على مدى الحقب التاريخية المتعاقبة
اليمن الموحد المستقل مشروع أقلق نظام آل سعود على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي والجغرافي
> السعودية وضعت العراقيل الكثيرة وأشعلت الحروب الثنائية للحيلولة دون تحقيق الوحدة بين شطري اليمن
> الاعتراض السعودي على إعادة تحقيق الوحدة بدأ منذ اتفاقية القاهرة عام 1972م
> المؤسف اليوم أن ما يسمى بالحكومة الشرعية صارت مستلبة تماماً للسعودية
> الجارة السعودية لا يعجبها أن ترى دولة قوية في اليمن تنافسها في الجزيرة العربية
> علاقة السعودية مع أقطاب الحكم في الشمال ارتهنت ضد الوحدة مع الجنوب
> الحمدي حاول التحرر من التبعية السعودية ما تسبب له باضطرابات أودت في الأخير بحياته
الثورة/أحمد المالكي
لم تكن الحرب والعدوان وإعلان عاصفة الحزم عن طريق ما يسمى بالتحالف العربي الذي تقوده مملكة آل سعود على اليمن حاليا إلا خلاصة لعداء تاريخي وسياسة سعودية ترفض قيام دولة يمنية قوية وموحدة إلى جوارها، فالصراع بدأ منذ الدولة السعودية الأولى حين غزت قوات سعودية اليمن عام 1898 م مرورا بعام 1921م عندما وقعت مجزرة تنومه التي قتل فيها 3 آلاف من الحجاج اليمنيين العزل على يد ابن سعود، ثم توقيع اتفاقية مكة بين ابن سعود والحسن الإدريسي عام 1926م لفصل الدولة الادريسية عن اليمن ووقوع الحرب السعودية اليمنية عام 1934م وتوقيع معاهدة الطائف ثم المشاركة السعودية في قمع انتفاضة 1955م وكذلك تغذية الحرب الأهلية الدامية بعد ثورة 26 سبتمبر مرورا بحرب 1994م والدور الذي لعبته في اشعال تلك الحرب آنذاك ثم يأتي الدور الذي لعبته السعودية أثناء ما سمي بالربيع العرب والمبادرة الخليجية ، ومحطات كثيرة لعبتها جارة السوء السعودية في إشعال الحروب بين شطري اليمن وتغذية الخلافات اليمنية والتغلغل في الجيش والقبيلة والمسجد عن طريق نشر الفكر الوهابي ومحاولة طمس المذاهب الأصيلة داخل المجتمع اليمني كالزيدية والشافعية وذلك كله للحيلولة دون إقامة مشروع الوحدة وبناء الدولة اليمنية المتحررة والمستقلة من التبعية …..إلى التفاصيل :
إن مشروع الوحدة بين شطري اليمن والذي طالما وضعت السعودية العراقيل في طريقه عبر إثارة الحروب تارة، وعبر دعم المرتزقة المعارضين له أخرى، وعبر الاغتيال السياسي والقتل تاراة متعددة.
وبقي النظام السعودي يعتقد إن هذه الوحدة إذا ما حصلت سوف تخلق قوة رئيسية كبرى في الجزيرة العربية، وتعيد أمجاد اليمن السعيد مرة أخرى، وسوف يثبت الشعب اليمني أنه جندي دؤوب في حالة السلم كما هو الحال في حالة الحرب .. وان النظام السعودي الذي يواصل سياسته العدوانية في شراء وتكديس السلاح لن تجديه هذه الأسلحة، كما إن شعب الجزيرة العربية الأبي سوف يرفض محاربة بلد جارٍ مسلم له طالما عمَّر وبنى بلاده.
وإن استطاعت الأموال السعودية جلب مرتزقة لها من هنا أو هناك، فإن الشعب المسلم في اليمن سوف يثبت قدرته الآن ويستعيد حقوقه التي سلبها منه النظام السعودي طيلة الأزمنة والحقب التي مضت بإذن الله تعالى.
ووفقاً للكاتب والمؤرخ يوسف الهاجري في كتابة السعودية تبتلع اليمن والذي يقول:
يعتبر شطرا اليمن الشمالي والجنوبي وحدة ثقافية واجتماعية واحدة منذ غابر الزمان حيث يتفقان في وحدة اللغة والتاريخ والنسل (من قحطان). ولكن نظراً لوجود الجبال وصعوبة الاتصالات بين الشمال والجنوب، ونظراً لكون الشمال يتميز بأكثرية زيدية بينما يتميز الجنوب بالشافعية فقد تمكنت بريطانيا من تعميق انفصالهما عندما احتلت عدن عام 1839.. وعندما انسحب الجيش الإنجليزي من الجنوب في 29 أكتوبر 1967 واستقلت البلاد، وتلاه انسحاب القوات المصرية من الشمال في أواخر ذات العام لم تحدث الوحدة أوتوماتيكياً..
لا يعجب السعوديين
وبالرغم من وجود إحساس مشترك بضرورة الوحدة إلاّ أن الشطر الشمالي لليمن كان مشغولاً بحربه الداخلية؛ فقد كان الملكيون يحاصرون صنعاء بعد انسحاب القوات المصرية. وقد أرسلت اليمن الجنوبية 600 متطوع إلى الشمال حيث ساعدوا في فك الحصار عن صنعاء.
ولكن هذا التوافق لم يدم طويلاً وتبين فيما بعد أن هذا التعاون لم يكن سوى شهر عسلٍ قصير بين البلدين..
فالسعودية ـ الجارة الشمالية للبلدين ـ لا يعجبها أن ترى دولة قوية تنافسها في الجزيرة العربية .. فعشر ملايين نسمة في اليمن الشمالية ومليونان في الجنوبية ومساحة شاسعة تبلغ 533 ألف كيلو متراً مربعاً للبلدين، وإطلالتها على مضيق هام كباب المندب، وشعب كادحٍ محاربٍ له حضارة عريقة كالشعب اليمني، يمكن ـ إذا اتحد شطراه ـ أن يشكل القوة الرئيسية الأولى في الجزيرة العربية إذا ما توافر لها استقلال اقتصادي..
ثقل كبير
ولذلك فإن السعودية قد رمت بثقل كبير في اليمن الشمالية وانفقت الأموال الطائلة على الوجوه المؤيدة لها والمعارضة للوحدة مع الجنوب.. بل إنه يمكن القول بطمأنينة تامة، أن علاقة السعودية مع أقطاب الحكم في اليمن ارتهنت بوجهة نظر هؤلاء تجاه الوحدة مع الجنوب بالإضافة إلى مواقفهم من اتفاقية الطائف 1934 م.
.. ففي عام 1968 وعندما كان حسن العمري ـ وهو شخص موالٍ للسعودية بشكل كبير ـ رئيساً لوزراء اليمن الشمالي، بدأ في مساعدة معارضي اليمن الجنوبي بحجة كون الجنوب يدعم معارضي حكمه، وهكذا فتح كل طرف حدوده لمعارضي الطرف الآخر وتوالت الاتهامات بين البلدين بدعم معارضي البلد الآخر.
مواجهة
وهكذا حصلت مواجهة محدودة على حدود البلدين في ربيع 1968، واستمرت حتى يونيه 1969 عندما انتهت بطرد الرئيس الجنوبي السابق قحطان الشعبي وابن عمه فيصل عبد اللطيف الشعبي من اليمن الشمالي .
وعندما حصل اتفاق سعودي ـ يمني على إنهاء الحرب الأهلية في عام 1970 م ازداد الدعم السعودي لمعارضي الحكم في عدن وحصلت توترات على الحدود نتيجة تحشد القوات المعارضة، للحكم الجنوبي والمدعومة من قبل السعودية.
وفي يوليو 1972 زار روجرز وزير خارجية الولايات المتحدة اليمن، ولم يمض سوى شهر على هذه الزيارة حتى اندلع القتال بين البلدين (سبتمبر 1972) …
والتقى رئيسا وزراء البلدين في القاهرة، ثم التقى رئيسا البلدين عبد الرحمن الأرياني وسالم ربيع علي في طرابلس واتفقا على إقامة دولة واحدة خلال سنة، ولكن التوتر عاد مرة أخرى حيث قامت السعودية بتوزيع الأموال على الشيوخ وضباط الجيش الذين عارضوا العيني (رئيس وزراء اليمن الشمالي آنذاك)، وقامت السعودية بضغوطٍ اقتصادية على اليمن حتى تم تبديل رئيس الوزراء بشخص موالٍ للسعودية وهو عبد الله الحجري .
ضغوط اقتصادية
وفي عهد الحجري (ديسمبر 1972 ـ فبراير 1974) لم يحدث تقدم يذكر في اتجاه الوحدة حتى حصل الانقلاب العسكري الذي قاده المقدم إبراهيم الحمدي في 13 يونيو 1974 والذي حاول التحرر من التبعية السعودية ـ كما ذكرنا آنفاً ـ وقامت بخطوات حثيثة لإقامة الوحدة مع الشطر الجنوبي، إلاّ أنه تعرض لضغوط اقتصادية وعسكرية جمة الأمر الذي جعله في موضع حرج ومتقلب في مواقفه تجاه السعودية والغرب بشكل عام حيث انه كان ينشد الموقف المستقل ولكنه لا يستطيع الاستغناء عن الدعم السعودي والغربي له، وقد سببت له مواقفه هذه اضطرابات عسكرية عديدة أودت في النهاية بحياته حيث قتل في مكتبة في 11 أكتوبر 1977 قبل يومٍ واحدٍ فقط من زيارته المقررة لعدن للتفاوض حول الوحدة معها .. وقد أشارت أصابع الاتهام في قتله إلى السعودية ..
واستمر الدعم السعودي لمعارضي الوحدة في الشمال ولمعارضي الحكم اليساري في الجنوب حيث اندلع القتال مرة أخرى في فبراير 1979 عندما كان علي عبد الله صالح هو الرئيس في اليمن الشمالي، وقد كانت اليمن الجنوبي ترغب في إشراك الجبهة الوطنية الديمقراطية الموالية لها في الحكم، بينما يرفض نظاما علي عبد الله صالح وآل سعود ذلك ..
وقد حصل اجتماع بين رئيسي البلدين الشمالي والجنوبي في الكويت هذه المرة، وقيل إن الرئيسي اليمني الشمالي قدم تنازلات للجنوب وقبل دخول اليساريين الموالين للجنوب في الحكومة، واتفقا على إقامة الوحدة بين البلدين. وقد قامت السعودية إثر ذلك بإيقاف شحن الأسلحة الامريكية ـ التي دفعت قيمتها ـ إلى اليمن .. وقد حاول الرئيس علي عبد الله صالح إثبات استقلالية القرار اليمني حيث ابرم اتفاقية تسلح مع الاتحاد السوفييتي في أغسطس 1979 كرد فعل لإيقاف السلاح الأميركي لبلاده.
ولكن صالح وجد نفسه أمام ضغوطٍ اقتصادية وعسكرية وسياسية كبيرة ولم تمر سنة واحدة على حكمه.. فقد واجه محاولة اغتيال ومخطط لانقلاب عسكري .. وتمردات من قبل القبائل الموالية للسعودية، وهزيمة عسكرية على أيدي الجنوبيين
وقامت قبائل الشمال المدعومة من قبل السعودية بتشكيل جبهة معارضة للحكم ومعارضة للوحدة مع الجنوب سموها (الجبهة الإسلامية) وذلك في منتصف عام 1979 . .
استسلام
وهكذا استسلم صالح للضغوط السعودية.. ففي مارس 1980 وافق على مطالبها بتخفيف حماسته للوحدة مع الجنوب وللاتجاه نحو السوفييت، واستأنفت السعودية مساعداتها لليمن.
صحيح أن العلاقات لم تصفُ إلى نهاية المطاف إلاّ أن الضغط السعودي أثمر في عدم إتمام مشروع الوحدة في أقل التقديرات.
وهكذا فإنه تقف أمام قضية الوحدة بين البلدين عقبات عديدة من أهمها الرفض السعودي لها، وعدم استقلالية القرار اليمني حيث ما أن تشعر السعودية بوجود تقارب بين الشمال والجنوب حتى تقوم بتشجيع نزاع حدودي بين البلدين بالإغراءات المادية، ولذلك فإنه وحتى تقوم الوحدة لا بد في البداية من إسقاط الحكم السعودي ومن ثم إقامة هذه الوحدة كما صرح بذلك أحد قادة معارضة الحكم آنذاك في اليمن .
تصريح ضمني
ويصرح المسؤولون السعوديون ضمنياً أنهم ليسوا مع الوحدة .. فقد أعلن أحد كبار المسؤولين السعوديين بعد مؤتمر قمة اليمنيين الذي عقد في الكويت في مارس 1979 أن الوفاق بين شطري اليمن هو أعز ما ننشده ونحن نأمل أن تكون وساطة الكويت التي قامت بها عقب النزاع الأخير، ذات فعالية، وأن تؤتي ثمارها وهنا نلاحظ أن المسؤول السعودي، استخدم لفظة (الوفاق) ولم يستخدم (الوحدة).
تدخل شامل
لم يقتصر التدخل السعودي في اليمن على شأن دون آخر، ولا يميز بين المصالح المشتركة والأمور السيادية، فالتدخل شمل مختلف القضايا والأزمات والتحولات التي شهدتها اليمن، سواء كانت ذات ارتباط بالمحيط الإقليمي أو داخلية بحتة، مثل الوحدة اليمنية، وحرب صيف 1994، وثورة ما يسمى 11 فبراير 2011، ثم التدخل الأخير والسافر الذي نعيشه اليوم بآلامه وإجرامه بعد هروب أدوات السعودية عقب ثورة 21 سبتمبر 2014م واعلان عاصفة الحزم او ما يسمى بالتحالف العربي على اليمن بقيادة السعودية ومن خلفها أمريكا ويمكن توصيف طريقة تعامل السعودية مع اليمن بأنها تعكس سياسة متخبطة لم تتم وفقا لدراسات أو رؤى ثاقبة، وإنما تحكمها الهواجس الأمنية والخشية من الحراك السياسي في اليمن، وأيضا المخاوف من ازدهار وتطور اليمن لتصبح ذات وزن وقوة إقليمية منافسة للدول المحيطة بها وعلى رأسها السعودية.
كانت السعودية من أبرز المعارضين الإقليميين للوحدة بين شطري اليمن، وهناك من يتهم السعودية بالتخطيط والمشاركة في اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي بعد أن اتفق مع قادة الجنوب على إعلان الوحدة اليمنية في 14 أكتوبر 1977، ليكون هذا الحدث التاريخي متزامنا مع ذكرى ثورة 14 أكتوبر 1963 ضد الاحتلال البريطاني. أما سر المخاوف السعودية من الوحدة حينها فتكمن في التقارب الأيديولوجي بين الرئيس إبراهيم الحمدي الذي كان قوميا مع حكام عدن اليساريين، وأيضا تزايد المخاوف السعودية من التهديدات التي كان يطلقها حكام عدن باحتلال السعودية ودول الخليج العربي بذريعة إسقاط ما يسمونها “الأنظمة الرجعية” فيها واستبدالها بأنظمة اشتراكية تقدمية، بحسب توصيفاتهم. بدأ الاعتراض السعودي على إعادة تحقيق الوحدة اليمنية منذ اتفاقية القاهرة الوحدوية في 28 أكتوبر 1972، واستمر حتى حرب صيف 1994،
تغذية الصراعات
كما كانت تغذي الصراعات والحروب بين شطري اليمن قبل الوحدة لوأد أي تقارب بين الطرفين يؤدي إلى التسريع بتحقيق الوحدة بينهما، واحتضنت قوى المعارضة اليمنية من شماليين وجنوبيين. وقبل الإعلان عن تحقيق الوحدة بمدة زمنية قصيرة، أرسلت السعودية وزيري المالية والخارجية إلى عدن، ولم تسفر الزيارة عن أي نتيجة ملموسة ولم تعرف نتائجها والغرض منها، وفسرها مراقبون بأنها ربما كانت تحمل عرضا للجنوبيين مقابل إثنائهم عن الوحدة مع الشمال، وزاد من التكهنات حول طبيعة الزيارة الاتصالات التي أجرتها الحكومة اليمنية بعد الوحدة مع السعودية بهدف طمأنتها بأن الوحدة اليمنية لن تشكل خطرا عليها. غير أنه بعد الإعلان عن الوحدة اليمنية بشهور قليلة، دخلت العلاقات اليمنية السعودية منعطفا خطيرا بسبب الموقف الرسمي اليمني من حرب الخليج الثانية ورفض الوجود العسكري الأجنبي في الخليج العربي، واتهمت السعودية اليمن بنصب صواريخ عراقية باتجاه أراضيها لاستخدامها عند الحاجة. وبعد انتهاء الحرب، بدأت السعودية التدخل في الشؤون اليمنية بكافة الوسائل، ووصل ذلك لدرجة تحريضها القبائل اليمنية على التمرد ضد السلطة. وأثناء الأزمة السياسية بين حزبي المؤتمر والاشتراكي، وجهت السعودية رسائل لعدد من الشركات النفطية الأجنبية التي تنقب عن النفط في اليمن، وطلبت منها الكف عن التنقيب، باعتبار أن هذه الأراضي متنازع عليها.
استغلال
استغلت السعودية ودول خليجية أخرى الخلافات بين حزبي المؤتمر والاشتراكي، وحاولت توسيع الخلاف بينهما، وحرضت الحزب الاشتراكي على الانفصال وأغرته بالمساعدات. وبعد أن تفاقمت الأزمة اليمنية، وخرجت من السر إلى العلن، برز الدور السعودي الداعم للانفصال بقوة، أثناء رحلة علي سالم البيض العلاجية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث التقى هناك بالأمير بندر بن سلطان في يوليو 1993، وعلى إثر ذلك اللقاء والرحلة العلاجية، عاد البيض إلى عدن معتكفا. وكشفت صحيفة “الشعب” المصرية آنذاك أن علي سالم البيض -أثناء زيارته العلاجية إلى الولايات المتحدة- عقد لقاءات سرية مع عدد من المسؤولين الأمريكيين بترتيب من الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي في واشنطن، لتهيئة عملية الانفصال. كما أن السعودية والدول الخليجية الأخرى كانت رافضة لوثيقة العهد والاتفاق بين طرفي الأزمة التي تمت في الأردن، وكانت الصحف السعودية التي تصدر من لندن، كالشرق الأوسط والحياة ومجلة الوسط، تنشر خطابا مناوئا للوحدة اليمنية ويعمل على تكريس الانفصال أثناء الأزمة السياسية التي سبقت حرب صيف 1994 وأثناء الحرب ذاتها. وقال الدكتور عبد الكريم الإرياني، في حوار مع صحيفة “السفير” اللبنانية، نشر بتاريخ 13 أبريل 1995، إن حكام السعودية ولاسيما الأمير سلطان والأمير نايف ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل كانوا من المتشددين والمتحمسين لتجزئة اليمن.
الملف الحدودي
. برز ملف ترسيم الحدود اليمنية السعودية كامتداد لتراكم الخلافات والتوتر الذي شاب العلاقات بين الطرفين بسبب معارضة السعودية لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية وموقفها من طرفي الأزمة قبل وأثناء حرب صيف 1994 الأهلية، بالإضافة إلى موقف اليمن الرافض للتواجد العسكري الأجنبي في شبه الجزيرة العربية أثناء حرب الخليج الثانية. وقد أثرت النتيجة التي خلصت إليها حرب الخليج الثانية، ونتيجة حرب صيف 1994 الأهلية في اليمن، على طبيعة العلاقات بين البلدين، ودفعت اليمن ثمنا كبيرا مقابل تحسن علاقتها مع السعودية، يتمثل في التنازلات التي قدمها الرئيس اليمني حينها علي عبد الله صالح أثناء المفاوضات الحدودية بين حكومتي البلدين، والتي بدأت بتوقيع “مذكرة التفاهم” في مكة المكرمة في 26 فبراير 1995، ونصت على تمسك الطرفين بشرعية وإلزامية “معاهدة الطائف” لسنة 1934 وملاحقها، وانتهت المفاوضات الحدودية التي تلت ذلك باتفاقية جدة الحدودية عام 2000. وما زال الملف الحدودي بين البلدين من أبرز الملفات العالقة والتي من شأنها جعل العلاقة بينهما عرضة للمد والجزر، بسبب شعور اليمنيين بالظلم جراء سيطرة السعودية على أجزاء كبيرة من الأراضي اليمنية خلال مفاوضاتها مع الإمام يحيى، وأيضا خلال مفاوضاتها الحدودية مع الرئيس الراحل علي صالح، وأيضا مخاوف السعودية من قيام دولة قوية في اليمن تثير الملف الحدودي وتعيده إلى نقطة الصفر، وتبدأ مفاوضات جادة معها بهدف استعادة الأراضي اليمنية التي سيطرت عليها بالقوة، مستغلة ضعف النظام الحاكم في اليمن وتمزق المجتمع اليمني
تآمر
السعودية والتي كانت أبرز معرقلي جهود الوحدة اليمنية من البداية، زادت من ضغوطاتها على اليمن وادعت ان اليمن تآمرت مع العراق والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية لتقسيم السعودية بينهم واعادة آل سعود إلى نجد ولم يتوفر دليل على المزاعم السعودية ولكن معاهدة الطائف التي تمت عام 1934 بين البلدين كانت قد اوشكت على الانتهاء على أية حالة فنشرت قوات من المرتزقة الباكستانيين على الحدود ـ غير المعروفة آنذاك ـ وشددت إجراءاتها على العمال اليمنيين وشنت حملات إعلامية على اليمن واليمنيين لإن المغتربين هم الورقة الأكثر حساسية وفعالية، إذ كانت السعودية تسمح لليمنيين بالعمل داخل أراضيها دون كفيل، وتم ترحيل قرابة نصف مليون عامل، ستين ألف منهم اضطر للعيش في مخيمات للاجئين عند عودتهم لليمن وهو ما أضر بالاقتصاد اليمني الضعيف أصلاً إذ كان المغتربون يرسلون قرابة اثنين مليار دولار سنوياً إلى اليمن، أي 20 % من الإيرادات الخارجية وزادت السعودية من دعمها التقليدي للقبائل ضد الحكومة المركزية لاستخراج تصريحات مؤيدة لها من زعامات القبائل والقوى الدينية المعادية للوحدة أصلاً ولكن الحكومة اليمنية شكلت لجنة لمساعدة الإعلام اليمني على الرد على البروباغندا والتعبئة السعودية و كانت السعودية تعلم بشأن الآبار النفطية في مأرب وشبوة والجوف وهو ما فاقم الأزمة الحدودية بين البلدين
إرادة مستلبة
وإذا كانت السعودية فشلت في فرض وصايتها على اليمن في عهد الحمدي، وهو ما دفعها للتخلص منه؛ فإن المؤسف اليوم أن الحكومة اليمنية أو ما يسمى بالشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي تبدو مستلَبة كليًا للسعودية، وإذا كانت الرياض في حكم الحمدي حاولت ممارسة وصايتها حتى في مسألة تغيير رئيس الحكومة فإنها اليوم تتحكم في تفاصيل أدق، لدرجة تدخلها في تعيين قائد معسكر صغير ومحافظ محافظة.
هذه هي العقلية السعودية في تعاملها مع المسألة اليمنية: رغبة ثابتة في إبقاء البلد تحت الهيمنة الشاملة، وفُتات مساعدات تضمن عبرها استدامة حالة العجز والحاجة الدائمة لها، وعمل ممنهج لإبقاء اليمن دولة دائرة في فلكها، لكونها تدرك أن اليمن بلد حيوي وثري بمقومات النهوض، وأن أي استقرار حقيقي فيه سيجعله يشب عن الطوق ويتجاوز حالة الإعاقة الدائمة التي تفرضها عليه منذ زمن.