المناضل الرباعي في أربعينيته

 

عبدالفتاح علي البنوس
في الساعة الثانية قبل فجر السبت الموافق 8 يونيو 2019م غيَّب الموت شخصية سياسية وطنية فذة ، لطالما عُرف صاحبها بصراحته وجرأته وعدم سكوته على الظلم والباطل ، شخصية جمعت بين القضاء والعلم والفكر والسياسة ، لم يداهن أو يجامل في مواقفه قط ، فكان صاحب مواقف ثابتة راسخة لم تتغير ولم تتلون ولم تتحول ولم تتبدل ، غير مبال بردود أفعال السلطة الحاكمة، فكانت كلمته كما يقال في الأمثال الشعبية اليمنية (قاروح بندق) ينطق بها ويعبِّر عنها بكل شجاعة وقناعة ، ويكاد يكون من السياسيين القلائل الذين أكثروا من المجاهرة بقول “لا” في وجه السياسات والقرارات الخاطئة والمواقف غير السوية التي تتخذ من قبل السلطة الحاكمة ..
قال لا للحرب على الجنوب في صيف 1994م، وقال لا للحروب الست على صعدة ، وقال لا لسياسة الإقصاء والإلغاء والضم والإلحاق التي انتهجتها السلطة الحاكمة ، وكان موقفه تجاه العدوان على وطنه وشعبه أكثر وضوحا وقوة ، حيث أعلن معارضته الشديدة له ، ورفض الإغراءات التي قدمت له للمشاركة فيما سمي بمؤتمر الرياض الذي ضم الخونة المرتزقة العملاء .. إنه السياسي الحصيف الأستاذ الراحل محمد عبدالرحمن الرباعي أمين عام اتحاد القوى الشعبية الذي نحيي اليوم ذكرى أربعينيته وفاء وتخليدا لشخصية وطنية فذة ، لطالما سجلت حضورها اللافت في مختلف المحطات والمنعطفات التي شهدتها الساحة المحلية منذ خمسينيات القرن الماضي حتى وافاه الأجل المحتوم .. تاريخه الحافل بالعطاء ، ومآثره الخالدة في ميادين السياسة والفكر والأدب والثقافة تحكي عن قائد محنك ، أجمع الأعداء قبل الأصدقاء على رجاحة عقله ، ونظرته الثاقبة للأمور ، ورؤيته الحكيمة وتشخيصه الدقيق للأحداث ..
كان -رحمه الله- وطنيا حتى النخاع ، حتى وهو على فراش المرض ظل يتابع المستجدات في الساحة المحلية، وكانت لديه قناعة راسخة ( أن جميع القوى السياسية اليمنية لديها نوايا طيبة وحسنة لهذا البلد ولهذا الشعب، وأنه يمكن للجميع لو تقاربوا أن يخرجوا البلد من هذه المحنة الخانقة المهم أن يجتمعوا ) وكان يتمنى أن تتحسن صحته ليسهم في خلق تقارب يمني – يمني بين مختلف القوى السياسية يفضي إلى حل سياسي للأزمة اليمنية بمنآى عن التدخلات والمؤثرات الخارجية التي كان يرى فيها الخطر الحقيقي الذي يتهدد مشروع بناء الدولة ، ويقف حجر عثرة أمام التحول الديمقراطي الحقيقي الذي تتجسد فيه كل مقومات الممارسة والنهج الديمقراطي الذي ينعكس أثره الإيجابي على واقع الوطن ومعيشة الشعب ، وسيسجل التاريخ السياسي اليمني الدور البارز الذي لعبه المناضل الرباعي في صقل تجربة اتحاد القوى الشعبية والمضي بها نحو منافسة الأحزاب الكبيرة ، حيث مثلت صحيفة “الشورى” لسان حال الحزب جبهة إعلامية قوية في مناهضة الفساد ومقارعة الظلم ، وكانت وسيلة الإعلام اليمنية الأولى التي تجاوزت الخطوط الحمراء حسب توصيف السلطة بتناولها ملف التوريث المثير للجدل الذي شكل ضربة موجعة للسلطة والذي على إثره تعرض الحزب والصحيفة للاستنساخ والمضايقة والتوقيف .
بالمختصر المفيد: في ذكرى أربعينية المناضل محمد الرباعي يتجلى بوضوح حجم الفراغ الذي أحدثه رحيله عن المشهد اليمني ، انطلاقا من المكانة التي كان يحتلها ، والدور الريادي الذي كان يلعبه ، والرؤية الوطنية التي كان يمتلكها والتي سعى لترجمتها على أرض الواقع في حياته ومسيرته السياسية الحافلة والزاخرة بالعطاء ، باعتباره موسوعة سياسية يمنية فريدة من نوعها ، مثل رحيلها خسارة كبيرة على اليمن واليمنيين .
رحم الله الأستاذ الرباعي ، وطيَّب الله ثراه ، وجعل الجنة سكناه .
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله .

قد يعجبك ايضا