الإخوان .. سبب محنة تعز
أحمد يحيى الديلمي
قبل أربعة عقود من الزمن كنت أنا وصاحبي في مقيل بالحالمة تعز ، سألته وهو من كوادر الإخوان المتحمسين وأصحاب الباع الطويل والممنهج في التعريف بالفكر وتسويقه بين الناس.. سألته لماذا لا يوجد أي نشاط للإخوان في تعز وإب ؟! علق صاحب المنزل الشيخ أمين علي محسن باشا رحمة الله عليه وكانت ثقافته عالية وله اهتمام بالأدب والشعر قاطع والابتسامة عالقة بشفاهه (أبناء تعز وإب سيكونون في المرحلة الثانية لأننا شوافع وصوفية بنضم ستكون مهمة استقطابنا للوهابية سهلة بعكس إخواننا في صنعاء والمناطق الشمالية ، الجماعة بحاجة إلى خطاب مزدوج لنقلهم إلى مذهب وسيط أولاً ثم إلى الوهابية ).
كلام الشيخ أثار حفيظة صاحبنا الذي طلب مني عدم ذكر اسمه ، أنبرى للدفاع عن الجماعة والتأكيد على أن نهجها قويم وأنه سيعيد المسلمين إلى حاضرة الدين ، لم يكتف بذلك لكنه اتهم الحاضرين بالعلمانية والانقياد لرغبات أعداء الإسلام في التآمر على الدين ونفى أن يكون للجماعة أي ارتباط بالوهابية أو بالنظام السعودي ، تشعب الحوار قال أحد الحاضرين وهو من أهل الحكمة والدراية :
(نحن بحاجة إلى الحفاظ على صيغة التسامح والتآلف الموجودة والمتجذرة في أعماق اليمنيين لكي يستوعبها الأجيال وتسهم في توجيه سلوكهم وصياغة عواطفهم ومشاعرهم كي يتمسكوا بنفس المضمون ولا ينزلقوا إلى المعرفة المهدومة والأفكار الضالة التي تحاول طمس الهوية الوطنية عبر الخطابات المنغلقة الجامدة التي تستحضر موروثات الصراع الملتبسة وغير السوية لكي توسع نطاق الخلاف وتخلق مناخات مفعمة بالكراهية والحقد والضغينة ، إنها خطابات مشبوهة تحاول الاستغفال والتجهيل لشد العامة إلى مواضع الخطر ، هذه الخطابات المأزومة تحاول إشعال الفتن وإثارة العصبيات بأبعادها القبلية والطائفية والمذهبية ، وستدفع الناس إلى التخندق في متارس العداء ، وتخلق تحالفات مشبوهة تجعل كل طرف يستخدم أي وسيلة للانتقام من الآخر بعد هدم جسور الثقة المتبادلة ، وتوسيع نطاق المربعات المبهمة ، حينها للأسف سيصبح الواقع مفتوحاً على كل الاحتمالات ، لأن الانطلاق بروح الثأر والانتقام من الآخر المخالف يبرر القمع والإفراط في استخدام القوة ، وهنا مكمن الخطورة بالذات عند الارتهان إلى دعوى الانتصار للدين ، هذا هو المدخل الخطير لاستغفال السذج من العامة والزج بهم إلى أتون معارك طاحنة ، لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، إذا تراكمت هذه الاختلالات المنهجية قد نكون نحن في تعز من أكثر الضحايا لأننا تعايشنا مع الجميع وفتحنا صدورنا للجميع ) هكذا ختم الأستاذ المرحوم عبد الله عبد الوهاب نعمان (الفضول) حديثه.
لن أتطرق إلى رد فعل صاحبنا وصرخاته القوية الغاضبة لأنه على ما يبدو قد عرف الخطأ بنفسه ، وعاد إلى تحكيم العقل والمنطق وأعلن عن الندم ، عز عليه كما عز علينا جميعاً ما تعانيه تعز اليوم من أعمال صبيانية وصولات وجولات لتجار الحروب ممن أغراهم بريق المال المدنس ، وتحولوا إلى أدوات للهدم والقتل والسحل والدمار ، اتصل بي الرجل من مقر إقامته في الخارج بصوت حزين نم عن معرفة الحق والعودة إليه ، لم يسمح لي بالكلام قال على الفور (لقد كنا في غفلة من حيث لا ندري ، خاطرنا بمستقبل تعز وأبنائنا بل ومستقبل اليمن ، أنا الآن أعتزلت كل شيء ، وفي لحظة تجلي عرفت حجم الخطأ الذي ارتكبناه ، وكم أعتز بكلام الأستاذ الفضول ورؤيته المبكرة ، أرجو أن تستحضر منه ما أستطعت لتنبيه ممن لا يزالون سادرين في الغي ويعيشون في نفس الغفلة ليدركوا أننا في اليمن لن نعيش إلا معاً ، إذا قبل كل منا بالآخر أما الآخرون فإنهم للأسف لا يزالون في نفس الغفلة ، ينفذون رغبات الأعداء المتربصين بالوطن والأمة ، أنا من ناحيتي احترمت موقف الرجل وعودته للصواب ، وبادرت إلى استحضار بعض الفقرات التي أفصح عنها الفضول من الذاكرة ، أتمنى أن أكون قد وفقت وأرجو أن يستوعب هذه الكلام من لا يزالون على نفس الطريق المظلم ، ويجعلون رغباتهم الذاتية فوق مصلحة الوطن العليا ، أرجو أن يستوعب الجميع هذا الكلام ، وأن يرتقوا إلى مستوى المسؤولية ويعودوا إلى حضن الوطن لنسهم جميعاً في إيجاد دولة النظام والقانون والعدل والمساواة في المواطنة ، كأهم عامل لحماية الجميع ، هذه الثوابت يجب أن تتصدر اهتمامات كل يمني شريف ، فهل تلقى الأمنية آذاناً صاغية ؟! ويستوعب إخواننا حجم المؤامرة الدولية على الوطن ؟! أرجو ذلك.. والله من وراء القصد.