حقيقة الصيام (2-2)

 

عبدالفتاح الكبسي

فليتسابق الصائمون ويتنافسوا بفعل الخير والابتعاد عن الشر وهو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: ” أتى شهر رمضان شهر بركة وخير يغشيكم الله فيه الرحمة ويحط فيه الخطايا ويستجاب فيه الدعاء، ينظر الله فيه إلى تنافسكم وتباهيكم فأروا الله من أنفسكم خيراً فإن الشقي كل الشقي من حرم فيه رحمة الله”.
فليكن هذا الشهر مضمار سباق كل في مجاله، فأهل الأموال والتجارة مضمارهم التجارة الرابحة مع الله في أداء ما أوجب الله عليهم في أموالهم من الزكاة وما ندبهم إليه من الإنفاق في سبيل الله، وأهل العلم مضمارهم بدعوتهم إلى الخير وتعليمهم الدين وإرشادهم للمعروف ونهيهم عن المنكر، وبذل النصيحة للرعاة والرعية، وأهل المسؤولية في الحكومة ووزاراتها مضمارهم خدمة الناس وصيانة وحماية المال العام، ومكافحة الفساد، والمحافظة على النظام، والحرص على إقامة العدل، وأهل الخير بكل أشكاله وبجميع أنواعه إلى بذل الجهد في فعل الخير.
كل ذلك إلى جانب البرنامج الرمضاني الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يغفل الصائم عن الأوراد وعن الدعاء والاستغفار والتسبيح، فقد ورد قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ بين الآيات المبينة لأحكام صيام شهر رمضان له دلالة خاصة في قيمة الدعاء وأهميته في هذه الشهر الكريم الذي يقبل العبد على ربه سبحانه بالعمل الصالح المتعلق بالبدن والمال وفعل الخير، كذلك يقبل عليه بالدعاء الذي يمثل الاتصال الروحي إن صح التعبير والقرب المعنوي من الله سبحانه وتعالى ليتزود الإنسان من خلال الدعاء بلطف الله وعنايته وهدايته وعونه، فالدعاء سلاح المؤمن، والدعاء مخ العبادة، وقد ورد عن رسول صلى الله عليه وآله وسلم بشأن الأوراد من التسبيح والتهليل والتحميد ما رواه مولانا أمير المؤمنين زيد بن علي عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: (من سبح الله تعالى في كل يوم مائة مرة، وحمده مائة مرة، وكبره مائة مرة، وهلله مائة مرة، وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم مائة مرة، دفع الله عنه من البلاء سبعين نوعاً أدناها القتل، وكتب له من الحسنات عدد ما سبح سبعين ضعفاً، ومحى عنه من السيئات سبعين ضعفاً)، وعلى الصائم بتلاوة القرآن الكريم وخصوصاً في هذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن قال الله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ وكان جبريل يدارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل ليلة من رمضان، يروى عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال: »قلت يا رسول الله أوصني؟ قال: أوصيك بتقوى الله فإنها رأس أمرك، قلت: يا رسول الله زدني؟ قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه لك نور في السماوات ونور في الأرض« وينبغي للذي لم يتعلم قراءة القرآن الكريم أن يتعلمه »فخيركم من تعلم القرآن وعلمه« كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى قارئ القرآن الكريم آداب يجب أن يتحلى بها وهو يتلو القرآن الكريم، فمنها: يرتل القرآن حق الترتيل، لقوله تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ وإعمال الفكر والنظر في كلام الله سبحانه لقوله تعالى: ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ وقال سبحانه: ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾ ، ويقول الرسول صلوات الله عليه وعلى آله: “من أخذ دينه عن التفكر في آلاء الله والتدبر لكتاب الله والتفهم لسنتي زالت الرواسي ولم يزل”.
فقراءة القرآن الكريم بتدبر وإمعان خير من القراءة بغير تدبر ولا تفكر فيه، هذا الإمام الأعظم زيد بن علي عليهم السلام حليف القرآن كان يردد الآية من القرآن الكريم حتى يغشي عليه، ولا يكن هم القارئ كثرة التلاوة من دون تأمل ولا يكن همه آخر السورة أو آخر الجزء أو آخر المصحف ولكن ليكن همه تدبر القرآن الكريم لتحصل له التقوى والذكرى قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ وللقارئ الاستعانة بكتب التفسير الموثوق بها وأن يسأل أهل الذكر العلماء التقاة العاملين.
وبمعية تلاة القرآن وتدبره والصيام تتظافر مؤهلات التقوى في الدنيا وموجبات الشفاعة في الآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : »إن الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصوم يا رب منعته الطعام والشهوات في النهار فشفعني فيه، ويقول القرآن يا رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان«، فإذا دخل عليك أيها الصائم شهر رمضان فأكثر من الحمد والشكر والذكر أن بلغك رمضان وأخلص لله النية واجعل عملك كله لا تبتغي فيه مراداً سوى الله سبحانه حتى يخلص من الرياء والسمعة، اغتنم هذا الشهر في صلة الأرحام بالبر والصلة وتعاهد جيرانك بالإفضال والعطية، صالح من خاصمت وخاصمك، أعف عمن ظلمك أو أساء إليك، واجعل كل أوقاتك كلها في طاعة ربك وابتغاء ما عنده من المغفرة والرحمة والرضوان، نسأل الله التوفيق والعون على طاعته.
اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون، والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، من الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون.

قد يعجبك ايضا