المشاريع الصغيرة والمتوسطة … تجربة اليابان

 

محمدعبدالمؤمن الشامي

فقدت اليابان جزءًا كبيرًا من سكانها خلال الحرب العالمية الثانية، منهم 210 آلاف شخص تقريبًا في كارثتي إلقاء القنابل النووية على مدينتي “هيروشيما”، و”نجازاكي” وبلغت خسائر اليابان الاقتصادية جراء الحرب نحو ربع ثروتها الوطنية، قضت الحرب على المكاسب التي جمعتها اليابان منذ عام 1868. ودمرت حوالي 40 % من المنشآت الصناعية ، والبنية التحتية، وعاد الإنتاج إلى مستويات قبل خمسة عشر عاما. لقد صدم الشعب من الدمار ، وضعت الولايات المتحدة كل ثقلها الحربي في اليابان لتتسبب في أكبر مجازر حربية في التاريخ الحديث!
بدأت اليابان من الصفر حتى أصبحت الآن في المجال الاقتصادي واحدة من أكثر الدول تقدمًا في العالم كل ذلك بفضل الاعتماد على قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في البداية، حيث بنت اليابان نهضتها الصناعية والاقتصادية معتمدة بالدرجة الأولى على المشاريع الصغيرة ، لتصبح التجربة اليابانية في مجال إقامة وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة واحدة من أغنى التجارب العالمية حتى أصبحت تلك المشاريع تمثل 99.7 % من عدد المشاريع في اليابان ويعمل فيها أكثر من 40 مليون عامل بنسبة 82 % من إجمالي القوى العاملة، هذا بالإضافة إلى مساهمتها بنسبة تصل لنحو 80 % من إجمالي الناتج المحلي. حيث أصبحت المشاريع الكبيرة ما هي إلا تجميع لإنتاج الصناعات الصغيرة التي تتكامل أفقيا ورأسياً وأمامياً وخلفياً مكونة فيما بينها تلك المشروعات الصناعية العملاقة.
أصبحت التجربة اليابانية من أهم التجارب العالمية التي أكدت أن تحقيق التنمية الاقتصادية ليس بالضرورة من خلال الشركات الضخمة، وإنما يتأتى من خلال المؤسسات الصغيرة و المتوسطة، التي تمثل النواة الأساسية لنمو وقوة الاقتصاد الياباني، فبالإضافة إلى تعدد الأنشطة التي تعمل بها و توفيرها للعديد من فرص العمل، فإن لها دور ريادي في الابتكار و خلق صناعات جديدة و تشجيع المنافسة، مما يؤدي إلى زيادة و تحسين جودة منتجاتها و بالتالي دعم تنافسيتها على الصعيدين المحلي و العالمي، كما انها تساعد على دعم وإحياء الحركة الاقتصادية في المناطق المختلفة.
انتهجت اليابان سياسة وطنية تستهدف توفير كافة المساعدات الفنية والتمويلية، والإدارية وحتى التسويقية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بوضعها في مجمع عنقودي يربط بين المصلحة الخاصة لتلك المؤسسات والمصلحة العامة للدولة، وقد حرصت اليابان في إطار اهتمامها بالمؤسسات الصغيرة و المتوسطة على وضع منهج متكامل لدعم هذه المؤسسات ارتكز على محاور أنظمة الدعم التمويلي تحظى المؤسسات الصغيرة و المتوسطة في اليابان بتعدد مصادر التمويل أهمها البنوك التجارية والهيئة القومية للتمويل وهيئة تمويل المشروعات الصغيرة نظام ضمان والقروض المقدمة للمؤسسات الصغيرة و المتوسطة.
واما الهيئة اليابانية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة فتقوم بدور الهيئة التنفيذية لسياسات الدولة الخاصة بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة ضمن محاور دعم المشروعات الناشئة التي تعتبرها اليابان اكتشافا لآفاق جديدة و منبعاً لصناعات رائدة، وتوجيه وتمويل المؤسسات من اجل تحديث أساليب العمل و الإنتاج من خلال توفير المساعدات المالية والخدمات الاستشارية. وإنشاء نظام خاص من أجل التأمين عن حالات التعثر والتخلف في سداد القرض وأقساطه، و توفير عدد من البرامج التدريبية المختلفة في تسعة مواقع بجميع أنحاء اليابان لتنمية الموارد البشرية وتأهيلها: وتوفير خدمات المعلومات و الدعم الفني اللازم لتحديث المؤسسات من اجل الوصول بمنتجاتها نحو العالمية، وتوفير برامج وأنظمة خاصة للحماية من الإفلاس الذي قد تتعرض له المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و يقوم هذا النظام بتغطية ما يقارب 400 ألف مؤسسة، وإتخاذ إجراءات خاصة بالإعفاء الضريبي نذكر منها: الإعفاء من ضريبة الدخل، ضريبة العقارات، تخفيض الضرائب على الأرباح غير الموزعة، فضلا على إتباع أنظمة ضريبية تشجع على الاستثمار في إدخال التكنولوجيا الحديثة وإنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المناطق النائية.
وعليه يجوز لنا القول إن نجاح تجربة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بفضل الاعتماد على قطاعالمؤسسة الصغيرة والمتوسطة ولعدة عوامل منها عدم اعتبار المشروعات الصغيرة والمتوسطة كياناً مستقلاً بذاته، بل هي مجموعة مترابطة ذات علاقات متداخلة يتم فيها التعاون والتنسيق بين مختلف المؤسسات الكبيرة والصغيرة، واقامة مناطق صناعية مع وجود تسويق جيد لمنتجات هذه المشروعات، وتمييز السياسات المالية والنقدية لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالمرونة والديناميكية وتوفير العناصر الكافية لها من طرف الجهات الحكومية وغير الحكومية، والاهتمام بالجانب التشريعي لتشكيل هيئة تساعد على نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتحفيز البحث العلمي المرتبط بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فضلا عن توفير التدريب اللازم للعاملين بهذه المؤسسات، وجود حملات توعوية للتعريف بأهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وأساليب تمويلها ودعمها الفني وتوعية الشباب لدمجهم في سوق العمل والمشاركة في التنمية الاقتصادية.
لذلك فإنه يجب علينا ان ندرك ما يحاك من مؤامرات ومخططات لإذلال الشعب والاستفادة من التجربة اليابانية وخصوصا في ظل العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي الغاشم على بلادنا والذي عمل على تدمير مقدرات الوطن وتعطيل كل مناحي الحياة وإيجاد حالة من العوز الاقتصادي لليمنيين ، واستهداف الاقتصاد اليمني وتدميره منذ بداية عدوانه، فإن هناك حاجة ماسة للاعتماد أكثر على المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتحقيق معدلات تشغيل مرتفعة ودعم الإنتاج المحلي، واتباع استراتيجيات للإحلال محل الواردات.
ولن يتأتى ذلك إلا من خلال اصلاح منظومة المشروعات الصغيرة والمتوسطة والاستفادة منها في التنمية الاقتصادية الشاملة في الفترة الراهنة، لعلاج المشكلات الاقتصادية، لذلك هو الأجدر بنا الاستفادة من التجربة اليابانية والتجارب الأخرى للعديد من الدول، وخاصة الآسيوية منها والتي نجحت في تكوين هذه المنظومة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي أصبحت ملجأ للكثير من الشباب الباحث عن العمل وفي تشغيل الكثير من العمالة الوطنية والاجنبية لديها.

قد يعجبك ايضا