قمة شرم الشيخ.. قراءة في الشكل والمضمون

 

إيهاب شوقي

انعقاد قمة عربية أوروبية هو حدث لا يستهان به، أياً كانت الظروف الراهنة وملابساتها وتوازنات القوى وتعقيدات الأحداث.
لماذا؟ وما هي الدلالات المباشرة والتي لا تحتاج الى غوص في أسرار الكواليس؟
أولاً: قمة عربية أوروبية حول قضايا الشرق الأوسط، هي في حد ذاتها مؤشر لتراجع امريكي، كان اشبه بالوصاية المباشرة على العمل العربي والاوروبي. وحتى لو حملت دول بالقمة أجندة أمريكية في طيات ملفاتها، ولو حملت قلبا امريكيا في جوفها، فإن عنوان القمة هو سبق تاريخي يخرج امريكا ولو شكليا من الوصاية.
ثانياً: ملابسات القمة وتمثيل الحضور فيها وبيانها الختامي يحمل هو الآخر دلالات هامة، منها:
1ـ عدم حضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (الحاكم الفعلي للمملكة).
2ـ البيان الختامي للقمة والذي شهد اعتراضا سعوديا على تجاهل تعديلات وصياغات “أيا كانت فحواها” يدل على تراجع نفوذ المملكة على مستوى جامعة الدول العربية والتي لم تكن لتجرؤ على تجاوز النفوذ السعودي في السنوات الاخيرة.
3ـ بخصوص البيان الختامي أيضا فإن تجاهل تعديلات السعودية والإمارات والبحرين، يقول ان الثلاثة في مركب واحد وان غياب محمد بن زايد أيضا له دلالات وان ثمة ارتباطا ما بين غياب بن زايد وغياب بن سلمان وتراجع نفوذهما.
4ـ يشي الخطاب السعودي الرسمي والذي قرأه الملك سلمان، بانفصال عن روح القمة التي لم تكن حربا على إيران كما كان مقررا أن يكون مؤتمر “وارسو”، وهذا الانفصال ليس مجرد خروج عن جدول الأعمال وإنما خروج عن الحدود الدنيا للتفاهم بين العرب والاوروبيين، وأن المستقبل القريب للتفاهمات السياسية في المنطقة سيلفظ هذه الخطابات وأصحابها، وهي عزلة مضافة للسعودية وامريكا.
5ـ يعكس المؤتمر صعودا مطلوبا للدور المصري واستقلالا نسبيا عن السعودية والامارات، بدأ منذ مؤتمر “وارسو”، ونرجو أن يستمر هذا الصعود لحين استعادة كامل الدور المصري بعد سنوات صعبة كان فيها تابعا بشكل لا يليق بمصر، وبشكل تسبب في انهيار العمل العربي وتسليمه لقيادة سعودية هوت به الى حفر عميقة من النيران.
بعيدا عن التفاؤل والتشاؤم والمجازفات التحليلية، هناك تغيرات لا لبس فيها، حتى وإن كانت شكلية فهي بمثابة تطورات هامة.
اما من حيث المضمون، فإن الخروج من الوضع الراهن البائس لوضع أفضل سيعتمد على سرعة إيقاع الانسلاخ من الوصاية السعودية والامريكية على الجانبين، العربي والاوروبي.
والسؤال هنا: هل تستطيع أوروبا التنسيق مع العرب بمعزل عن الثنائي الامريكي السعودي وفي الخلفية ظلال العدو الصهيوني؟
الإجابة تبدو معقدة نسبيا، بسبب أن أوروبا ليست كتلة واحدة وكذلك العرب، كما أن هناك تفاوتاً في امكانيات الاستقلال وفقا للقوى الداخلية لكل دولة.
فمصر التي ينبغي لها استعادة دورها، ترهن اقتصادها بالغرب، ولا تزال ترهن استقلال القرارات السياسية الكبرى بالسعودية، وان بدا تمايز فهو اقل من استقلال للقرار وأكبر من تبعية كاملة، ولكن هذا الهامش يتسع منذ لجوء السعودية لسياسات جديدة تشكل خطرا فعليا على مصر لو اتبعتها بشكل اعمى، وبالتالي فإنه من المتوقع ان تزداد الفجوة اتساعا بين السياسات المصرية والسعودية، كلما اتسعت العزلة السعودية دوليا وما يصاحبها من لجوء لسياسات انتحارية وتقارب ألصق مع المشروع الصهيو امريكي.
واوروبا ليست أفضل حالا من العرب، فهي تعاني من الوصاية الامريكية التي تورطها في سياسة العقوبات والحصار بما يهدد اقتصادياتها من جهة، وأيضا يدخلها في عداءات عسكرية خطرة على أمنها من جهة أخرى، وترى أوروبا امريكا تنسحب من ملفات ورطت اوروبا بها، وفي حين تسرق أمريكا الذهب الفنزويلي والسوري عبر حملة بطائراتها في صفقات مع “داعش”، فإن أوروبا لا تخرج بشيء سوى التورط السياسي!
والمخرج الأوروبي من الوصاية مرهون بالتعامل مع العرب في إطار سياسة مستقلة عن أمريكا، وهو ربما ما كان دافعا لقمة عربية أوروبية تستكشف النوايا وامكانية حدوث هذا التنسيق المستقل.
هنا لا نجد حلا سوى إقامة تكتل عربي يستبعد القيادة السعودية له، أو على الأقل يقوم بتهذيبها واجبارها على مسار هذا التكتل وعدم الخضوع لنفوذ السعودية وتوجهاتها الراهنة، وهذا التكتل لو نجح في خلق حالة من الاستقلال عن امريكا والسعودية والعدو الاسرائيلي، فإنه سيغير توازنات المنطقة، وربما التوازن الاوراسي والعالمي كله.
هي ارادات سياسية نرجو أن تبقى، لا أن يكون الشكل هو المستهدف لتجاوز أزمات داخلية متعلقة بأوضاع سياسية متأزمة داخل البلاد العربية.
* كاتب مصري

قد يعجبك ايضا