شعب الحضارات وأم الثورات
د. أسماء الشهاري
هل كُنّا قد نسينا أم أننا تناسينا؟
هي فترة مرت على الدهر كأنها لم تكن، لأننا نسينا فيها لهنيهةٍ من نكون؟
فمن غابر الزمن وسالف الدهر كنا نحن صانعي الحضارة ومهدها وكاتبي التاريخ، ومنشأ كل أنواع العلم والفنون.
كانت الأرض مرتعاً لملوكنا من أقصاها إلى أقصاها، نتبوأ منها ما نشاء وننحت الجبال بيوتاً ونُحيل السهول قصوراً ونصنع الأساطير، ونسالم من أردنا أو نضمه إلينا إن أردنا أن نُغير.
مرت على آبائنا وأجدادنا آلاف السنين وحضارتنا الضاربة في عمق التاريخ المتجذرة في غور الزمن تزداد ألقاً وتعملقاً في الشمال وفي اليمين، فما كادت تخلو المعمورة وكل المدائن إلا واليمني فيها فاتحٌ أو من الساكنين.
وهكذا حتى جاء نبي آخر الزمان ليكون لنا الدور الأول في الإيواء والإسكان، ومن بعد حملنا على عاتقنا فتح الأمصار وإيصال الدَّين إلى كل دارٍ ومكان، حتى أصبح العالم يفوحُ بعبقِ الأمن والإيمان.
كنّا نَحكُم ولا نُحكَم وإذا غزونا لا نُهزَم، وكنّا قِبلةُ المجد إليها يأوي وفيها يتيمم، وفي محراب عزتنا يصلي النصر وبآيات بطولاتنا الكرامة تترنم.
ومن غزانا دفناه، وتحت وطأتنا تشرذم.
وهكذا توالت الأيام وتعاقبت السنوات ونحن نرتقي في سلَّم المجد ونسطِّر المعجزات.
لكن مرت على الدهر أوقات كأنه كان في سُبات حين غابت شمسنا عن سماء المكرمات.
يوم تناسينا حمير وتبع وذي يزن، وبلقيس وأروى وزينب الشهارية، حتى يقال إن ذا القرنين كان من ملوك اليمن.
يوم عمَّ الظلام كل أرجاء الدنيا وكانت الكلمة العليا فيها للطغاة والمستكبرين، خفت صوت الحق وانطفأت من الدنيا أنوار اليقين.
لكن أنّى للبركان حتى وإن ظل ساكناً أن يخمُد فلا بد له أن يثور يوماً وينقلب على الظلم والظالمين.
فعندما كان الضعف والانكسار هو السائد على الأمة الإسلامية، كانت اليمن ترزح تحت الوصاية ومثقلٌ كاهلها بأغلال العبودية.
وصاية لدول عربية وغربية جمعت بينهم أطماع وأوضاع منها ضعف وضياع الأمة العربية.
لكن ليس للهوان هنا مكان مهما كان فلا تزال الدماء حرة حميرية.
ولو وقفنا للحظات مع الأوضاع قبل اندلاع أم الثورات المصححة لمسار الثورة والحرية، سنجد الفقر والجوع والاغتيال والتفجيرات والتردي في شتى المجالات البشرية، وأخطرها هيكلة الجيش وكل يوم جريمة بحق الرُتَب العسكرية، حتى لم تعد هناك أي سيادة للبلد، فقد أصبح تحت وصاية العملاء والأعداء وهم من يصنعون القرار حتى رأوا أن التشطير والتقسيم هو آخر خيار.!
وفي ظنهم أنه لن يمنعهم من ذلك أحد؛ لأن التجريع يوهن الناس ويضعف البلد.
وطالما الحكم بيد العملاء والأذيال فليسرعوا في تنفيذ القرار.
لكن أنّى ذلك لمن بنى أعظم حضارة لبني الإنسان، أن يجهل كيف يعيد الأمجاد إلى ذاكرة الزمان.
عندها قال للمجد كن وبإرادة الله وإرادته كان.
شعبٌ عظيم خرج كالطوفان دون تآنٍ وبكلِّ استبسالٍ وثباتٍ وإيمان، وقائدٌ حكيم تتفجر من بين عينيه وفي جبينه كل معاني الشموخ والعزة والعنفوان.
حتى النصر قد لاح من يمينه، وكيف لمثله حين يقول “حذاري” إلا أن تحلَّ اللعنة على كل عميلٍ ومعتدٍ وجبان.
وكأنَّ الدهر كان متعطشاً وظمآنا لتعود إلى شرايينه العزة ولتعلو راية النصر والإيمان، وكأنَّ القلوب كانت متلهفةً لتعانق المجد بعد أن غاب عنها طويلاً فقد حان وقته الآن.
وكأنَّ الأرض تُمطِرُ كما السماء، فتعلو كلمات أشجع الشجعان وخطابات بدر الزمان لترتجَّ لها السماء وتعود لتسكن في الأرض فتفيض عزةً لتعانق أرواحا وشطآنا.
فاليمني هيهات هيهات أن يَذِل أو يُهان، أو أن يرضى أن يظل راضخاً تحت الوصاية والارتهان.
وهكذا سقطت رموز الشر واندحرت قوى الإجرام والفساد والتي ظلت جاثمة على صدر هذا الشعب ردحاً من الزمان.
وكان ذلك كلمح البصر أو هو أقرب لمن فاق في تضحياته وشموخه الجبال ومُلئت نفسه عزةً وإيماناً.
فقد خرج الشعب كل الشعب بكل أطيافه وتوجهاته من كل أنحاء البلد؛ ليدق آخر مسمار في نعش الوصاية ويخبرها أنه قد حان الوقت لتغرب دون تأخير وللأبد.
حينها فقط استعاد موطن الحضارات وأصل العرب وقلعة المجد من لأجله أُلِف التاريخ دوره الرائد في صناعة المفاخر والمحامد.
ها هو اليمن الأبي يتنفس الصعداء حُرا، وها هو شعبه الصامد ينافس العلياء عُلوا.
في أم الثورات التي رسمت في جبين الدهر أسمى آيات العز والمكرمات.
هو النصر وهو ثمرة الصبر من بُذِلت في سبيله أغلى التضحيات.
وها هو اتفاق السلم والشراكة بإرادة يمنية خالصة من باركه العالم، وها هو وطن الحضارة ينافس في الارتقاء السبع السماوات.
ولأننا في المسار الصحيح، فقد حشد العالم الظالم كيده وآتانا وهو يصرخ ويصيح.
ولو كان غير ذلك لشككنا في عدالة الثورة وصوابية التصحيح.
فقلنا له:كُد كيدك واسعٙ سعيك فوالله أنّا لن نعود إلى وصايتك وقد خلقنا الله أحراراً، وعن جبهات العزة لن نولي الأدبار، وفي صناعة اليمن المجيد الجديد سنسعى ليلاً ونهاراً، ولن نرضى بغير ذلك، ولن نغير المسار، فاصنع ما شئت، ولكن ارتقب ردنا الذي تتزلزل منه أعتى عتاولة الكفر وأقوى جيوش الفجار، وأسلحتهم مهما بلغ بأسها تتهاوى أمام شدته بل تتلاشى وتنهار، و الدماء تجري من الأعداء كما الأنهار، فهو من نافسها في صناعة الأسلحة المتطورة حتى ولو كان تحت وطأة الحصار ومنها صواريخ بعيدة المدى شديدة الفتك بالأشرار، بل وصناعات تفوق المدى وتصعقُ العِدى ومنها طائرات بلا طيار، ليعرفوا من هو اليمني..فنحن وعد الله ونحن المدد والأنصار وجند طه المختار.
وما تغني العِبَر والنُذُر لمن اختار العمى على الإبصار، إلا أن تُعاد ممالك وإمارات إلى عهد البدايات وسابق عهد الديار، فتعود الصحراء صحراءً، ويعود من تطاول في البنيان إلى سابق العهد وسالف الزمان، وهذا عهد، فاليمني إن أراد شيئاً قال له: كُن.. وبأمر الله كان.