيهم وغفلتهم لتعمق المزيد من هدر للمياه وتلوثها ومن كسب لغضب الله بما يفسده دعاة الحروب ودعاة العنف والجريمة.
إن المياه هي عصب الحياة التنموية وخاصة التنمية السياحية ولندرة المياه وشحة الأمطار وهطولها في فصل الصيف فقد يجعل المناطق الجبلية الغربية والوسطى وعدداٍِ من المناطق التي تحظى بالسيول مكسوة بالخضرة الزراعية والمساحات الخضراء حتى قمم الجبال وهذا المنظر الرائع والخلاب هو عامل الجذب الرئيسي والذي يعتمد على المياه فهل ندرك أهمية الماء ونعمة الله ورحمته لنشكر ونعمر ونقيم الخدمات اللائقة ذات الجودة العالية لزوارنا لنفتح أبواباٍ جديدة من أبواب الرزق الشريف الذي يخدم الأسرة والمجتمع.
إن وزارة السياحة اليوم تسعى بجهود وزارية لخدمة مواقع المياه الحارة في حضرموت والحديدة وإب وغيرها من المناطق نتمنى نجاحها بالقدر المستطاع وكما نرى فإن التنمية السياحية تشكل المياه فيها عنصر الجذب وعنصر صناعة الخدمات السياحية وعنصر الإعمار فلا سياحة بدون ماء ولاحياة بدون ماء.
التنمية السياحية والواقع
إن التركيز على فحص الموارد والإمكانيات الرئيسية وإبراز العوامل والإتساق المؤهلة لدفع عجلة التنمية وبلوغ غايتها تدور حول ثلاثة محاور كما يلي:
البحث في مواقع الموارد الطبيعية المادية وتقويم الإمكانيات التي تنتجها موارد الطاقة والمياه بصورة رئيسية.
معالجة الوضع الثقافي وما يتصل به من إتساق سلوك وقيمة ثقافية ومدى تأثيرها سلباٍ وإيجابياٍ على التنمية المستدامة.
تناول الجانب المؤسسي أي إدارة الحكمة وآلياته وأهميته بالنسبة للتنمية المستدامة وهي لا تستقيم وتزدهر لتوفير موارد طبيعية ونسق قيمي – ثقافي فقط بل لا بد من بناء وترسيخ إطار مؤسس يساعد على تحديد شكل استخدام الموارد المتاحة.
ومما سبق يمكن الإشارة على أن عدداٍ من أنماط السلوك التي تجاوزت القيم والأعراف قد أعاقت النمو السياحي كما تسبب الكثير في إهدار المياه الجوفية وإصابتها بضرر التلوث جراء السموم والأسمدة المستخدمة وأن معالجة هذا السلوك يتطلب جهداٍ إعلامياٍ وتربوياٍ وتعليماٍ بمعنى أنه يرتبط بعدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية وكذلك الأسرة والمجتمع.
إن ترسيخ إطار مؤسس يساعد على تحديد شكل استخدام الموارد المتاحة ومنها المياه في صناعة السياحة والعمل على تقنين وترشيد استهلاكها في هذا القطاع يتطلب رؤية حكومية واضحة من قبل الدولة والحكومة تمكن وزارة السياحة من القيام بدورها بشكل إيجابي يخدم المستثمر والمجتمع والسائح المحلي والوافد.
إن إحياء المواقع السياحية والكشف عنها سوف يساعد على وجود عدد من البدائل والمقاصد السياحية أمام السائح ومنها مواقع للشلالات وعيون المياه الحارة وينابيع المياه الصافية والمساحات الخضراء الدائمة كما يساعد على توفير مصادر للمياه العذبة للتنمية السياحية فيها.
إن بلادنا لا زالت تتعرض لهدر المياه بصورة الإسراف والعبث والحفر العشوائي للآبار وهذا ما يزيد من تدمير المناطق الخضراء ويساعد على امتداد الصحراء ويزيد من أزمة المياه.
إن الواقع فيه عناصر في خدمة التنمية السياحية من الموارد الطبيعية لكن تكافؤ الجهود الحكومية والشعبية وتحقيق الشراكة وإيصال منافع السياحة للمجتمعات المحلية حتى الآن لم تتحقق بغياب القناعة لدى الشركاء بأهمية السياحة.
أبعاد التنمية السياحية
البعد الاقتصادي : زيادة الإيرادات السياحية من النقد الأجنبي ورفع نسبة إسهام السياحة في الناتج الوطني.
البعد التنموي: توليد فرص عمل جديدة في مختلف أنحاء الوطن وتنمية مناطق الجذب السياحي.
البعد الثقافي : الحفاظ على التراث التاريخي والإرث الوطني الإنساني المتميز والعمل على إغنائه بما يكفل إحيائه في ذاكرة المواطن والسائح.
البعد الإعلامي : إبراز الصور الحضارية لليمن ونقلها إلى وسائل الإعلام في الخارج.
البعد السياسي : التغلب على التأثيرات الدولية والإقليمية والمحلية التي تعيق حركة السياحة على اليمن وتحسين الصورة الإيجابية وإبراز المقومات السياحية والأبعاد الاقتصادية.
الفرص الاستثمارية المعتمدة على المياه
جميع المشاريع المعروضة كفرص استثمارية عامل الجب فيها مياه البحر الأحمر والمحيط الهندي.
المشروع الأول شاطئ شمال ميدي
وجزيرة الدويمة:
يقع إلى الشمال من مدينة ميدي بمسافة 2كم تقريباٍ ويشمل الشاطئ الرئيسي وجزيرة الدويمة المقابلة له ويمتد بطول 7 كم للواجهة البرية للشاطئ حتى الخط الحدودي مع المملكة العربية السعودية بعمق بري 2 كم.
المشروع الثاني:
– جزيرة المرك تقع قبالة شاطئ مدينة ( مرسي) اللحية وتبعد عنها بحوالي 7 كم ومن مطار الحديدة تستغرق الرحلة جواٍ حوالي ربع ساعة وهي محاطة بعدة جزر من جميع الجهات.
المشروع الثالث:
– شاطئ خور عميرة
يقع خور عميره على ساحل البحر الأحمر وغرب مدينة عدن بمسافة 95كم على الطريق الساحلي الذي يربط محافظات ( عدن لحج تعز الحديدة ) ويبعد عن مركز محافظة لحج مسافة 90 كم تقريباٍ ويمتد بشكل شبه دائري ليشمل الشاطئ المحيط بالخور والشاطئ الشرقي كقرية أم عميرة حتى نهاية اللسان شبه الدائري المشكل للخور.
المشروع الرابع:
-شاطئ ضبضب ( الشحر):
يقع إلى الشرق من مدينة الشحر على ساحل بحر العرب ( المحيط الهندي).
المشروع الخامس:
– شاطئ جازوليت:
يقع شاطئ جازوليت في الطرف الشرقي لمدينة الغيضة إلى الجنوب الشرقي من مطار الغيضة الدولي بمساحة 7,4كم.
المشروع السادس :
يقع في جزيرة حنيش إلى الجنوب من مرفأ الجزيرة الحالي ويحيط بالموقع تلال صخرية مرتفعة من جميع الجهات تتراوح بين 4-11 متر عدا الجهة الغربية.
المشروع السابع
( مجموعة الخدمات السياحية):
يشمل المشروع 44 موقعاٍ سياحياٍ يتضمن مجموعة الخدمات الأساسية التي تستهدف تقديم الخدمات للسياح في المواقع المختلفة وتغطي المواقع الجبلية والصحراوية والمدن السياحي التي يستهدفها السياح الأجانب وتفتقر لمثل هذه الخدمات.
إن ترشيد الماء وتنمية مصادره والتأكيد على أهمية الحفاظ على هذا المورد الهام الذي هو أساس الحياة وشريانها إنه يشكل الثروة الوطنية التي يجب ترشيد استهلاكها في الري الزراعي وفي الصناعات ومنها صناعة السياحة التي تمثل مجالاٍ واسعاٍ لفرص العمل واستهلاك المنتجات الزراعية المحلية إضافة إلى احترام المبادرات الجدية في عملية تقنين وترشيد استخدام المياه سواءٍ كان ذلك في الفنادق أو منشآت الطعام أو المتنزهات والحدائق والمسابح والحمامات والنوادي الرياضية والصحية فالمياه تمثل العامل الرئيسي في استمرارية التنمية السياحية وصولاٍ إلى تنمية سياحية مستدامة.
إن السياحة تعتمد على المسطحات المائية الداخلية كالبحيرات وكذلك على المياه الجارية من الينابيع والعيون والشلالات كعامل جذب وهذا ما يكثر في بلادنا في أيام الصيف فتكون المياه هي عامل الجذب الرئيسي للسائح إضافة إلى ما ينتج عنها من مساحات خضراء طبيعية ممتدة حتى قمم الجبال وبناءٍ عليه يقع على عاتقنا الآتي:
التوعية بأهمية الحفاظ على مصادر المياه العذبة وترشيد استهلاكها.
الاهتمام بتوفير الخزانات الأرضية والسدود والحواجز التي تساعد على تنمية المياه الجوفية.
أهمية تطبيق القوانين واللوائح المنظمة لعملية الحفر الارتوازي العشوائي.
إلزام المنشآت الفندقية بعملية الترشيد والتقنين لاستهلاك المياه واستخدام الوسائل والتقنيات الحديثة وهذه الضوابط هي جزء من عدد من الإجراءات التي يمكن أن تقوم بها الدولة والقطاع السياحي والمجتمع والحفاظ على الموارد الطبيعية بصورة عامة والمياه بصورة خاصة. وفي النهاية فإن بلادنا ينطبق عليها السياحة والماء والخضرة والوجه الحسن وهذا يتحقق بتعاون الجميع وتكاتف الجهود الرسمية والشعبية والإعلام بشكل خاص في التكثيف من الحملات التوعوية للحفاظ على المياه باعتبارها أساس الحياة والسياحة باعتبارها عصب الاقتصاد والتنمية.
وفي الأخير لابد من:
تطبيق وتفعيل القوانين النافذة الخاصة بترشيد المياه وحسن استخدامها.
إلزام أصحاب المنشآت السياحية بإدخال المنظومات الجديدة الخاصة بترشيد الماء بطرق علمية حديثة ولمختلف أغراض واحتياجات المنشآت.
حث رؤس الأموال وتشجيعهم لتوريد أجهزة وتقنيات حديثة للري.
الاتجاه من قبل القطاع الحكومي والخاص للاستثمار في تحلية مياه البحر.
تشجيع المواطنين ودعوتهم لاستخدام التقنيات المنزلية الحديثة في ترشيد المياه.
المراجع :
1- (بتصرف ) مرجع الدكتور عادل زيتون – المياه العربية التحدي والاستجابة- د. عبد الملك التميمي ( مجلة العربي نوفمبر 2000م) العدد (504).
2- المرجع ( التكنولوجيا الحديثة التنمية الزراعية في الوطن العربي) صـ 153- المعرفة فبراير 1982م .
3- مرجع الدكتور حمدي الحافظ – نحو رؤية إنمائية للعالم العربي صـ5 كتاب في جريدة صحيفة الثورة اليمنية .

* مدير عام السياحة البيئية بوزارة السياحة

قد يعجبك ايضا