مخالفة التوجه الاقتصادي الإسلامي (المتوازن) أدت إلى سيطرة أعداء الإسلام والمنافقين على الثروات الوطنية (2)

د. هشام محمد الجنيد

يقصد بمبدأ التوجه الاقتصادي الإسلامي (المتوازن): وجوب قيام الدولة بالتنمية الاقتصادية وبمشاركة مكونات القطاع الخاص بناء على الخطط والسياسات التي ترسمها الدولة وتحت رقابتها ورقابة الرأي العام . ويمكن القول إن هذا التوجه يعتمد على الأخذ بالتوجهين الرأسمالي والاشتراكي – فقط لناحية قيام الدولة والقطاع الخاص معا في البناء والتنمية الاقتصادية – شريطة الالتزام بجميع المبادئ الإسلامية الاقتصادية والمالية وفي ظل نظام سياسي ديني . قال الله تعالى في سورة الحديد ﴿آمِنوا بِاللَّهِ وَرَسولِهِ وَأَنفِقوا مِمّا جَعَلَكُم مُستَخلَفينَ فيهِ فَالَّذينَ آمَنوا مِنكُم وَأَنفَقوا لَهُم أَجرٌ كَبيرٌ﴾ الآية (7) . وقد شرح فقيه القرآن الكريم السيد المجاهد العلامة / بدر الدين بن أمير الدين الحوثي رضوان الله عليه في كتاب التيسير في التفسير في قول الله تعالى (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) شرح : (لأن الإنسان إذا أطاع الله في هذا الإيمان والإنفاق فسيوفق لطاعته في غيرها ومعنى مستخلفين أي أننا نخلف غيرنا في المال فكأنه للناس عامة إنما اللاحق يخلف السابق ويحوزه) انتهى . يتبين من الشرح أن الإنفاق في الآية الكريمة هو إنفاق عام تقوم به الدولة ، ومجالات الإنفاق غير محددة في الآية ، ما يعني أنها عامة تشمل كل مسئوليات الدولة الإنفاقية ، ومنها الإنفاق للمجهود الحربي (القتال في سبيل الله) ضد المعتدين دفاعا ونصرة للإسلام ، والإنفاق على مجالات التنمية الاقتصادية والاستثمار العام . ومن شروط المستخلفين على المال العام كما ورد في الشرح طاعة الله ورسوله، وأساس الطاعة هو الإيمان بالله ورسوله، وهو ما يجب أن تتوافر هذه الشروط لدى المستخلفين على المال العام من رأس الهرم الإداري للدولة إلى المستويات الدنيا، وتوافر هذه الشروط يعني ضمان الإخلاص في تدبير وظائف الإنفاق العام في مختلف مجالات البناء والتنمية.
وقول الله تعالى في سورة التوبة ﴿وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللَّهِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ﴾ نهاية الآية (34) . ومن كتاب التيسير في التفسير لفقيه القرآن الكريم العلامة السيد المجاهد / بدر الدين بن أمير الدين الحوثي رضوان الله عليه حول قول الله سبحانه وتعالى في هذه الآية : (وفي الآية الكريمة دلالة على وجوب الإنفاق في سبيل دين الله ، أي لحمايته أو نصرته أو حفظه أو نحو ذلك ، وهذا واجب غير الزكاة . والآية عامة لأهل البخل الذين يكنزون الذهب والفضة،، ..) انتهى. و (نحو ذلك) تفيد إلى جانب الإنفاق لأجل سلامة الدين بحمايته وحفظه ونصرته تفيد وجوب الإنفاق في مجالات أخرى ومنها الإنفاق في مجال الاستثمار الخاص وما شابه ذلك . و (أهل البخل) هم الذين يحتكرون المال (الادخار السالب) ولا ينفقونه لأجل سلامة الدين وتقوية كيان الدولة بزيادة عائدات الضرائب والمساهمة في بناء التنمية الاقتصادية وزيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي ، واستفادة المجتمع من خلال استثمار رأس المال في أنشطة انتاجية وخدمية . والكلمات : يكنزون ، الذهب ، الفضة تدل على حجم المال المؤدي إلى تحقيق منافع وواجبات في سبيل الله . ما يفهم ضمن مضامين هذه الآية الكريمة وجوب إنفاق الذين يمتلكون المال في مجالات الإنتاج والخدمات المختلفة وهي الأعمال الصالحة التي تعود بالمنفعة المجتمعية الشاملة قدر الإمكان وغيرها من الفوائد .
ويستنتج من الآيتين الكريمتين وجوب قيام الدولة بالاستثمار العام ، ومشاركة الفرد / القطاع الخاص بالاستثمار الخاص يستنتج مبدأ التوجه الاقتصادي المتوازن بتسخير الإنفاق العام والإنفاق الخاص في المجالات التنموية والاقتصادية التي يستفيد منها الدولة والفرد والمجتمع وغيرها من مجالات الإنفاق الجهادية . وقد كان هذا التوجه في ظل النظام السابق غائبا نتيجة اتباع النظام فلسفة التوجه الاقتصادي وفق النظام الرأسمالي بنهجه توجه الحرية الاقتصادية على إثر توصيات وإكراهات الصندوق والبنك الدوليين. ونتج عن هذه التوجهات اللاوطنية المخالفة لمبدأ التوجه الاقتصادي المتوازن في ظل نظام رأسمالي احتكاري وفي ظل نظام سياسي عميل نتج مساوئ مزمنة اقتصادية ومالية وتجارية واجتماعية أبرزها سيطرة الأعداء والمنافقين في السلطة على الثروات النفطية والغازية والسمكية والمعدنية ، بنية اقتصادية ضعيفة ومفككة ،عجز مزمن في ميزانية الدولة والميزان التجاري ، احتياطي زهيد جدا للعملات الأجنبية لدى البنك المركزي ، تكريس ظاهرة الفقر وتحت خط الفقر لغالبية السكان .
بأيدينا دستور إلهي وباللغة العربية ، ولم نعمل به !! . وفيه كل مبادئ مناهج الحياة . ومع ذلك اتبعنا مسارات الأعداء بدعوى ما يسمى مبدأ فصل الدين عن الدولة . والأعداء اليهود يدركون أهمية اتباع المؤمنين منهج القرآن وما سيترتب عليه من دولة عادلة قوية في مختلف المجالات ، دولة تجول أساطيلها في كل بحار العالم . قال الله تعالى في سورة الأعراف (ودرسوا ما فيه) من الآية (169) . فكلمة (ودرسوا) تدل على إدراك وعلم اليهود بمضمون مناهج العلوم المختلفة للكتاب / للكتب السماوية ، لكنهم لا يتقون الله ولا يقولون الحق . ونحن العرب ننطق اللغة العربية ولم ندرك ونسير على هدي القرآن في كل علومه، بل وصل الأمر إلى حد يقين العامة وكثير من المثقفين ومن حاملي المؤهلات العلمية نتيجة التضلبل الديني بفصل الدين عن السياسة وعن الاقتصاد وعن غيرهما من العلوم . على ماذا تدل هذه المفارقة ؟ .
ولا سبيل للمحافظة على الثروات الوطنية ومعالجة ظاهرة الفقر في ظل نظام عميل ، رغم أن المعارضة السياسية الوطنية كانت تهدف إلى تدبير الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية وغيرها وفق المسار الديني وعلى أساس الاستقلال . وهو الأمر الذي أدى بالأنظمة العدوانية والمنافقين في السلطة والمنافقين من مختلف الأطياف السياسية إلى المماطلة وإلى إفشال الحوار الوطني وفق الرؤية الوطنية السياسية والاقتصادية المستقلة ، وإلى استخدام أساليب التفجيرات والاغتيالات ، وإلى إظهار أساليب الخيانة المبطنة لإدخال البلد في نفق مظلم من الحروب الغير منقطعة . الأمر الذي أدى إلى قيام ثورة سبتمبرية عظمى في 2014م ليستقل اليمن في قراره السياسي بقيادة المجاهد العلم مولانا قائد الثورة السيد / عبدالملك بدر الدين الحوثي نصره الله ، للسير على مبادئ وتعليمات القرآن الكريم ، ومنها المبادئ الاقتصادية والمالية والسير على مبدأ التوجه الاقتصادي المتوازن بوجوب حضور الدولة والفرد (القطاع الخاص) في البناء التنموي والاقتصادي وفي إطار الخطط الاستراتيجية الوطنية للدولة في إطار المسيرة القرآنية ، وهو الأمر الذي على إثره شن العدوان السعودي الأمريكي الحرب على بلادنا في مارس 2015م . ما يتوجب القتال في سبيل والله لصد هذا العدوان الهمجي ولحماية الدين ونصرته والتوجه في البناء والإصلاح على أساسه. ولي النصر والتوفيق . نسأل الله أن ينصر إخواننا المجاهدين أبطال الجيش واللجان الشعبية والمقاومة الإسلامية في المنطقة على أعداء الإسلام والأوطان والإنسانية، إنه سميع الدعاء.

قد يعجبك ايضا