مدرسة المنافقين والحفاظ على أكبر المقت!!
- عبد العزيز البغدادي
في اعتقادي أن لليمن الحديث تجارب مريرة مع التنظير غير المقترن بالتطبيق والتنائي بين الأقوال والأفعال، ثورة 26 سبتمبر 1962م وضعت أهدافها الستة المعروفة شبه المتطابقة مع أهداف الثورة المصرية المغدورة التي تضعها صحيفتا الثورة و26سبتمبر في الصفحة الأولى بصورة دائمة لعلها تذكِّر بضرورة تطبيقها، ومع ذلك ظلت الهوة سحيقة بين النظرية والتطبيق ! ، وكانت حركة 13 يونيو التصحيحية محاولة جادة لإيجاد بعض التوازن بين أهداف سبتمبر وتطبيقها على أرض الواقع وكان لشخصية زعيم الحركة الشهيد إبراهيم الحمدي وبعض رفاقه أثرها في ذلك إلا أن محاولته تطبيق الهدف الأول الذي يعني التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما بمفهوم امتلاك السيادة الكاملة ، ما إن بدأ في التحرك نحو تطبيقه حتى تحركت قوى الثورة المضادة بكل أذرعها للإطاحة بالحركة في عنفوان شبابها, وارتقى رئيسها شهيداً على أيدي هذه القوى بعد ثلاث سنوات ونيف فقط ، لكنها كانت كافية لأن تخلده في ذاكرة اليمن واليمنيين على الأقل كزعيم حقيقي حل محله أحد قتلته كغطاء تكتيكي, ثم صعد قاتل آخر يقود نظام دام ثلاثة عقود وثلاث سنوات ذاق فيها اليمن من ويلات الفساد والإفساد المنظم ما يفوق التصور مقروناً بالمزايدات والتنظير بحيث كانت القطيعة التامة بين القول والممارسة على أشدها, وكل ذلك باسم الثورة والديمقراطية والوحدة والميثاق الوطني وسلسلة الانتخابات المزورة بتمويل وتوجيه سعودي وإدارة أمريكية, وليتبين في ما بعد أن ذلك هدفه قتل المبادئ بالشعارات ومسخ معنى الجمهورية لتكون النتيجة فقدان ثقة الشعب بكل القيم والمبادئ!! ؛
وفي فبراير 2011م خرج الشعب اليمني إلى الشارع للمطالبة برحيل النظام فسارعت نفس القوى للالتفاف على الثورة لتحويلها إلى ثورة مضادة بواسطة المبادرة السعودية المسماة بـ (المبادرة الخليجية) وأصبحت إلى جانب ما يسمى مخرجات الحوار الوطني منطلقاً نظرياً يضم لفيفاً من السذج والخبثاء كون معظمهم جيشاً من المرتزقة المتحالفين مع أحدث جيل من عملاء آل سعود وآل نهيان وأصبحوا ضمن أقذر عدوان حصل في التاريخ يرتدي ثوب ما يسمى بالشرعية وبمئات مليارات الدولارات المحسوبة عربية اشترى بها السلاح وجملة من القرارات المظللة الصادرة عما يسمى بالأمم المتحدة ومجلس الأمن والجامعة العربية (العبرية ), وهنا يتجلى أيضا عمق الهوة بين النظرية والتطبيق لمفهوم الشرعية والحوار وبين غايات الشرعية الحقيقية ومحتوى الحوار ونتائجه على الأرض كنماذج من أوجه الضياع للهوة السحيقة بين النظرية والتطبيق مع بقاء الضجيج الإعلامي وادعاء المنجزات في أعلى وتيرة والشعب والدولة في أسوأ الأحوال من الخراب والإفساد وقمع كل محاولة جادة للخروج من حالة المقت التي قال الله سبحانه وتعالى فيها (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) و(المقت الكبير هنا) هو البغض الشديد.
كل محطة من محطات محاولات إعادة الحُلم بالثورة والتوازن بين الأقوال والأفعال والانجرار وراء المطبلين والمزمرين ومستحلبي رؤوس الأنظمة عن طريق البهرجة والتهريج ودغدغة مكامن الضعف والغرور لدى الرؤساء وجذبهم للألقاب وتقليدهم الرتب ولو في أحلك الظروف وأشدها قساوة يقوم بذلك شرار الناس لاعتقادهم أنهم بذلك يخدرونهم فيشعروا بالرضى عمَّا نسب إليهم فعله ومن خلال الإعلام المضلل يدخلونهم سجن التنظير لبناء الدولة مستغلين مستوى قصور فهمهم للتفريق بين مفهوم بناء الدولة وبين تصحيح مسار بناء السلطة !،
نكرر مراراً لا نعاني من عدم وجود دولة كي نتحدث عن بنائها ونضيع الوقت والجهد والمال، اليمن دولة منذ آلاف السنين؛
إنما نعاني من فساد السلطة التي نستعين بخبرات دولتها العميقة في تضييع الوقت وصناعة التضليل كما فعل صناع ما تسمى مخرجات الحوار بالاستعانة بخبرات أجنبية, ونستهين بأهمية نوعية الإنسان البنّاء متجاهلين أن المبضع الملوث لا يصلح للقيام بعملية نظيفة!،
إننا بحاجة إلى قدر من الشعور بالمسؤولية والاقتناع التام والإيمان الحقيقي بما حذر منه الإمام علي كرّم الله وجهه فالاعتماد على الملوثين في وضع مشروع لبناء الدولة واستخدام وزراء نظام الفساد ومسؤوليه إنما يهدم الدول!!،
من خلال تصحيح تقويم مسار السلطة, نبني المؤسسات ونحمي كيان الدولة القائم ,وننمي قدرات المجتمع ويتمكن الشعب من تحقيق طموحاته, ولعل الشهيد الحمدي رحمة الله عليه قد أخطأ خطأً قاتلا حين استخدم بعض الفاسدين في حين كانت تحركاته مخالفة لتوجههم المرتبط بالسعودية, وحين خطى نحو محاولة استعادة حرية وسيادة اليمن بقي ظهره مكشوفاً ليؤخذ من مأمنه؛ ومع ذلك خلده قربه من الشعب وكثير من القرارات الفاعلة, في حين ذهب غيره بعد عقود من الحكم كسراب!
قرار الشهيد الحمدي الذي قضى بتنزيل رتبته من العميد إلى المقدم وجعلها أعلى رتبة في القوات المسلحة وأن تزال جميع الصور من على رؤوس الموظفين في الدوائر الحكومية وتستبدل بوضع لوحة تحمل عبارة (الله جل جلاله) وإلغاء جميع الألقاب في التخاطب الرسمي ، صاحب الجلالة ، والفخامة ، والمعالي ، والسمو واستبدالها بكلمة ( الأخ )!!، ألم يكن جديراً بمجلس النواب وهو الذي يفترض فيه المعرفة بالقوانين والنظم لأنه كما أظن مجلس للتشريع والرقابة أن يدرك أن هذا القرار ذا القيمة الكبيرة لا يزال قراراً ساري المفعول لعدم وجود قرار يلغيه طالما كنا دولة تتحدث عن بناء المؤسسات !
وأمام المجلس في ظروف العدوان مهام لها أهميتها في دعم القدرة الدفاعية لليمن, ومنها على سبيل المثال ما كررت الإشارة إليه وهو إصدار قرار من المجلس بأن اتفاقية جدة ومعاهدة الطائف بين اليمن والسعودية تعتبر لاغية بسبب عدوانها على اليمن، وسرعة إصدار قرار اعتبار عضوية أعضاء مجلس النواب الذين اجتمعوا في سيئون بحماية سعودية لاغية بقوة الدستور والقانون، وقرارات كثيرة يستطيع المجلس الموقر اتخاذها تدعم تماسك الجبهة الداخلية !،
كي نبني مؤسسات الدولة علينا أن نتجنب استمرار إدخال المجتمع في متاهة التنظير كوسيلة للتخدير كما فعل الفاسدون من قبل, وأن نحرص على القيام بخطوات عملية وصادقة وبناءة في إعادة الاعتبار للاستخدام السيئ للسلطة ووقف استباحة المال العام والوظيفة العامة الذي يتسابق عليها المتسابقون!؛
سلاح الفضيلة عنوانه
أن ترى الحقُّ حقاً
ويصحو ضميرك
فهل تستطيع؟!.