عمَّان/ وكالات
لا يزال الوضع الأردني الداخلي على حاله، لم تنجح إصلاحات الملك عبدالله الثاني، وحكومة الرزاز في الحدّ من المعاناة الاقتصاديّة، المحنة الاقتصادية تتزامن مع أخرى سياسيّة ترتبط بصفقة القرن والعلاقة مع الكيان الإسرائيلي من جهة، وبالأوضاع الأمنية والتغيرات التي طالت رئاسة الاستخبارات والقصر الملكي من جهة أخرى.
الهبّة الشعبية المرتقبة أثارت المخاوف الإسرائيلية من البلد الشرقي لفلسطين المحتلّة، فقد سلّط تقرير إسرائيلي استراتيجي، الضوء على العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في استقرار الأردن، مؤكداً أن هناك مصلحة إسرائيلية في الحفاظ على استقرار المملكة.
يوضّح التقرير الإسرائيلي الذي أعدّه السفير الإسرائيلي السابق في عمان عوديد عيران، والذي صدر عن “مركز بحوث الأمن القومي” التابع لجامعة “تل أبيب” العبرية، أنه “لم يسبق أن كانت مكانة الأسرة المالكة الهاشمية في الأردن موضع علامة استفهام منذ تأسيس المملكة”.
ونوه المركز في دراسته التي تأتي ضمن النشرة الاستراتيجية التي يصدرها تحت “نظرة عليا” يأنه “منذ تأسيس الأردن وهو يتصدّى لمشكلات اقتصادية وجودية، تنبع من انعدام المقدرات الطبيعية ومصادر الدخل المحلية، إضافة لاستضافته لموجات كبرى من المهاجرين بالنسبة لحجم سكانه”.
وقدّرت الدراسة، أنه “في حال سمحت حكومة “إسرائيل” الجديدة باتخاذ خطوات لضمّ أجزاء من الضفة لـ “إسرائيل”، سيقف الأردن على رأس المعسكر العربي الذي يدعو الأسرة الدولية لعدم الاعتراف بهذه الخطوات، وشجب الخطوة الإسرائيلية وربما فرض عقوبات عليها إذا لم تمتنع عن هذه الخطوة”.
تتلاقى هذه الدراسة مع ما كشفه الخبير الإسرائيلي يوني بن مناحيم في مقاله بموقع “المعهد المقدسي للشؤون العامة”، بأن “الانفجار قادم في الأردن، ولم يؤخره سوى قدوم شهر رمضان”، موضحاً أن حكومة الرزاز لم تنجح في التغلب على مشكلاتها الاقتصادية، وقد يضطر الملك للبحث عن واجهة جديدة كي يتوجّه الغصب الشعبي باتجاهها، وليس ضده.
وأشار الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان” إلى ما أسماها بالمؤامرة التي نتج عنها إطاحة الملك بعدد من المسؤولين الأمنيين وكبار المستشارين في الدائرة المحيطة به وإعادة ترتيب الأمور داخل القصر وجهاز المخابرات الأردنية، مؤكداً حجم هشاشة الوضع في الأردن عشية إعلان صفقة القرن، التي تهدد قبل أن تعلن استقرار المملكة الهاشمية.
بدا لافتاً في هذا التقرير، والعشرات من التقارير الإسرائيلية المماثلة حجم الخشية الإسرائيلية تجاه إمساك الشعب الأردني بزمام المبادرة لإدراكه المسبق موقف هذا الشعب الشريف من القضيّة الفلسطينية.
يدرك الكيان الإسرائيلي أن هذا الشعب يرفض أي نوع من العلاقات مع الكيان الإسرائيلي المحتل للأردن، كما هو الحال مع فلسطين الحبيبة.
في السياسة، كلّ من يدعو للتطبيع يضعه الشعب الأردني في مزبلة التاريخ. اقتصادياً، هناك رفض قاطع لأي نوع من العلاقات الاقتصادية، ولسان حال كل أردني فيما يتعلّق بصفقة الغاز “من يشتري غاز اليوم يبيع وطنا غداً”، لا بل يدرك الكيان جيّداً أن هذا الشعب على استعداد تام لأن يجعل الأردن منطلقاً لمقاومة جديدة ضد الكيان الإسرائيلي.
بالطبع، ما يقصده الكيان الإسرائيلي من الاستقرار الأردني هو استقرار العجز والضعف، كما كان الحال قائماً منذ معاهدة السلام المشؤومة، ليس استقرار القوة الذي يضع الأردن في موقع استراتيجي في الخارطة العربية عموماً، والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.
ومن السياسات التي طالما عمد الكيان الإسرائيلي إلى القيام بها لإبقاء حالة استقرار العجز هذه هي دقّ الأسافين بين الأردنيين والفلسطينيين عبر الذباب الإلكتروني (تشير آخر إحصائية أردنية إلى أن الذباب الإلكتروني السعودي مسؤولٌ عن 40 % على الأقل من الأخبار السلبية ضد الأردن، في حين يحلّ الذباب الإسرائيلي المرتبة الثانية وبنسبة 28 %، لكن عملية دق الأسافين بين الأردنيين والفلسطينيين على مدى عقود زادتهم التصاقاً ببعضهم خلافاً لما عمل عليه وتوقّع نجاحه المغرضون.
لا ينظر الأردنيون إلى الكيان الإسرائيلي كعدو تاريخي وسياسي محتلّ للمقدسات فحسب، بل يحمّلونه المسؤولية عن الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ سنوات.
إن اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في الأردن قد أثّروا على الأوضاع الاقتصادية في هذا البلد، وبما أن مكانهم الطبيعي هو أراضيهم في فلسطين، فالمسؤول هي الجهة التي تحول دون عودتم، أي الكيان الإسرائيلي.
اليوم، يجد الشعب الأردني في صفقة القرن ضالّته السياسية والاقتصادية، هذا الشعب يريد أن ينفض غبار سنين التطبيع مع الكيان المحتلّ، وتحسين وضعه الاقتصادي، وكلا الأمرين يرتبط بشكل مباشر بصفقة القرن المرتقبة، فتوقّعوا قريباً قطع العلاقات الأردنية الإسرائيلية تحت وطأة الضغط الشعبي، الغاز الذي يأتي من فلسطين المحتلّة سيتوقّف، ولا نعتقد أن الحدود الغربية للأردن ستبقى على حالة الاستقرار التي شهدتها خلال العقود الماضية. الشعب لن يكتفي باللاءات الثلاث التي أعلنها الملك عبدالله أكثر من مرة، وهي “لا للوطن البديل، لا للتوطين، ولا للتفريط بالمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف”، بل ربّما يعزّزها بلاءات قمّة الخرطوم الثلاث: لا صلح لا اعتراف ولا تفاوض.
صحيح، أن صفقة القرن هذه تهديد كبير للقضية الفلسطينية، إلا أنني أراها فرصة أكبر لعودة القرار العربي تجاه القضية الفلسطينية إلى أصحابه، أي الشعوب العربية، لا الأنظمة المطبّعة.