- عبدالرحمن مراد
وفق قانون التاريخ أن الحرب تقود الى السلام ,والسلام في مجمل حالاته مهما طال مكوثه يقود الى الحرب وتلك من سنن الله في كونه بالمعنى الاقرب..أن السلام هو ما سيؤول اليه المشهد السياسي اليمني في قابل أيامه ومهوده ورموزه يبعثها الواقع اليوم ولن يطول بنا الزمن حتى نراه حقيقة واقعة بأي شكل من أشكاله سواء كان بالتوافق أم بالحسم العسكري لكن سيكون بالتوافق وعلى مثله جرت سنن التاريخ اليمني.
فاليمن التي صهرتها الحروب أصبحت أكبر حجما من مستوى تفكير رجال الحرب والصراع والتدمير من قادة الشرعية والتحالف , ولذلك سيصعب عليهم اليوم فهم المستوى المتقدم للحالة السياسية اليمنية وفي مجمل الأحوال كل رموز الحرب اليوم من الذين وقفوا في صف العدوان سيطويهم التاريخ في صفحات صفراء بائسة من كتابه , ومثلما كان للحرب والصراع والتدمير رجال سيكون لليمن الجديد رجال آخرون وتلك هي سنن الله في كونه.
ما تشهده اليمن اليوم من انقسام وتشظ له مماثل في تاريخها فهو حالة ملازمة لكل حالات التحول التي تشهدها في حقب التاريخ المختلفة , ولذلك سيمتد الماضي في صميم التجربة التحولية الجديدة ويحدُّ من أثرها في المستويات الحضارية المتعددة وقد سارع قادة المرحلة – في صنعاء – إلى التوافق على رؤية وطنية للبناء إدراكا منهم لعثرات التاريخ وتموجاته وتبعاته خوف الوقوع في حفرة.
لقد جاءت الرؤية الوطنية لبناء الدولة الحديثة تعبيرا عن ضرورات المرحلة , وتطلعا إلى تجاوز العثرات , وبلوغا للمستويات الحضارية التي وصلت اليها المجتمعات المتقدمة في العالم المتقدم من حولنا , لسنا في اليمن أقل شأنا من أي بلد يمتد عميقا في التاريخ , فلنا حضورنا الحضاري المؤثر في المجتمعات الحضارية القديمة ونحن قادرون اليوم أن نسجل ذات الحضور وبذات الحضور والفاعلية التي كنا عليها وأكثر, إذا تمكنا من تفعيل الدور التاريخي والحضاري والثقافي في مساراتنا الجديدة , فثمة مقومات نحن نملكها اليوم..بها ومن خلالها سوف نستعيد وعينا بذاتنا وبقيمتنا وبأثرنا في رسم السياسات للخارطة الدولية.
لا يمكن للتنين الصيني أن يستعيد طريق الحرير دون أن يكون اليمن حاضرا في مسار ذلك الطريق بل وفاعلا بقوة حضوره الجغرافي والحضاري والتاريخي فالتفكير في هذا الاتجاه سوف يجعل الحسابات مرتبكة لبعض دول التحالف كما أنه سيفتح أفقا حضاريا متفاعلا مع المستقبل من حيث البناء والتحكم بمسارات المستقبل ومن حيث استعادة مركزية اليمن في البعد الاقتصادي الدولي وأثرها فيه وحيويتها التفاعلية في رسم مساراته والتحكم ببعض خيوط اللعبة في السياسيات الدولية , فالحضور التفاعلي في رسم السياسات الدولية يجعلك تنتقل من حالة المستقبل لها الى حالة الصناعة لأبعادها من خلال حضورك وتأثيرك.
علاقة الصين في ظل مشروعها الاقتصادي العملاق “طريق الحرير ” باليمن علاقة ضرورة وعلاقتنا بها في ظل ما لحق البنية التحتية من أضرار جراء الحرب علاقة احتياج , لذلك فمبادرة الصين ” الحزام والطريق ” يمكن التفكير بها وبما يخدم المصلحة الوطنية والبنى التنموية المدمرة , ومثل ذلك قد يحدُّ من كلفة الاعمار والبناء الذي يحتاج جهدا ووقتا ومالا , فالتعاضد بين الحضارتين اليمنية والصينية تعاضد تأريخي ولا يمكن الفصل بينهما عبر حقب التاريخ المختلفة , كما أن الصين قد تشكل بديلا اقتصاديا فاعلا يحفظ لليمن حالة التوازن بعكس المشاريع التي تريد فرض هيمنتها الاقتصادية والسياسية.
لقد جاءت مبادرة مشروع بناء الدولة – والمقر مؤخرا من المجلس السياسي – كدال يرشد ويهدي الى المستقبل وهي تملك مقومات الاستمرار والتكامل إذا كثفنا الدراسات حول الآفاق والمقدرات والمعضلات ولا يمكن لذلك أن يتحقق دون استنفار العقول والقيام بالدراسات التي تعين صناع القرار في هذا البلد على اتخاذ القرار اللازم في الزمن الفارق.
لقد قالت الرؤية التي تم التفاعل معها من كل القطاعات الحكومية والمدنية أن الحرب قد تصنع واقعا جديدا لمن يحمل مشروعا وطنيا للبناء , وأنها – أي الحرب – قد تكون مشروعا تدميريا فقط كما هي عند أدعياء الشرعية.
من محاسن الحروب والصراعات أنها تحدث فرزا وتمايزا فيمتاز أهل الخير والبناء ويمتاز أهل الشر والبغي وتكون الصورة أكثر وضوحا للناس , وهذا هو عين ما قالت به الحرب في اليمن على مدى السنوات التي سلفت ,فالذين يدعون الشرعية اتضح أنهم لا يملكون قرارا وأنهم ليسوا أحرارا والذين وقفوا الى صف الوطن دفاعا وذوذا عن حياضه رفعوا شعارا مضمونه ” يد تحمي..ويد تبني ” وقد دل الواقع أنهم عند مستوى الشعار من حيث الدفاع وهمٍّ البناء.
تحية لكل وطني لا يبيع وطنه ويحمل مشروعا لبنائه وتعسا لمن باع وخان فكان مهينا مذموما.