في حين تمنع قطاعات واسعة من السوريين والليبيين واليمنيين والفلسطينيين والقطريين من الحج والعمرة
مجلس الوزراء السعودي يستحدث تأشيرات وتسهيلات جديدة للترفيه بدلاً عن الحج والعمرة
> الرياض تفرض مجموعة من القيود على حجاج اليمن وبلدان عربية وإسلامية
> تجميد أنشطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، وحصر أعمالها على المكاتب الإدارية
الثورة/ أحمد المالكي
يثبت النظام السعودي الذي يتحكم في إدارة شؤون المقدسات والشعائر الإسلامية بمكة والمدينة سعيه الحثيث نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، من خلال الانحراف القيمي والديني والأخلاقي الذي بدأ يلمسه المسلمون والمجتمع السعودي عن طريق الانفتاح المعلن مع الإسرائيليين، إلى درجة السماح لهم بتدنيس المقدسات الإسلامية، وأخذ الصور التذكارية من داخلها، ولكي يثبت محمد ابن سلمان صدق هذا التوجه التطبيعي، فقد أنشأ هيئة الترفيه، وقلص نشاط هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وما يجدر ذكره هو أن آل سعود حولوا فريضة الحج عن الهدف الأسمى الذي شرعت لأجله، والمتمثل بتقارب المسلمين واجتماعهم وتوحدهم ضد أعدائهم، ومناقشة قضاياهم، حولوه إلى موسم طائفي ينشر السموم الطائفية والمذهبية، ويعزز الخلاف بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة، يظهر ذلك جلياً من خلال خطب علمائهم التي تجزئ ولا توحد، وتفرق ولا تجمع، بل إنهم لا يجرؤون أن يحددوا العدو الحقيقي للأمة، أو يذكروه بسوء، برغم المجازر والممارسات التي يرتكبها الصهيوني والأمريكي في حق أهلنا في فلسطين، وفي حق أمتنا والشعوب الإسلامية.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى درجة استغلال موسم الحج في نشر الرذيلة، وإقامة الحفلات السياحية والموسيقية التي تنظمها هيئة الترفيه التي أنشأها محمد بن سلمانـ وخصصوا لذلك تأشيرات خاصة تسمى تأشيرة الترفيه بدل تأشيرة الحج لأداء مناسكهم.
أثارت التسهيلات التي منحها مجلس الوزراء السعودي، لتأشيرات “الزيارة” التي خصصت للراغبين بحضور فعاليات هيئة الترفيه التي تقام في المملكة، جدلا بعد أن قارنها راغبون بزيارة السعودية لأداء العمرة أو الحج بتأشيراتهم الخاصة لذلك.
وأقر مجلس الوزراء السعودي قبل أشهر، استحداث تأشيرة باسم “زيارة فعالية”، تصدر وفقا لآليات رئاسة أمن الدولة، ووزارة الخارجية.
واستغربت أوساط إسلامية طرح شركات السياحة لتأشيرة للحج تسمى تأشيرة زيارة فعالية وصلاحيتها شهر ومدتها شهر إقامة وشروطها حجز تذكرة حفلة بمهرجان بجدة بـ(400 ريال) وميزتها النزول في مطار جدة بخلاف التأشيرات التجارية وتباع أرخص من تأشيرات الحج العادية.
اللي يعيش ياما يشوف
ويتطلب للحصول على التأشيرة إثبات حضور الفعالية بشراء التذكرة المخصصة لها، مقابل إصدار التأشيرة خلال 24 ساعة فقط، الأمر الذي أثار حفيظة الراغبين بأداء العمرة الذين عليهم الانتظار قرابة الأسبوعين قبل الحصول عليها.
إلى جانب ذلك، قررت السعودية مؤخرا تعديل رسوم التأشيرة للدخول المتكرر، ما يرفع الأعباء على الراغبين بتكرار أداء العمرة، أو فريضة الحج.
ووفق وكالة الأنباء السعودية، فقد تقرر أن تكون رسوم تأشيرة الدخول لمرة واحدة 2000 ريال سعودي، أي ما يعادل 533.3 دولار أمريكي، على أن تتحمل الدولة هذا الرسم عن القادم لأول مرّة لأداء الحج أو العمرة.
وعدل مجلس الوزراء رسوم تأشيرة الدخول المتعدد إلى 3000 ريال سعودي، ما يعادل 800 دولار، لستة أشهر، وإلى 5000 ريال- 1333 دولارا، لمدة سنة، وإلى 8000 ريال- 2133 دولارا، لمدة سنتين.
وبحسب قناة الجزيرة، فقد أثار مقطع من مقابلة تلفزيونية لأحد المسؤولين في هيئة الترفيه جدلا على منصات التواصل، بعد أن أكد فيه استعداد الهيئة لإقامة فعاليات موسيقية تستهدف زوار بيت الله الحرام مع حلول موسم الحج. إذ قال هذا المسؤول: “سيكون الموسم مجانبا للصواب إذا لم يستهدف عدد زوار السياحة الدينية الكبير جداً جداً”.
وقد رصدت تفاعل رواد منصات التواصل الاجتماعي مع حديث المسؤول السعودي المذكور، حيث طالب الناشط غانم الخالدي باحترام الحج ووقف كل أنشطة هيئة الترفيه فغرد قائل: “لقد تجاوزت هيئة الترفيه الحدود، نتمنى أن تأمر بأن يتوقف نشاطها على الأقل أثناء موسم الحج -خصوصا الغناء والسرك- احتراما لركن من أركان الإسلام”.
وسخر حساب “مارك العربي” على تويتر من استخدام بعض الحجاج تأشيرة حضور الفعالية للحج والعمرة، فقال: “عشنا وشفنا! المصري اللي كان يقدم على تأشيرة حج وينتظرها مدة طويلة حتى تصدر ويدفع عليها مبلغ كبير صار يجي للحج والعمرة بتأشيرة حضور فعالية، وبمبلغ أرخص بكثير! ما شاء الله تبارك الله.. صاروا ضيوف هيئة الترفيه أعز وأكرم من ضيوف الرحمن”.
واتهم أحمد الشريف هيئة الترفيه بتشويه صورة المملكة كتب مغرداً: “أقسم بالله عيب اللي يصير، الحجاج بدأوا يتوافدون على المملكة وهيئة الترفيه كل يوم عاملة حفلة ألعن من اللي قبل، ألهذه الدرجة ما عندكم احترام للأشهر الحرم، والله فضحتونا وشوهتوا صورة المملكة أمام العالم الإسلامي، خلاص كفاية احترموا مشاعرنا”.
وتساءل الأكاديمي محمد المختار الشنقيطي: “هل سمع جماعة محمد بن سلمان وتركي آل الشيخ بقول الله تعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)؟”.
كما تفاعل رواد منصات التواصل مع خبر إعادة السلطات السعودية 30 مصريا غادروا للحج بتأشيرة “فعالية” المخصصة لحضور الحفلات الفنية التي تقيمها هيئة الترفيه السعودية. وقالت مواقع محلية مصرية وسعودية إن سلطات مطار القاهرة الدولي وشركات الطيران العاملة فيه أوقفت سفر أي راكب يحمل تأشيرة الفعالية إلى السعودية.
وهو ما أثار العديد من التساؤلات عن سبب توجه زوار المملكة إلى الحصول على تأشيرة الترفيه بدل تأشيرة الحج لأداء مناسكهم.
وفي الوقت الذي اوقفت فيه العام الماضي إصدار تأشيرات الحج والعمرة للفلسطينيين في الأردن ولبنان والقدس الشرقية، اصدرت السلطات السعودية مؤخراً قراراً بمنح تأشيرات إلكترونية للزوار من خارج السعودية يمكنهم من حضور الحفلات الموسيقية التي يقيمها ولي العهد السعودي بالمملكة.
وقد كانت التأشيرات فى المملكة العربية السعودية في السابق، قاصرة على العاملين المقيمين والمسافرين فى رحلات عمل بجانب الحجاج والمعتمرين الذين يحصلون على تأشيرات خاصة.
مراقبون أكدوا أن صدور مثل هذا القرار يكشف حقيقة التوجهات الجديدة للنظام الحاكم في المملكة الذي يسعى الى تحويل ارض الحجاز ونجد من معلم ورمز إسلامي الى حانة للحفلات الراقصة والغنائية على غرار المنتجعات والفنادق السياحية التي يمتلكها أمراء النفط من آل سعود في مختلف دول العالم.
وفيما تفرض السعودية على الحجاج والمعتمرين أخذ تأشيرات الحج والعمرة من سفاراتها في مختلف دول العالم، إلا أنها سهلت المهمة في دخول أراضيها على الراغبين في حضور الحفلات الغنائية التي شرعت هيئة الترفيه السعودية في تنظيمها لكبار المغنين والراقصات، وذلك من خلال التأشيرات الالكترونية التي يمكن منحها للزائرين عبر الانترنت.
وكانت السعودية قررت في نوفمبر الماضي منع أكثر من مليون ونصف المليون مواطن فلسطيني من السفر عبر جوازات السفر الأردنية المؤقتة لأداء الحج والعمرة في مكة المكرمة.
ويمثل هذا الإجراء جزءاً من السياسة السعودية الجديدة لوقف إصدار تأشيرات الحج والعمرة للفلسطينيين في الأردن ولبنان والقدس الشرقية.
اتفاق إسرائيلي
وقال مصدر أردني على اطلاع بشؤون بلاده الدبلوماسية: إنَّ القرار السعودي يمثل جزءاً من اتفاق ثنائي مع إسرائيل لوضع حد لـ «الهُوية الفلسطينية وحق العودة للاجئين».
وقال النائب في البرلمان الأردني سعود أبو محفوظ: إنَّ النواب طلبوا من وزير الداخلية ووزير الأوقاف الأردنيين إرسال لجنة إلى العاصمة السعودية الرياض للتفاوض على التراجع عن هذه السياسة.
وأوضح: «يؤثر القرار على كل عربي ومسلم لديه الحق في العبادة. ظللنا نسمع شكاوى حول هذه المسألة منذ العام الماضي، وتفاجأنا حين وجدنا 200 شركة سياحية تقريباً غير قادرة على إصدار تأشيرات عمرة إلكترونية للفلسطينيين من السفارة السعودية».
منع
السعودية سبقت وأن منعت قطاعات واسعة من السوريين والليبيين واليمنيين والفلسطينيين والقطريين من الحج والعمرة، والعام الماضي تم منع الإيرانيين بالكامل، هذا المنع أثار جدلاً واسعاً على كافة المستويات الشعبية والحقوقية، حيث انتقدوا تسييس موسم الحج بسبب الخلافات السياسية، ولكن من الواضح أن السلطات السعودية بدلاً من أن تسهل عملية الحج لجميع المسلمين جعلته مناسبة لتصفية الحسابات السياسية، فيما فتحت المجال أمام المطربين والراقصات لإحياء الحفلات الماجنة على أراضيها.
بعد شن ما يسمى التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية حربا على اليمن بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية، فرضت الرياض مجموعة من القيود على حجاج اليمن، ومنعت إعطاء تصاريح للحجاج اليمنيين لأداء مناسك الحج، وأكد وكيل قطاع الحج والعمرة في وزارة الأوقاف في اليمن أن السعودية ماطلت في إعطاء التصاريح لخمسة عشر ألف حاج يمني في مسعى لتفويت فُرصة الحج عليهم. ما دفع لاتهام السعودية، بمنع الحجاج اليمنيين من أداء فريضة الحج.
وبخصوص سوريا، تستمر سياسة السعودية للسنة السادسة على التوالي في حرمان السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية من أداء فريضة الحج ومناسك العمرة.
في مطلع 2016م، أصدرت السلطات السعودية قراراً يحظر على الفلسطينيين المقيمين بالدول العربية تأدية مناسك الحج والعمرة، مبررة القرار بأنه صدر لمنع دخول عناصر إرهابية إلى المملكة، مشددة على أن قرار الحظر يستهدف الفلسطينيين اللاجئين بسوريا دون غيرهم. ويؤكد الواقع الراهن بسفارات فلسطين في عدد من الدول العربية خلاف ذلك، حيث تم تعميم قرار الحظر على كل فلسطينيي الشتات، وليس حاملي الوثائق السورية فقط كما تدعي السعودية؛ مما أثار مشاعر الغضب لدى الكثير من الفلسطينيين المتواجدين خارج الأراضي المحتلة، لا سيما وأن هذا القرار يقضي بمنعهم من ممارسة إحدى الشعائر الدينية المتمثلة في أداء مناسك الحج أو العمرة، خاصة وأن بعضهم تقدم به العمر، لكنه اصطدم بقرار الحظر السعودي. وبدلاً من أن تستثمر الرياض موسم الحج لتحقيق هدفه الحقيقي في توحيد صفوف المسلمين، استغلت سلطانها وهيمنتها على تنظيم أداء الفريضة لخدمة أدوار سياسية وتصفية خلافات إقليمية.
وفيما يتعلق بالليبيين، فقد رفضت المملكة السعودية استقبال الحجاج الليبيين ما لم يكونوا متحصلين على جواز السفر الإلكتروني. وهذا الأمر أكدته وزارة الأوقاف الليبية مرارا. وقالت الوزارة إنها خاطبت وزارة الحج السعودية وطلبت منها إعفاء الحجاج الليبيين من هذا الشرط، إلا أنها ردت بالرفض، معللة ذلك بأن القرار مطبق على كل الحجاج، وأشارت تقارير إعلامية إلى أن السلطات السعودية اعتقلت معتمرين ليبيين وسلمتهم إلى قوات حفتر، ويقبعون في سجن قرنادة، كما طالبت حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج من الخارجية السعودية الكشف عن مصير ثلاثة ليبيين موقوفين في السجون السعودية منذ يونيو العام قبل الماضي بعد اعتقالهم عقب أدائهم العمرة.
في كل عام تقريبا يحدث جدل بين الرياض وطهران على قضية الحج، حيث تواصل منع الحاج والمعتمرين الايرانيين من دخول اراضيها وأحياناً تفرض قيوداً صارمة عليهم.. بل ويتعرض الحجاج الايرانيون لمضايقات تصل الى درجة استهدافهم وقتلهم كحادثة كبري رمي الجمرات التي كان اغلب ضحاياها من الحجاج الايرانيين.
تجميد
وانعكس قرار تجميد أنشطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، وقصر أعمالها على المكاتب الإدارية ومنعها من التحرك في الشوارع، بشكل واضح على أعمالها في موسم الحج.
ولم يستطع أعضاء الهيئة، ومعاونوهم من المتطوعين التجول في الأماكن المقدسة في الحرم المكي أو الحرم النبوي، وبقية المناطق المحيطة، واكتفوا بالبقاء في المكاتب المؤقتة التي بنيت لهم، فوزعوا المطويات الدعوية والدينية، بالإضافة إلى مساعدة الجهات المنظمة على تسيير الحجاج وتنظيمهم.
وحسب المدير العام للشؤون القانونية بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عضو اللجنة العليا لمشاركة الرئاسة في الحج “خالد بن عبدالعزيز الدخيل”، فإنّ الهيئة تعتزم “إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتحقيق عظمة وحرمة المكان والزمان، من خلال برامج توعوية وتوجيهية تقدم لحجاج بيت الله الحرام وفق الهدي النبوي، إلى جانب توعية الحجاج بالعقيدة الصحيحة والتحذير من البدع والمنكرات الزمانية والمكانية”.
لكن “الدخيل”، لم يبيّن ما إذا كانت هيئته ستعود إلى العمل الميداني في ملاحقة النساء للتأكد من لباسهن، أو منع بعض الفرق الصوفية التي تتبرك بالقبور والآثار، ومنع الشيعة من زيارة مقبرة البقيع (في المدينة المنورة، تضم العديد من أضرحة أمهات المؤمنين وآل بيت النبي عليهم السلام).
وحسب مراقبين، فإن أيام نزول رجال الهيئة إلى شوارع مكة خلال موسم الحج، قد ولّت وانتهت، فبات دورهم الآن مقصورا على التوعية فقط، ومراقبة أيّ خلل وإبلاغ الشرطة أو مكتب إمارة مكة التي ستتخذ إجراءات قانونية تجاه المخالف.
وسبق أن ضايقت تدخلات الهيئة في السابق كثيرا من وفود الحجاج والمعتمرين، خصوصا الشيعة ممن يحاولون التبرّك بقبر النبي في المسجد النبوي، وبقبور بعض الأئمة في مقبرة البقيع.