هل تمتلك إيران الحق بإغلاق مضيق هرمز؟! دراسة تحليلية في ضوء القانون الدولي

محمد يوسف
في الآونة الأخيرة ارتفعت حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية على عدة أصعدة، قد يكون أهمها مضيق هرمز وحرية الملاحة الدولية للسفن التجارية وناقلات النفط فيه التي ، وكثر الحديث عن احتمالية نشوب حرب بين الطرفين قد تكون عواقبها مدمرة ليس فقط على منطقة الشرق الأوسط و حسب بل على العالم بأسره، لا تكاد صحيفة أو نشرة أخبار تخلو اليوم من الحديث عن مضيق هرمز والأجواء المتوترة السائدة هناك خصوصاً بعد إسقاط الطائرة الأمريكية من دون طيار من طراز غلوباك هوك من قبل قوات الدفاع الجوي التابعة للحرس الثوري الإيراني والتي صرحت بأن الطائرة الامريكية قد اخترقت الأجواء والسيادة الإيرانية ولم تكن في المياه الدولية حين قامت قواتها باسقاطها بصاروخ متوسط المدى من نوع خرداد 3 ، الأمر الذي نفته أمريكا وشددت على أن طائرتها كانت في المياه الدولية وقيام إيران باسقاطها هو اعتداء يجب أن تدفع إيران ثمنه.
لن أتطرق في هذه الدراسة التحليلية إلى قانونية إسقاط الطائرة الأمريكية من عدمه بل الموضوع الرئيسي الذي أنا بصدد الحديث عنه هنا هو نظام العبور في مضيق هرمز من وجهة نظر القانون الدولي، وهل إيران تمتلك الصلاحيات القانونية وفق المقررات والمعاهدات الدولية لإغلاقه ؟
بداية، دعوني أقدم شرحا بسيطاً عن مضيق هرمز وأهميته الدولية ، يعتبر مضيق هرمز أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن. يقع في منطقة الخليج، فاصلاً ما بين مياه الخليج من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، فهو المنفذ البحري الوحيد للعراق والكويت والبحرين وقطر. تطل عليه من الشمال إيران (محافظة بندر عباس) ومن الجنوب سلطنة عمان (محافظة مسندم) .
ما يقرب من 20 ٪ من إجمالي صادرات العالم من النفط تمر عبر مضيق هرمز. تشير التقديرات إلى أن سفينة تجارية واحدة تعبر هذا الممر المائي الدولي كل 10 دقائق. بالإضافة إلى النفط الإيراني وجزر سليمان العمانية ، فإن نفط ست دول خليجية أخرى ، وهي المملكة العربية السعودية والعراق والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين يمر عبر هذا الممر المائي الدولي إلى الدول الأوروبية وكذلك بعض الدول الآسيوية الكبرى ، مثل الصين ،الهند ،اليابان ،كوريا الجنوبية و ….)
أنظمة عبور السفن من مضيق هرمز حسب القانون الدولي
يعتبر المضيق في نظر القانون الدولي جزءاً من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها. في الواقع النظام القانوني لمضيق هرمز مشتق من اتفاقيتين مهمتين في القانون الدولي ، اتفاقية جنيف لعام 1958م وقانون البحار لعام 1982م. وفقا لهاتين الوثيقتين الدوليتين ، يتم تعريف النظام القانوني لمضيق هرمز على أساس مبدأ “العبور الآمن للسفن” و ” عبور الترانزيت”
إذاً، هناك نوعان رئيسيان من العبور من المضائق البحرية الدولية هما العبور الآمن ( بلاضرر) ” اتفاقية جنيف 1958م “و عبور الترانزيت “اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982م”.
العبور الآمن “بلا ضرر” ( اتفاقية جنيف لعام 1958) Innocent passage والذي يطبق في المضائق التي تصل البحر الإقليمي لدولة أجنبية بالبحر العالي أو المنطقة الاقتصادية الخالصة، شريطة عدم الدخول في المياه الداخلية. ويكون المرور بريئا إذا كان لا يضر بسلامة الدولة الساحلية وأمنها، بينما تلتزم الدولة الساحلية بعدم فرض أي شروط من شأنها حرمان السفن الأجنبية من حق المرور البريء أو تعطيل هذا الحق بأي شكل من الأشكال.
عبور الترانزيت (اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق البحار) Transit passage
وهو يخص المضائق التي تصل بين بحرين عاليين أو منطقتين اقتصاديتين خالصتين، ويعني حرية الملاحة من أجل غرض واحد وهو العبور المتواصل السريع عبر المضيق، ويطبق هذا النوع من المرور في حالة أن يكون المضيق هو الممر الوحيد، بينما إذا كان المضيق ممراً اختياريا فإنه يكون مروراً بريئاً ، وأهمّ ما في هذه الاتفاقية هي المادة 38 منها وهي كالآتي: «تتمتع جميع السفن العابرة للمضائق الدولية، بما فيها مضيق هرمز، بحق المرور دون أي عراقيل، سواء كانت هذه السفن أو الناقلات تجارية أو عسكرية».
الإدعاء الإيراني
تحتج إيران بأن النظام السائد للعبور في مضيق هرمز هو نظام العبور البريء وفقاً لاتفاقية جنيف لعام 1958 م التي تعتبر طرفاً فيها، وتدعي بأنها جزء من القانون الدولي العرفي ووفقاً لهذا النظام فإن كل السفن تمتلك حق العبور من المضيق بشرط أن لا تسبب ضرراً لإيران ، لذلك تستطيع إيران وحسب وجهة نظرها أن توقف أي سفينة من عبور المضيق إذا اعتقدت أنها قد تلحق بها ضرراً.
لقد فرضت جمهورية إيران الإسلامية سلوكها القانوني باستمرار من خلال تطبيق نظام عبور “المرور البريء” في مضيق هرمز . ومثال اعتراض الدخول غير المصرح به لسفينة تجارية أمريكية في عام 2015م، والاصطدام مع قارب للقوات البحرية الأمريكية في ذات العام ، واعتقالهم ، واعتقال خمسة بحارة بريطانيين دخلوا مياه الخليج بشكل غير قانوني في عام 2009م.
تدعي إيران أيضاُ بأنها وقعت على اتفافية حقوق البحار لعام 1982م والتي تبنت نظام عبور الترانزيت ( أي العبور السريع بدون توقف) ، ولكنها في نفس الوقت لم تصدق عليها أي أنها غير ملزمة بتطبيقها وحتى أن الولايات المتحدة الأمريكية لم توقع عليها وليست طرفا فيها لذلك لا يمكن تطبيق هذا النظام من العبور على مضيق هرمز ولا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تحتج على إيران لعدم تطبيقه.
تضيف إيران: إن اتفاقية حقوق البحار لعام 1982 لم تكتسب الصفة العرفية التي تلزم حتى الدول التي لم توقع عليها بتنفيذ مضمونها ومقرراتها لكونها أصبحت قانوناُ عرفياُ، فلذلك وعلى جميع الأصعدة تتمسك إيران بشدة قاطعة عمليا ونظريا بتطبيقها لنظام العبور الآمن في مضيق هرمز.
الادعاء الأمريكي ووجهة النظر الدولية السائدة
تدعي أمريكا بأن نظام العبور في مضيق هرمز هو “عبور الترانزيت ” ويؤيدها في ذلك طيف واسع من الحقوقيين وخبراء القانون الدولي ، أي كما أسلفنا سابقاً أن لكل السفن البحرية سواء كانت تجارية أو عسكرية وحتى حركة الملاحة الجوية والطائرات حق العبور السريع وبدون توقف من مضيق هرمز ، تشدد الولايات المتحدة الأمريكية على أن اتفافية قانون البحار لعام 1982م قد اكتسبت الصفة العرفية وتعتبر جزءاً من القانون الدولي العرفي الذي يلزم جميع الدول بتطبيقه والانصياع لمقرراته حتى وإن لم تكن الدول طرفاً في تلك المعاهدات، وهذه هي وجهة النظر السائدة والتي تؤكد على اكتساب اتفاقية 1982 للصفة العرفية وأنه يجب على إيران أن تطبق نظام عبور الترانزيت في مضيق هرمز.
من وجهة نظري كـ حقوقي، إيران تدرك جيداً بأنها لا تستطيع إغلاق مضيق هرمز لوجود إجماع دولي على أن نظام العبور السائد هو نظام الترانزيت ” العبور السريع وبلا توقف” و يعتبر جزءا من القانون الدولي العرفي ، وقيام ايران بإغلاقه يهدد مصالح أمريكا و الدول الآسيوية الكبرى والخليجية وقد يحرك عليها دعاوى في محكمة العدل الدولية ربما تنتهي عواقبها بصدور قرار من مجلس الأمن تحت البند السابع يفوض الدول الأعضاء باستخدام القوة تحت بند حفظ الأمن و السلم الدوليين و منع انتهاك المقررات والعهود الدولية .
إيران باستمرارها بالادعاء بعدم عرفية قانون البحار لعام 1982م ووجوب تطبيق نظام العبور الآمن حسب اتفاقية جنيف 1958 تعمد إلى حفظ مواضعها القانونية ومن جهة والتي تؤكد تثبيت ممارستها القانونية لنظام العبور الآمن فيما إذا اثير هذا الموضوع أمام محكمة العدل الدولية على الرغم من أن احتمالية قبول محكمة العدل الدولية بهذا الادعاء ضعيفة جداُ. ومن جهة أخرى تريد أن تثبت للعالم والمتربصين بها بأن حضورها العسكري ممثلاً بقواتها البحرية والجوية في تلك المناطق قوي ومحكم جداً وأنها قادرة على الحاق الضرر بالدول المحيطة بها والتي ترعى مصالح أمريكا من وجهة نظر إيران إذا ارادت تلك الدول إعاقة حركة الملاحة البحرية الإيرانية هناك ومنعها من تصدير نفطها. فايران تقاتل على صعيدين قانونيا وعسكرياً، قانونيا تتمسك بمواقفها حتى وإن خالفت الاجماع الدولي وعسكرياً تثبت حضورها في مضيق هرمز وتحمي مصالحها وحركة سفنها التجارية وبل تدمر أي أهداف تعتبرها قد تمس بأمنها كحادثة إسقاط الطائرة الأمريكية بدون طيار غلوبال هوك.
*محام وباحث قانوني فلسطيني

قد يعجبك ايضا