‮‬الجـــــــوف.. ســـــــوق مفتــــــوح لمــافيــا الآثــار


■ ‮ ‬القبائل تدير المواقع الأثرية وتشترط التوظيف
‮> ‬الجوف محافظة‮ ‬يمنية واسعة مترامية الأطراف عاشت على أراضيها الكثير من الحضارات وكانت عاصمة دولة معين وتمثل جزءاٍ‮ ‬هاماٍ‮ ‬من التاريخ اليمني‮ ‬القديم ولذلك فهي‮ ‬تزخر بمواقع أثرية ومعالم تراثية لا تحصى ولا تعد بيد أنها ورغم ما تملكه من تاريخ موغل في‮ ‬القدم إلا أنها لم تلق حقها من الاهتمام والرعاية وتعريفها للعالم وقد تكون عوامل وظروف عديدة ساهمت في‮ ‬ذلك‮ ‬ولكن الادهى من ذلك أن هذه المحافظة تواجه أعنف موجة للتخريب والعبث لتلك المواقع الهامة ومافيا الآثار في‮ ‬تلك المحافظة تنشط وبشكل كبير ويتعاون معها عدد كبير من أبناء تلك المحافظة أحفاد من بنوا وأسسوا لتلك الحضارات العريقة‮.‬
‮ ‬فمحافظة الجوف التي‮ ‬لا تلتفت إليها وسائل الإعلام ولا تلقى الاهتمام من قبل الدولة الأمر الذي‮ ‬جعل العابثين والمخربين للآثار‮ ‬يشتغلون براحة مطمئنين بأن أحداٍ‮ ‬لا‮ ‬يستطيع إيقافهم عند حدهم فما الذي‮ ‬يحصل للمواقع الآثرية في‮ ‬الجوف‮ ‬ماهي‮ ‬حقيقة ما‮ ‬يتداوله الناس حول نشاط مافيا الآثار في‮ ‬هذه المحافظة وارتباط أشحاص من أبناء المحافظة بأشخاص أجانب‮ ‬كانوا أو عرباٍ‮ ‬وأين الدولة من كل ما‮ ‬يجري¿¿‮!! ‬أسئلة طرحناها على المسؤولين والمختصين في‮ ‬الهيئة العامة للآثار والمتاحف‮.‬

‮ ‬
عندما سألنا الوالد صالح السنتين الذي‮ ‬يعمل في‮ ‬مكتب الآثار بالمحافظة وكذلك ابنه علي‮ ‬السنتين والذي‮ ‬يقول أنه‮ ‬يعمل مستشاراٍ‮ ‬لرئيس هيئة الآثار والمتاحف في‮ ‬الجوف أكدا أن الوضع في‮ ‬المحافظة بالنسبة للمواقع الأثرية على أحسن ما‮ ‬يكون وأن القبائل تحافظ على مواقعها الأثرية ولا تسمح أبداٍ‮ ‬بأي‮ ‬اعتداء أو نبش عليها وأن حالات النبش قليلة جداٍ‮ ‬وفي‮ ‬مواقع أثرية‮ ‬غير هامة وأن النبش وبيع القطع الأثرية تراجع وبشكل كبير خلال العامين الاخيرين‮.‬
وأوضحا أنه لم تتم أي‮ ‬أعمال تنقيب أو استكشاف في‮ ‬المواقع الأثرية للمحافظة منذ زمن بعيد وإذا أرادت الدولة أن تعمل ذلك فعليها أولاٍ‮ ‬أن ترضي‮ ‬الأهالي‮ ‬وتدخل معهم في‮ ‬اتفاق منهم‮ ‬يطالبون بالتوظيف وبالتالي‮ ‬سوف‮ ‬يسمحون للدولة بالتصرف بتلك المواقع‮.‬
وشدد صالح السنتين على ضرورة أن‮ ‬يتم إقامة متاحف في‮ ‬الجوف حيث لا‮ ‬يوجد واحد في‮ ‬هذه المحافظة الغنية جداٍ‮ ‬بمواقعها الآثرية‮.‬
وأشارا إلى أن هناك قطعاٍ‮ ‬أثرية‮ ‬يتم استخراجها من قبل بعض المخربين وبيعها لتجار الآثار وهذا‮ »‬كما قالا‮« ‬موجود في‮ ‬كافة المحافظات‮ ‬ونفيا علمهما‮ ‬بالمكان الذي‮ ‬تباع فيه هذه القطع ولمن‮ ‬إلا أن‮ »‬علي‮ ‬صالح‮« ‬يقول أن الكثير من القطع المسروقة تهرب إلى صنعاء وتحديداٍ‮ ‬إلى سوق الملح وهناك‮ ‬يتم تصريفها وبيعها‮.‬
واختتما حديثهما بالقول أن المواقع الأثرية في‮ ‬الجوف‮ ‬يقدر عددها بـ‮»‬200‮« ‬موقع ومعظمها مواقع واسعة جداٍ‮ ‬ومع هذا الحراسات الموجودة لتلك المواقع قليلة جداٍ‮ »‬17‮« ‬حارساٍ‮ ‬فقط وبالتالي‮ ‬هناك الكثير من المواقع بدون حراسة وهي‮ ‬عرضة للعبث والتخريب ولا‮ ‬يستطيعون هم أو زملاؤهم حمايتها بسبب وجود ثارات وحسابات قبلية هي‮ ‬التي‮ ‬تحكم هذه العملية بمعنى أن كل قبيلة لديها المواقع الاثرية التي‮ ‬تعتقد انها تابعة لها ومن حقها‮.‬
دور الهيئة
اذا كانت المواقع الاثرية في‮ ‬الجوف تدار بالقبيلة وكل قبيلة تتصرف مع هذه المواقع من منطلق انها تابعة لها والدولة خارج الحسبة ولا‮ ‬يوجد لها حضور فماذا‮ ‬يقول الاخوة في‮ ‬هيئة الآثار¿¿‮!!‬
الاخ مهند السياني‮ ‬رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف‮ ‬يقول‮: ‬ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬محافظة الجوف من نبش وعبث في‮ ‬المواقع الاثرية شيء لا‮ ‬يمكن تصوره‮ ‬يشيب له الرأس مع أن الهيئة تمتلك في‮ ‬الجوف ومارب كوادر‮ ‬يفوق عددها ماهو موجود في‮ ‬بقية المحافظات وقد التقيت الاسبوع الماضي‮ ‬بمدير عام الآثار في‮ ‬الجوف وطلبت منه خطة ومقترحات من أجل تغيير الاسلوب القائم بالنسبة للتعامل مع المواقع الاثرية خاصة أن المحافظ متحمس للتعاون معنا ولكن‮ ‬يوجد اشكالية كبيرة في‮ ‬الجوف تتعلق بملكية الاراضي‮ ‬حيث‮ ‬يقوم البعض من ابناء المحافظة خاصة من‮ ‬يمتلكون وجاهات قبلية باحتجاز مساحات كبيرة من الاراضي‮ ‬ويسورونها على انها املاك خاصة بهم ويعملون بها ما‮ ‬يشاؤون فتراهم‮ ‬يحفرون وينبشون بحرية تامة حتى في‮ ‬الليل لا‮ ‬يتوقفون نرى كشافات مضاءة على رؤوسهم والحفر‮ ‬يستمر على قدم وساق والدولة كما تعلمون دورها ضعيف في‮ ‬هذه المحافظة وهو ما سهل على أولئك العابثين المهمة ووفر لهم اجواءٍ‮ ‬ملائمة للمزيد من التخريب والعبث‮.‬
والغريب في‮ ‬الموضوع أن رئىس الهيئة وبقية المسؤولين الذين التقيناهم‮ ‬يعلمون علم اليقين أن الكثير من القطع التي‮ ‬تسرق من مواقع في‮ ‬الجوف أو مارب أو‮ ‬غيرها تباع في‮ ‬سوق الملح ومع ذلك لا نرى تحركا مناسبا للحد من هذه الظاهرة وأن سوق الملح‮ ‬يقع في‮ ‬صنعاء حيث توجد الدولة بأجهزتها ومؤسساتها وهي‮ ‬قوية على‮ ‬غرار ما هو موجود في‮ ‬الجوف ومارب‮ ‬والكل سمع وقرأ عبر الثورة ذلك الدبلوماسي‮ ‬الغربي‮ ‬الذي‮ ‬استطاع أن‮ ‬يشتري‮ ‬الكثير من القطع الاثرية النادرة وعندما سألته الثورة في‮ ‬لقاء خاص عندما اهدى تلك القطع لهيئة الآثار من اين حصل عليها‮ ‬أوضح أنه اشتراها من سوق في‮ ‬صنعاء وألمح إلى سوق الملح بل أن الدبلوماسي‮ ‬أكد لنا أنه اخبر قيادة الهيئة من أين اشترى هذه القطع‮.‬
فرئيس الهيئة الاخ مهند السياني‮ ‬يؤكد أن القطع الاثرية‮ ‬يتم المتاجرة فيها في‮ ‬سوق الملح وقطع اثرية كثيرة تأتي‮ ‬من الجوف‮ ‬يتم تهريبها إلى سوق الملح حيث توجد مافيا محلية تعمل على شراء تلك القطع وتتصرف بها وتهربها إلى خارج البلد ودور الهيئة عندما تسمع أو تتلقى بلاغا تتحرك على الفور‮.‬
وكشف السياني‮ ‬عن وجود شخصيات اجتماعية محلية ونافذين متورطين في‮ ‬عملية الاتجار بالآثار بل‮ ‬يشترون القطع الاثرية ويساعدون المهربين‮ ‬وكذا من‮ ‬ينبشون المواقع الاثرية‮.‬
حاميها حراميها
وحول مسؤولية الهيئة ودورها من كل ما‮ ‬يحدث‮ ‬يقول‮: ‬نحن لسنا جهة ضبط فقط عملنا أن نقوم بإبلاغ‮ ‬الجهات المعنية بالضبط وهم‮ ‬يتحملون المسؤولية وهنا نود التنويه بأن القضاء نفسه‮ ‬غير مدرك لأهمية الآثار والحفاظ عليها فمن الشيء المحزن أن هناك أحكاماٍ‮ ‬قضائية جرمت بعض المهربين في‮ ‬مادة وفي‮ ‬مادة ثانية من الحكم نفسه تلزم الهيئة بشراء القطع الاثرية من هؤلاء المهربين وقد نفاجأ مستقبلا أن‮ ‬يلزمونا بدفع‮ ‬غرامات القضاء والمحاكم للمهربين‮.‬
وما لم نكن نتوقعه أن‮ ‬يكون المسؤولون عن حماية الآثار والحفاظ على المواقع الاثرية هم انفسهم العابثون واللصوص حاميها حراميها حيث اعترف السياني‮ ‬بوجود حراس للمواقع الاثرية وموظفين تابعين للآثار‮ ‬يعملون في‮ ‬المتاجرة بالقطع الاثرية بل والسطو على مواقع ونبشها واستخراج قطع اثرية‮ ‬يقومون ببيعها في‮ ‬الاماكن التي‮ ‬يبيع بها بقية العابثين وقد تجدهم‮ ‬يأتون إلى الهيئة محاولين بيع قطع اثرية لها‮.‬
لافتا إلى أن قيادة الهيئة اكتشفت اختاماٍ‮ ‬خاصة بمكاتب الآثار بالمديريات وذلك في‮ ‬محافظتي‮ ‬الجوف ومارب وهذا‮ ‬غير مناسب وقد تكون هذه الختومات هي‮ ‬التي‮ ‬تستخدم في‮ ‬تهريب القطع الاثرية من تلك المحافظتين إلى صنعاء ولهذا سوف‮ ‬يتم ابلاغ‮ ‬كافة الجهات المعنية والأمنية بعدم اعتماد تلك الاختام والاعتماد فقط على اختام فرع الآثار بالمحافظة أو ختم ديوان الهيئة بصنعاء‮.‬

وجهاء الجوف قدموا مبادرة

‮> ‬والتقينا الدكتور عبدالرحمن جار الله وكيل الهيئة العامة للآثار والمتاحف الذي‮ ‬أوضح أن ما‮ ‬يحدث في‮ ‬الجوف للمواقع الأثرية من تخريب وعبث أمر‮ ‬يتجاوز حدود المنطق والعقل فقد سبق وتقدم أحد المشايخ بمبادرة لحماية المواقع الأثرية في‮ ‬الجوف بحكم أن له تأثيراٍ‮ ‬على أبناء المحافظة وفعلا قابل وزير الثقافة السابق وطرح عليه المبادرة ولكن لم‮ ‬يتحمس الوزير لمبادرة ذلك الشيخ الأمر الذي‮ ‬حدا بالشيخ التخلي‮ ‬عن المبادرة ومغادرة صنعاء دون نتيجة‮.‬
وأكد جار الله أن بعض أبناء الجوف أصبحوا‮ ‬يرون في‮ ‬نبش المواقع والاتجار بالقطع الأثرية مصادر للثراء خاصة أن هناك من‮ ‬يتعاون معهم من مافيا الآثار من داخل البلد وخارجه‮ .‬
وأضاف‮: ‬أبلغت الجهات الأمنية قبل فترة بوجود أحد الأشخاص من جنسية عربية‮ ‬يتواجد بصورة مستمرة في‮ ‬سوق الملح ويعمل على شراء القطع الأثرية بملايين الريالات حيث وهو على تواصل مع بعض مخربي‮ ‬ونابشي‮ ‬الآثار من الجوف وهناك اسماء معروفة لدينا تعمل في‮ ‬بيع وشراء القطع الأثرية وأخرى تتوسط وتوفق بين البائع والمشتري‮ ‬وكل تلك العمليات تتم في‮ ‬سوق الملح وهناك تجار ما تسمى الانتيكات الفضية والنحاسية التقليدية متورطون في‮ ‬عمليات البيع والشراء‮.‬
وحمل جار الله المسؤولية لجهتين الأولى المالية التي‮ ‬ترصد امكانيات زهيدة للهيئة كذلك للأجهزة الأمنية لا تقوم بمسؤولياتها فموظف الهيئة‮ ‬يمتلك الفرشاة والقلم بينما العابثون والمخربون‮ ‬يمتلكون الأسلحة المتنوعة ولهذا الجهات الأمنية والعسكرية هي‮ ‬من تمهد الطريق أمام عمل فرق الآثار وكذلك الهيئة تحتاج إلى أن تصحح عدة أمور لا سيما في‮ ‬الجوانب الإدارية‮.‬
وأوضح الأخ عبدالكريم البركاني‮ ‬نائب مدير عام حماية الآثار والممتلكات الثقافية بالهيئة أن المواقع الأثرية في‮ ‬الجوف تتعرض إلى نبش وتدمير عشوائي‮ ‬على مرأى ومسمع من كافة الجهات والسلطات وذلك بسبب أن الجوف محافظة لا‮ ‬يتسطيع أحد دخولها‮ ‬وقال البركاني‮ ‬أن المواقع الأثرية في‮ ‬الجوف أصبحت تؤجر بالمتر بمعنى‮ ‬يتم تحديد مساحة لأحد تجار الآثار من قبل الأشخاص الذين‮ ‬يسيطرون على مواقع أثرية لكي‮ ‬يعمل على النبش أو الحفر العشوائي‮ ‬ويكون التحديد بالمتر مقابل مبالغ‮ ‬مادية‮ ‬يدفعها التاجر لأولئك الناس ومافيا الآثار في‮ ‬محافظة الجوف متواجدة وبشكل كبير وفيها عناصر أجنبية فهناك بلاغات تصل إلينا بوجود بعض الأشخاص من جنسيات‮ ‬غير‮ ‬يمنية‮ ‬يمتلكون أجهزة حديثة للتنقيب عن الآثار واكتشاف القطع الأثرية كما أن المخربين من أبناء الجوف على تعامل مع عناصر من دولة أجنبية‮.‬
محمية تاريخية
‮> ‬وحول رده على مزاعم بعض أبناء المحافظة بأنهم‮ ‬يحمون المواقع الأثرية أكد البركاني‮ ‬أن تلك العناصر لا تحمي‮ ‬المواقع بل تحمي‮ ‬مصالحها التي‮ ‬تجنيها من تلك المواقع التي‮ ‬اصبحت عندهم كالأراضي‮ ‬الزراعية‮ ‬ينهلون منها قطعا ويبيعونها ويترزقون من ورائها ولذلك هم‮ ‬يستبسلون في‮ ‬حمايتها‮.‬
وعن أهمية الجوف ومواقعها‮ ‬يقول البركاني‮: ‬الجوف برمتها كنز أثري‮ ‬متكامل تحوي‮ ‬مواقع أثرية كثيرة جدا لا تحصى ولا تعد هذه المواقع تحوي‮ ‬بين طياتها الكثير من الكنوز الحضارية التي‮ ‬تعود إلى حقب زمنية تعود لما قبل الاسلام ولعل الكثير من القطع الأثرية الموجودة في‮ ‬الهيئة أو تلك التي‮ ‬تباع في‮ ‬الأسواق السوداء هي‮ ‬من الجوف وهي‮ ‬قطع نادرة جدا ومتنوعة برونزية وذهبية وأشكالها جميلة جدا‮.‬
ودعا إلى ضرورة اعلان الجوف محمية تاريخية وتوفير حاميات عسكرية لحماية مواقعها الأثرية وما بقي‮ ‬بها من كنوز قبل أن‮ ‬يتم سرقة ما بقي‮ ‬منها‮.‬
وأكد البركاني‮ ‬أن أعمال التنقيبات الأثرية أو أي‮ ‬أعمال لهيئة الآثار في‮ ‬المحافظة متوقفة منذ ثمانينيات القرن الماضي‮ ‬ولعل أبرز المواقع في‮ ‬الجوف تتمثل في‮ »‬السوداوية‮- ‬البيضاء‮- ‬معين‮- ‬قرناو‮- ‬خربة همدان‮- ‬سحمنة‮« ‬وغيرها ولا‮ ‬يستطيع أي‮ ‬باحث أثري‮ ‬من الهيئة الدخول إلى تلك المواقع‮.‬

قد يعجبك ايضا