دستور الجمهورية اليمنية يبطل أي اجتماع للبرلمان خارج العاصمة صنعاء
اجتماع سيئون.. تناقض سياسي وإسقاط لعضوية النواب
> المادتان (64) من الدستور و(195) من لائحة البرلمان تسقطان عضوية نواب الاجتماع
> دخول النواب إلى سيئون على ظهور الدبابات السعودية يعد خيانة عظمى للوطن وانتهاكاً للسيادة
الثورة /عبدالقادر عثمان
أربع سنوات من الحرب العدوانية على اليمن مرّت بصعوبة مخلفة آثارها التي لا تزال تتعاظم يوماً بعد آخر حاصدة أرواح مزيد من الأبرياء في تنكّر واضح لقيم الدين والإنسانية وبما يمثل انتهاكاً صارخاً لكل القوانين الدولية. تلك الحرب الانتقامية التي لم يكن لها أي مبرر وجد قادتها شماعة الرئيس المنتهية ولايته ليعلقوا عليها أسباب عدوانهم قبل أن تلتف حول أرجلهم زُمَرٌ ممن باعوا أنفسهم رخيصة في سبيل المال وتحقيق المكاسب الشخصية على حساب الوطن والشعب.
من بين أولئك أشخاص كانوا إلى سنوات قليلة مضت (قبل العدوان على اليمن) يمثلون الشعب في السلطة التشريعية أو بتعبير أدق يمثلون أنفسهم على حساب الشعب الذي أعطاهم ثقته وحمّلهم أمانته لكنهم لم يكونوا عند مستوى المسؤولية كما أثبتت الأيام الصعبة والظروف الحرجة التي عاناها اليمنيون منذ إعلان تحالف العدوان حربه على بلادهم، والتي ترافق معها سقوط أقنعة الكثيرين واتضاح حقائقهم المغيّبة عن عامة الناس بعد التحاقهم وقتالهم في صف العدو وتبرير كل جرائمه.
تهاوي المرتزقة
في البداية بادر الأعضاء المحسوبون على حزب الإصلاح إلى الالتحاق بصف الدوان قبل أن يلتحق به ركب من المؤتمريين الموالين لـ “علي عبدالله صالح عفاش” الذي أشعل فتنة الثاني من ديسمبر من العام 2017م والتي انتهت بمقتله، ليشكل ذلك حجة واهية لبعض أتباعه للالتحاق بمن سبقهم. وهنا يتجلى التناقض على الصعيد الأيديولوجي والسياسي لأعضاء البرلمان الموالين لدول العدوان من خلال سلكهم مسارات تخدم العدو وتؤثر على السيادة والاستقلال الوطنيين وتضر بصورة مباشرة بالشعب وهي اتجاهات بعيدة كل البعد عن المسؤولية الملقاة على عاتقهم والمتمثلة في “الدفاع عن النظام الجمهوري ورعاية مصالح الشعب وحماية السيادة الوطنية”.
دعوة من الفندق
في أبريل المنصرم دعا الرئيس المنتهية ولايته – الذي يقبع تحت الإقامة الجبرية في الرياض- كما أكد ذلك مسؤولون في حكومة المنفى – إلى انعقاد ما عرف بـ “اجتماع سيئون” ليكون برلماناً يمثل شرعيته الباطلة بعد تعيين سلطان البركاني رئيسا توافقيا بتوجيهات الديوان الملكي السعودي والإمارات وبطلب من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة (بريطانيا).
هذه الدعوة جاءت لمحاولة شرعنة العدوان وإعطائه صفة “الشرعية” كما علّق المحلل السياسي المحسوب على الإصلاح والمقيم في تركيا ياسين التميمي على بيان الاجتماع الذي نصّ على أن السعودية والإمارات ستواصلان مشوارهما في اليمن بتأييد من أعضاء الاجتماع وإشادتهم وتثمينهم للجهود ودعوتهم للتمسك بذلك، وهم الذين أرادوا تمثيل الشعب من خلاله، بصفتهم أعضاء في البرلمان حسب زعمهم، وهي وسيلة لجأ إليها المعتدون لاستبدال شماعة أخرى غير الفار هادي الذي باتت دول العدوان تخشى هلاكه في أي وقت، وهي شماعة باطلة كسابقتها لكن بطلانها من جوازها لا يشكل أي أهمية لدول العدوان التي تدرك أنها ارتكبت جرما غير مسبوق في اليمن ومع ذلك تصر على استمراريته تحت أي مبرر.
كشف الحقيقة
اجتماع سيئون الذي تصاعدت فيه وتيرة الخلافات بين الحاضرين نتيجة تباين أهدافهم وأطماعهم، وروجت له وسائل إعلام العدوان على أنه أول خطوات إعادة ما أسموها بـ “شرعية” الفار هادي، لم يكن لينعقد إلا لتحقيق أطماع السعودية والإمارات في حضرموت على وجه الخصوص وفي اليمن ككل، وهو ما كشفه الحشد الأمني والعسكري الذي دفعت به الرياض إلى سيئون قبل انعقاد الجلسة بيومين تحت مبرر تأمين المدينة من حدوث أي اختلال أمني، حيث بقيت القوات الأجنبية في المحافظة، التي رفضتهم وقاتلتهم، حتى بعد رحيل الأعضاء وإلى اليوم.
ذلك الحشد العسكري جاء متزامناً مع تصاعد وتيرة الخلافات السعودية الإماراتية والتي وصلت حد الاقتتال في كل من شبوة وحضرموت والمهرة وعدن من أجل السيطرة وتقاسم المحافظات وثرواتها أمام مرأى ومسمع من العالم، وفي ظل تبرير المرتزقة لتلك التحركات وتأييدهم لها ومحاولتهم شرعنة الحرب العدوانية التي “قتلت بصورة مباشرة وغير مباشرة نحو 250 ألف يمني” كما أكدت منظمة الصحة العالمية في ابريل الماضي.
تجاهل متعمد
على الرغم من إدراك أعضاء اجتماع سيئون الذي أدانه مجلس النواب في صنعاء خطأهم المتمثل في جلب مزيد من القوات الأجنبية إلى أراضي الوطن إلا أنهم لا يلقون بالاً للمسؤولية المناطة بهم أخذها بعين الاعتبار كما لا يلتفتون إلى أي مصلحة من مصالح الشعب الذي قدم عشرات الآلاف من أبنائه من أجل السيادة والاستقلال وحماية الأرض، وهو موقف تفضحه الأموال المخصصة لكل نائب حضر البرلمان والمقدرة بمليون ريال سعودي عن كل جلسة.
العدوان ومرتزقته شركاء
مركز عين الإنسانية للحقوق والتنمية في صنعاء (منظمة مجتمع مدنية مستقلة) قال في يناير الماضي إن “ضحايا الحرب على اليمن يقدّر عددهم بنحو 40564 شهيداً وجريحاً نتيجة القصف الجوي لطيران التحالف على المدن اليمنية والمجازر وعمليات القتل الممنهج التي يرتكبها بشكل يومي منذ أربع سنوات بينهم 7500 طفل و4752 امرأة”، مردفاً :”هناك 365 مستشفى ومرفقاً صحياً دمرت بشكل كلي أو جزئي نتيجة قصف طيران العدوان السعودي، بينما تعرضت 984 مدرسة للتدمير بشكل مماثل ، كما امتد الاستهداف ليشمل منشآت تجارية ومنها 365 مصنعاً و642 سوقاً شعبياً”، علاوة على تدمير البنية التحتية والصحية والخدمية وشتى جوانب الحياة.
ليسوا على خلق
واتجهت دول العدوان منذ لحظة القصف الأولى إلى تحقيق الأطماع الاحتلالية وهذا خطر تعلق بالدولة والنظام والسيادة والاستقلال الوطني وذلك يمثّل أساساً دستورياً وقانونياً لسقوط عضوية أعضاء مجلس النواب الذين حضروا اجتماع سيئون على أساس فقدان أحد شروط العضوية المتمثل بفقدان العضو شرط استقامة الخلق والسلوك، وفقاً لما نص عليه الدستور في المادة (64)، الفقرة (2د) “أن يقسم كل عضو في مجلس النواب بالله العظيم أن يكون متمسكاً بكتاب الله وسنة رسوله، وأن يحافظ مخلصاً على النظام الجمهوري، وأن يحترم الدستور والقانون، وأن يرعى مصالح الشعب وحرياته رعاية كاملة، وأن يحافظ على وحدة الوطن واستقلاله وسلامة أراضيه، ثم يفجر في يمنيه ويسلك سلوكاً مخالفاً تماماً لما التزم به في قسمه يعد جَرحاً جسيماً يمس باستقامة خلقه وسلوكه” وكما يتمثل ذلك الأساس القانوني للسقوط في نص المادة (195) من لائحة مجلس النواب الداخلية.
إسقاط عضوية
“سقوط عضوية من حضروا اجتماع سيئون تأتي من كونهم انحدروا جانب دول العدوان، وعملوا على تبرير جرائمها وتسويغ عدوانها واحتلالها لمناطق شتى داخل الجمهورية اليمنية، وهذا وفق القانون “مجافاة للصواب وخروج عن نهج السلوك المستقيم والخلق القَويم” لأي شخص أو مواطن عادي فضلاً عن أن يكون عضواً في مجلس النواب يفترض به تمثيل الشعب ورعاية مصالحه، لا الاصطفاف إلى جانب من يقتل الشعب اليمني ويمعن في إيلامه وتدمير بلده” بحسب ما ذكرته ورقة الباحث القانوني عبدالوهاب الوشلي المعنونة بـ ” اجتماع سيئون.. سقوط عضوية أعضاء مجلس النواب الخونة” التي قدمها في الندوة التي عقدت بصنعاء قبل أيام تحت شعار “اجتماع سيئون.. سقوط عضوية لا تمثيل لشرعية”.
وتضيف الورقة: “إن “تنكّر عضو مجلس النواب للسلوك الصحيح اللازم لما ينسجم مع شرف وكرامة عضويته باعتباره يمثل الشعب كل الشعب، فإن ذلك يعد انحرافاً ظاهراً لا لبس فيه عن السلوك المستقيم الذي ينبغي أن يلتزم به عضو مجلس النواب ويعمل على تجسيده، احتراماً لعضويته وتجسيداً لإرادة الشعب كل الشعب، وليس لمصالحه الشخصية وأطماع ومصالح العدوان على حساب تدمير اليمن وقتل الشعب ودماء وأشلاء الأبرياء”.
واعتبر الباحث ما ارتكبه أعضاء اجتماع سيئون خيانة لعضويتهم وتمثيلهم للشعب كل الشعب وتنكرا لمجلسهم القائم في صنعاء، وهو ما أكد عليه المجلس في صنعاء في بيانه الصادر في الـ 13 أبريل الماضي والذي نص على أن “التواجد العسكري لقوات العدوان يعتبر مخالفة دستورية تستوجب مساءلة من وجه الدعوة ونظم وحضر وأدعى تمثيله للشعب باسم مجلس النواب”.
بحسب لائحة البرلمان
وبالعودة إلى اللائحة الداخلية لمجلس النواب فإن المادة (195) منها تنص على أنه “إذا فقد العضو أحد شروط العضوية المنصوص عليها في الدستور (كما هو أعلاه) أو أخل إخلالاً جسيماً بواجبات العضوية سقطت عضويته”، بينما نصت المادة (194) من اللائحة على أنه “يعتبر إخلالاً جسيماً بواجبات العضوية ارتكاب العضو لأحد الأفعال التالية: خرق الدستور، القيام بأي عمل يعد طبقاً للقانون خيانة عظمى أو مساساً باستقلال وسيادة البلاد، ارتكاب أي فعل من الأفعال التي تعد جريمة جسيمة بموجب القانون”.
ومن خلال أعمال أعضاء الاجتماع فإن تأييدهم للعدوان على اليمن واتجاههم للقتال في صفه وتبريرهم لجرائمه ووقوفهم معه في احتلال أراضي الوطن ودخولهم سيئون على متن الدبابات الأجنبية وبقاء القوات في المحافظة بعد رحيل الأعضاء يعد خيانة عظمى إلى جانب كونه يفقدهم شروط الاستقامة.
قانونية الاجتماع
وبالنظر إلى قانونية الاجتماع فإن دستور الجمهورية تثبت بطلانه بشكل لا يحتمل أي نقاش، إذ تنص المادة (66) منه على أن “مقر مجلس النواب العاصمة صنعاء” وبالتالي فإن مجلس النواب الشرعي يؤكد على أن “أي اجتماع خارج العاصمة صنعاء باطلاً ولا يوجد له أي مبرر دستوري أو قانوني، ولا يجوز التعامل معه أو مع أي من مخرجاته خاصة، وأن العاصمة صنعاء أكثر المدن اليمنية أمناً واستقراراً” كما تضمنته رسالة المجلس إلى البرلمان الأوروبي مطلع مايو المنصرم.
أما اختيار سيئون فقد كانت اضطراريا من قبل السعودية التي فشلت في عقد الاجتماع في عدن المحتلة من قبل الإمارات خاصة مع الخلاف الكبير بين دولتي العدوان بشأن السيطرة والنفوذ الاحتلاليين، كما كشفت ذلك التحركات العسكرية الأخيرة.
لماذا الإصرار؟
وتشير التحليلات إلى أن إصرار السعودية على عقد الاجتماع بعد أربع سنوات من الحرب على اليمن من قبل التحالف تمهيد لإنهاء قرار هادي قبل موته فهي ترى في عناصر البركاني وبقية المرتزقة بيئة خصبة لتنفيذ أجندتها ولذا تحاول أن تمنحهم صفة دستورية (رغم بطلانها) لاستكمال مشروعها، بالإضافة إلى أن صحة هادي المتقلبة باتت غير مطمئنة.
ومهما حاول التحالف البحث عن حيل لتبرير حربه على اليمن أو أطراف تنفذ أجنداته إلا أن اليمنيين باتوا اليوم أكثر معرفة بنواياه الخبيثة تجاههم ووطنهم، وهم أبعد ما يكونون إلى تصديق لعبة الشرعية، وإلى إعطاء ثقتهم لنواب خارج عن نطاق الخدمة.