آلاف المقاتلين من مختلف المحافظات يقاتلون ثم يموتون في الأطراف لحماية الحدود السعودية
عن رحلة الموت والاستعباد في أسواق الرق السعودية
الثورة
في يوم واحد فقط، استقبلت المحافظات الجنوبية جثث 10 شبان. كان هؤلاء، الذين ينتمون إلى محافظتي شبوة و الضالع، حتى وقت قريب يطمحون بمستقبل أفضل، في ظل دولتهم التي وعدهم التحالف باستعادتها، لكن لم يحالفهم الحظ في رؤية المستقبل المعتم وقد حولتهم السعودية إلى بيادق للدفاع عن أراضيها، وأعادت ما تبقى منهم في توابيت.
كان هؤلاء الشبان يرفضون دخول أبناء المحافظات الشمالية إلى مناطقهم، لكن في الحدود جُمعُوا معاً .. أبناء تعز وإب، وبعض المدن في المحافظات الشمالية، جنباً إلى جنب مع أبناء عدن والضالع ولحج وأبين .. الشبان الموالون للإمارات والمجندون التابعون للفار هادي، الذي ادعى التحالف القتال في سبيل استعادة مزعوم «شرعيته»؛ كانوا يتقاتلون في عدن والضالع وشبوة، ولاحقا يلتقون في جيزان ونجران وعسير. لا هدف لكل هؤلاء سوى تقاضي رواتب ليست كبيرة مقارنة بالتضحية التي يقدمونها، فهي في الغالب لا تتجاوز الـ180 دولاراً أو الـ1500 ريال سعودي. هم يعرفون بأنهم لا يدافعون عن مكة، كما تحاول السعودية إيهام العالم بذلك، لكن لم يُبقِ لهم التحالف، الذي شن الحرب في 2015 ويواصل فرض الحصار على بلادهم، سبيلاً سوى الموت جوعاً برفقة أسرهم، أو افتداء أسرهم بأرواحهم دفاعاً عن أرض لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
يتحدث تحالف العدوان، بعد 5 سنوات حرب، عن تجهيزه لأكثر من 90 ألف مجند، وتلك المحصلة خاصة بالإمارات التي بررت انسحابها بوجودهم، ولا إحصائية فيما يخص التجنيد من جانب السعودية ، وأكثر التقارير الدولية الخاصة بخبراء مجلس الأمن قدرت المجندين في صفوفها بأكثر من 135 ألف شخص، بعضهم يعمل بصورة غير نظامية، وآخرون يضمون إلى ألوية وهمية تقاتل على الحدود، ويقدر تعدادها بتسعة ألوية، تنتشر في جيزان ونجران وعسير.
لم يعد تحالف العدوان في حالته المفككة الآن وهو يبحث عن سلام وفق شروطه للخروج من اليمن، يراهن على قوات هادي أو الانتقالي، وأكثر الحالات يستخدم هذه القوات لتصفية حسابات إقليمية أو لتمرير أجندة عبر صراع الوكلاء ، لكنه جمد هذه القوات وأبقاها كمخزون بشري ، تساق إلى الموت في جبهات الدفاع عن السعودية، مثلهم كمثل الشباب الفقراء الذين يقتادون ويجندون من المدن والأرياف مع فارق أن هؤلاء لديهم أرقام عسكرية بدون رواتب ، وأولئك الشبان قليلو الحيلة بدون أرقام رغم الرواتب.
تتعدد الروايات حول كيف تحول اليمن إلى سوق كبير للرق الحديث ، فالسعودية، وإلى جانب إشعال الصراع بين قواه ومكوناته الاجتماعية والسياسية والدينية، تحاول إبقاء دائرة الصراع يمنية حتى على حدودها، خشية أن يصبح هذا البلد أقوى سياسياً ومستقلاً اقتصادياً واجتماعياً. فهي الآن تجند من لم ينخرط في القتال بصورة أو بأخرى، وإلى جانب عشرات الآلاف من القتلى والجرحى؛ تحاول إثخان اليمن بالمزيد من الوجع، وإيصال القتل إلى كل بيت، وقد أوفدت مندوبين إلى كل قرية ومديرية ومدينة، في تعز وعدن والضالع وأبين ولحج وشبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى، والهدف استقطاب المزيد من الأطفال والشباب الفقراء إلى محارق الموت .. تخصص السعودية لكل مندوب محلي ألف ريال سعودي على كل مجند يتم استقدامه إلى معسكرات في الوديعة، ومن ثم إلحاقه بصفوف القتال في الحدود السعودية .. تحدث الكثير من الناجين من محارق الموت عن مآسيهم.. استقطبوا عبر وكلاء للقوات السعودية وضموا إلى ألوية وهمية، ومنحوا أيضاً رتباً في معسكرات لا تعرف عنها حكومة هادي شيئاً، وباعتراف قيادات فيها ابرزهم محور تعز، الذي وجه قائده السابق تحذيراً للأهالي من مغبة التجنيد خارج ما يسميها مؤسسات الدولة، ليصحوا في اليوم التالي على قرار تغييره من منصبه.
العديد من الشخصيات العسكرية، وعلى رأسهم قائد اللواء 35 مدرع، والمتحدث باسم المحور عبدالعزيز المجيدي، تحدثوا عن عمليات التجنيد هذه، لكن أياً منهم لم يفعل شيئاً، خشية إغضاب السعودية.
يقول العديد من الناجين في تصريحات لوسائل إعلام إنه بعدما يتم إشراكهم بالقتال بدون تدريب أحياناً يتم نقلهم من جبهة إلى أخرى، وإذا حاول أحدهم العودة فمصيره إما القتل رميا بالرصاص من الخلف أو الترحيل وإجبارهم على البصمة، وكأنهم كانوا مجرد متسللين. لا تعرف الأسر مصير ابنائها سواء الذين جندهم سماسرة، أو الذين اختفوا والتحقوا بدون علمها .. الكثيرون قتلوا ودفنوا بصورة جماعية على الحدود، أو نقلت جثامينهم إلى مارب ودفنت هناك.. تقدر تقارير إعلامية إجمالي من قتلوا في الحدود ومن تعز فقط بأكثر من 1256 شخصاً منذ عام 2015 حتى عام 2018. هذه الإحصائية هي لمن تم الكشف عنهم، بينما ثمة توقعات بوصول الضحايا إلى أضعاف هذه الإحصائية المعلن عنها.
لا حاجة للسعودية للمقاتلين، إذا ما جُمعت أعداد المرتزقة الذين استعانت بهم من مختلف انحاء العالم والدول التي تشارك في حلفها، لكن المؤشرات تؤكد أن الرياض عازمة على إنزال أكبر ضرر ممكن في أوساط اليمنيين، المجتمع الذي لطالما أرادته حديقتها الخلفية، تنشر فيه كل قذاراتها، وإبقاء نظامه ضعيفاً بيد لجنتها أو سفيرها، الذي يتحرك ويتخذ قرارات بحق الشعب اليمني أكثر من هادي نفسه.