مطهر يحيى شرف الدين
نفحات ربانية عظيمة في هذه الأيام التي كتب الله علينا الصيام فيها فتتعلق قلوبنا بالمساجد وتقام الصلوات ويُقرأ القرآن بروحانية وسكينة وطمأنينة تعكس قدسية هذا الشهر الكريم الذي أنزل فيه القرآن، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار إنه أفضل وأحب شهر عند الله وعند عباده أراده الله كذلك ليكون محطةً إيمانية وروحية للعودة إلى الله والتمسك بكتابه العزيز والاعتصام بحبله المتين.
فما أجلّها من أوقات تلهج فيها ألسنتنا بذكر الله وتسبح بحمده آناء الليل وأطراف النهار فندرك ونتمعن في كلام الله بما فيه من أحكام وتشريعات وما جاء به من عظيم الألفاظ والعبارات والمعاني وبما فيه من إعجاز لغويٍ وعلمي وسبق للعلوم التي تم اكتشافها حديثاً ومؤخراً ، وبما فيه من دلالات لا تقف عند تفسيرٍ واحد أو مستوىً معين فالقرآن جاء لكل زمان ومكان وهو كما قال الإمام علي عليه السلام “بحرٌ لا يدرك قعره ” وإذا كان الله سبحانه وتعالى أقرب للإنسان من حبل الوريد فالله أقرب من ذلك في شهر رمضان الذي يعتبر فرصة كبيرة نتأمل فيها ونعتبر من خلال القرآن من أحداث وتاريخ الأمم الغابرة فنتدبر ونتعظ ونتعلم ونستفيد من مواقف النصر والتأييد الإلهي لأنبياء الله وأوليائه الصالحين في مواجهة الطغاة الظالمين الذين تسلطوا على الأمم فأفسدوا وعاثوا في الأرض الفساد.
في شهر الخير والهدى والفلاح يهيئ الله للناس أسباب الخير والبركات ومفاتيحها ، ويا ليت قلوبنا وجوارحنا وحركاتنا تنقاد وتتوجه وفق أحكام القرآن وأوامره ونواهيه انقياداً ليس فيه أدنى تباطؤ أو تكاسل ، ما أجملها من ليالٍ عظيمة نقرأ فيها ثقافةً قرآنية فندعو رباً لا سواه ولا شبيه له، ندعو إلهاً واحداً لا ثاني له ندعو الله سراً وجهراً وعلانية بأن يوحد صف المسلمين وأن ينصر ويؤيد عباده المؤمنين المجاهدين في سبيله المدافعين عن دينه المحافظين على الهوية الإيمانية.
ما أسعدها من أيامٍ في هذا الشهر الكريم ونحن ننهل ثقافةً قرآنية لو أدركت الأمة العربية والإسلامية جوهرها وعمقها وثمرة العمل والتحرك بها لكتب الله لها النصر والتأييد على أعداء الإسلام والإنسانية في أيام معدودات، ولو استوعبت الأمة وتمعنت في معرفة الله وعظمته ونعمه على عباده ووعده ووعيده وأدركت خطورة ومخططات محور الشر دول الاستكبار العالمي لقادت الأمة الإسلامية والعربية كل دول العالم.
ما أعظمها من أوقات ومن سويعات تمضي وتنقضي وقد امتلأت صدورنا سكينة وطمأنينة ونحن نقترب من الله وقد فاضت قلوبنا حباً وتعلقاً بالله ورسوله وازددنا يقيناً وثقة بالله وتوكلاً عليه ،
ما ألطفه من نسيم جميل وهواءٍ عليل في ذلك الوقت الذي ننتظر فيه لقاء الله وموعد الإفطار ، إنهما حقاً فرحتان غامرتان نلقى فيهما ربنا وسعادة لا تقدر بثمن ونحن نؤدي فريضة عظيمة وركناً من أركان الإسلام في ظلال إيمانية وٍسكينة وطمأنينة تسود أجواء الشهر الكريم الذي ينير قلوبنا وتحيا نفوسنا وتتيقظ ضمائرنا لتتحرك جوارحنا نحو الأعمال الصالحات التي تجسد جوهر الدين الإسلامي المتمثل في التكافل والتواصي والاحسان والعمل على نشر السعادة بين الفقراء والمحتاجين ونصرة المستضعفين بعونهم ومساعدتهم والرحمة بهم.
ما أجلّها من روحانية ونحن نتسابق نحو تعزيز هداية وصلاح نفوسنا وزكائها والرقي بها بعيداً عن أهواء وملذات الدنيا وشهواتها.
ما أروعها من ساعات تمضي وقد استثمرناها في حب الله وطاعته ونحن ندرك ونحس باتصال روحي مع الله وثقةً بالله وتوكل واعتماد عليه ، فرمضان هو رجوع إلى الله وهو العيش في رحاب الود والتسامح والإيثار والإخاء والتراحم والتواصي بالحق والخير ، رمضان هو شهر العبادة فأبواب النيران فيه مغلقة وأبواب الجنة مفتوحة والشياطين فيه مغلولة بعيدة عن الوسواس والتسلط على عباد اللهً ، شهر رمضان فيه ليلة خيرٌ من ألف شهر ، فيه ليالٍ يعتق الله رقاب المؤمنين من النار.
رمضان شهر الله يسيطر على حواسنا ومشاعرنا وجوارحنا وممارساتنا وتعاملنا مع الآخرين، رمضان هو معيار التقوى والإحسان نقيّم فيه أنفسنا وموقفنا أمام الله إما أن يكون موقفاً مشرفاً ومسؤولاً ينظر الله إلينا بعين الرحمة والمغفرة والعتق من النار وإما أن يكون موقفاً غير موفق لا ينظر الله إليه فنخسر ونُحرم من رحمة الله ومغفرته والعياذ بالله.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، اللهم وفقنا إلى طاعتك وتقبل منا صيامنا وصلاتنا وقيامنا يا أرحم الراحمين.