أنهت احتجاجات شعب السودان حكم عمر حسن البشير الذي وصل إلى قصر الرئاسة قبل 30 عاما على ظهر دبابة، وها هو يخرج منه اليوم على ظهر دبابة أيضا، ولكن إلى مصير مجهول.
فطوال 30 عاما، حكم البشير بلده مترامي الأطراف منفردا، فانقسم البلد إلى سودانين في عهده واستند إلى دعم “الإخوان المسلمين” ممثلين بالشيخ حسن الترابي، الذي وفر له الغطاء الأيديولوجي للحكم ولتسليم الثائر العالمي كارلوس لفرنسا.
لكن الترابي نفسه عاد وذاق مرارة طعم البشير، ومات وهو على قطيعة مع الرئيس الذي سار وراءه.
وانفرد البشير بالحكم بكل ما للكلمة من معنى، إذ أسكت الأحزاب السياسية وحولها إلى مومياوات، وشكل حزب المؤتمر الوطني، إطارا وحيدا للسلطة.
واستكمل حروب الجنوب وأنهاها بقبوله الانفصال بين الشمال والجنوب، استرضاء للغرب كي يصرف النظر عن تنفيذ مذكرة الجلب الدولية بحقه بعد إدانته بارتكاب جرائم حرب في دارفور.
تلك كانت حرب إبادة شنها رجال البشير من “الجنجويد” وراح ضحيتها أكثر من مليون قتيل وملايين المشردين. ومع قبوله صاغرا برغبة الغرب في إنشاء دولة مستقلة في جنوب السودان، ظل المشير يتنقل في طائرته بحرية دون أن يعترضه معترض.
لكن دور البشير انتهى على ما يبدو، وبدأ يفقد أصدقاءه على الساحة الإقليمية، بعدما تركه أعداؤه لمصيره.
هو تنقل في التحالف بين قطر والسعودية وأرسل قوات إلى اليمن لتشارك في التحالف العربي الذي تقوده دول العدوان على رأسها السعودية.
وفي فترة سابقة وثق علاقاته بالدوحة وعبرها استأجرت تركيا جزيرة سودانية لتقيم عليها مشاريع استثمارية.
وقبل ذلك، أقام البشير علاقات ممتازة مع إيران، وكان متهما في مرحلة بتسهيل دخول السلاح الإيراني إلى قطاع غزة عبر ممرات للتهريب في البحر الأحمر، وأغارت إسرائيل على قوافل داخل الأراضي السودانية بحجة أن وجهتها غزة.
لكن الثابت في علاقات البشير الإقليمية أنه لم يكن خلال فترة حكمه على وئام تام مع مصر وفي ساعات التوتر كان يبرز النزاع الحدودي على مثلث حلايب.
والبشير متهم بالتواطؤ مع إثيوبيا في قضية سد النهضة الذي تعتبر مصر أكبر المتضررين منه وكانت على الدوام هناك مراحل مد وجزر في العلاقات السودانية المصرية خلال حكم البشير.
ومن المهم التذكير بأن البشير قاد الانقلاب عام 1989م في فترة كانت الحكومة السودانية المدنية تتقارب مع مصر، وتردد آنذاك أن انقلاب البشير كان يهدف كذلك إلى منع التقارب بين السودان ومصر.
والجميع يذكر اتهامات الرئيس المصري السابق حسني مبارك لنظام البشير بإيواء الجماعات الإسلامية التي شنت حرب استنزاف على مصر في التسعينيات من القرن الماضي.
ونجا نظام البشير من موجة “الربيع العربي” في عام 2011، بفضل الدعم الخليجي له لكن ذلك تغير في الأعوام الأخيرة وبدأ البشير يعاني عزلة سياسية واقتصادية، انتهت باحتجاجات شعبية تطالب بتنحيه.
ومع اتساع حركة المعارضة الشعبية التي لم يردعها إعلان حال الطوارئ ولا التغيير الشكلي في أسماء الوزراء وحكام الأقاليم، تحرك الجيش ليقدم البشير كبش فداء، في محاولة لاستمرار المؤسسة العسكرية في الإمساك بالحكم.
ولذا فليس من قبيل الصدفة أن يواصل المتظاهرون اعتصامهم أمام مقر قيادة القوات المسلحة في الخرطوم، ويطالبوا بتسليم السلطة للشعب وبحماية الجيش لهم من قمع الشرطة.
والسؤال الآن: ما هو مصير البشير؟ الذي لن يكون ضيفا مرحبا به في الخارج، هذا إلا إذا كانت هناك “صفقة” تتضمن قبوله بالتنحي مقابل تأمين ملاذ آمن له في السعودية مثلا التي استضافت سلفه جعفر النميري قبل أن تقبل باستضافة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، في حين من المستبعد أن يستضيفه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وبين الخيارات الأخرى المحتملة، إقدام الجيش على اعتقال البشير وتقديمه للمحاكمة داخل البلاد على طريقة ما حدث مع مبارك.
أما أسوأ السيناريوهات فهي تلك التي قد تحمل رفاق الأمس على تسليم البشير للمحكمة الدولية تنفيذا لمذكرة الاعتقال بحقه.
وضع البشير قيد الإقامة الجبرية
أكد الفريق أول عوض بن عوف ترؤسه المجلس الانتقالي الذي أعلن الجيش تشكيله في السودان، واقتلاع النظام السابق والتحفظ على رأسه عمر البشير في مكان آمن حسب قوله.
ونقلت وسائل إعلام عن ابن زعيم المعارضة السودانية، الصادق المهدي قوله، أمس الخميس، إن الرئيس عمر البشير، وعددا من قيادات الإخوان المسلمين تحت الإقامة الجبرية.
البشير الآن أمام سيناريوهات سوداء أحلاها مر، فهل يواجه مصير بن علي أو مبارك أم يلقى مصيرا مشابها لمصير معمر القذافي وعلي عبد الله صالح؟ هذا ما سيكشف عنه الآتي من الأيام.