إبراهيم سنجاب
مر أكثر من شهر ونصف على توقيع اتفاقية ستوكهولم التي تتعلق بالأسرى وإعادة تشغيل ميناء الحديدة , وما زال تنفيذ ما ورد بها يبدو لغزا رغم أنه لم يقترب بعد من عمق الأزمة اليمنية . وفى 26 مارس القادم يكون قد مرعلى بدء العدوان على اليمن 4 سنوات أضف إليها 4 سنوات سابقة منذ ثورة فبراير 2011 أي أن اليمن بخريطته المعروفة قد أصبح دولة بلا ثورة وثورة بلا دولة منذ 8 سنوات .
وللتوثيق فقط فإن 14 فبراير2019 هو اليوم الذى تصدرت فيه الأحداث صورة لوزير خارجية اليمن (الشرعي ) خالد اليماني على يمين وزير خارجية أمريكا وعلى يسار رئيس وزراء اسرائيل , وبحضور وترتيب وزير خارجية السعودية عادل الجبير وأشقائه من دول مجلس التعاون الخليجي في مؤتمر وارسو الحائر في تسميته ما بين حصار ايران وتحقيق السلام والأمن للشرق الأوسط .
حملت الأنباء أن ( المايك ) الذى يتحدث من خلاله نتنياهو قد تعطل فتكرم وزير خارجية اليمن خالد اليماني بإعطائه المايك الخاص به وأن رئيس وزراء اسرائيل عقب على هذا التصرف فقال : هذه بداية التعاون بين اليمن واسرائيل خطوة بخطوة . بينما علق مساعد وزير الخارجية الأمريكي جيسون جرينبلات بالقول : لحظة تشرح القلب من المذهل أن تكون جالسا على بعد مسافة قصيرة من وزراء خارجية اليمن والسعودية وقطر وعمان والبحرين والامارات ونتانياهو مضيفا – آخرون هنا هنا أيضا أجروا حديثا صريحا حول التحديات الإقليمية العديدة .
ماذا تريدني أن أفهم ؟
في مؤتمرات كهذه هناك رسائل يتم توقيعها دون تصريحات دبلوماسية ربما تكون على هيئة صورة أو سلام أو عناق أو نظرة إلى الكاميرا أثناء إلقاء أحد المتحدثين لكلمته ربما ساخطة وربما حميمة أحيانا تكون ازدراء واحتقارا أو توقيرا وإجلالا الغاية أن المشاهد أو المتابع يفهم منها موقفا أو حتى لا موقف . لدي مئات الأمثلة وأعتقد أن من يقرأ هذه السطور يستطيع أن يجد مئات وربما آلاف الأمثلة على ما أقول ولكن !
ما الذى فهمته ؟
أنا ممن يعتقدون في نظرية المؤامرة التي تنكرها نخبتنا العرب استكبارا واستعلاء باعتبارهم أولياء الفكر والفهم على المترفعين الزاهدين في إعلامهم و برامجهم , مهما امتكلوا من ساعات بث مغرية وحضور فضائي تخر له جباه كهنة المعابد ، ومغريات مالية تضع ضميرك تحت نعل حذائك.
مبدئيا فإن خالد اليماني ( الشرعي ) ليس هو الشخص الذى يستحق في وصف تصرفاته وتصريحاته ووصف هيئته ومظهره مئات الكلمات بل ربما العشرات لا هو ولا رئيسه ( الشرعي ) فالرجلان معا لم يقولا طوال سنوات عمريهما السياسية أو التنفيذية ما يلتفت إليه , ليس تقليلا من قيمتيهما كبشر ولكن احقاقا للحق فقط فإن كليهما معا أو كلا على حدة لا يمكن إلا أن يكونا ( لا شيء ) . لم يقدما شيئا لليمن وغياب أحدهما أو حضوره لا يعبر إلا عن لسان به عقدة طلب النبي موسى من ربه أن يحلها , كلاهما ابن صدفة تاريخية ساقطة نادرا ما تتكرر في حياة الشعوب .
ما الذى فهمته ؟
ربما يكون قد تم الترتيب له جيدا – وولا يمكن أن تكون مصادفة – ولكن تعطل مايك نتنياهو ومبادرة اليماني ( الشرعي ) بإعطائه المايك الخاص به بالنسبة لي يشير إلى أن شرعية الفنادق وبحضور توقيع عربي خليجي جعل السعودي والاماراتي والعماني والبحريني يجالسون القطري في تأدب في وارسو , وهم ممنوعون من ذلك في عواصمهم . أقول أن الذى فهمته هو أن اسرائيل ستتولى قيادة تحالف الشرعية المزيفة سياسيا وإعلاميا وربما عسكريا علنا وليس سرا كما جرى منذ بدء الحرب , بديلا عن التحالف الذي قيل أنه عربي وهذا أمر لو تعلمون خطير .
هذا ما فهمته ويمكن لكل من يقرأ هذه السطور أن يفهمها كما يريد وفي الأيام والأسابيع القليلة القادمة سنتابع معا علاقة (شرعية الفنادق باسرائيل ) وما كان سرا ربما نراه ونسمعه علنا ولا مجال أمامنا لا أنا ولا أنت لكي نغمض أعيننا أو نصم آذاننا , أما الكلام فقليل منا سيصمت مضطرا أو تأملا ودراسة والكثيرون بإمكانه الكلام حتى لو كان سيطحن رملا .
لماذا إسرائيل الآن ؟
قبل كل شيء وبعده يأتي الصمود اليمني المذهل وغير المتوقع على مدى السنوات الأربع الماضية ثم فوبيا إيران ودعمها للحوثي ومؤامرة صفقة القرن لفلسطين التي لم تحضر مؤتمر وارسو وانتباه الرأي العام العالمي للانتهاكات والفظائع التي ارتكبها التحالف في اليمن ثم المأساة الانسانية التي يتعرض لها 20 مليون يمني من بين 24 مليونا هم عدد سكان البلدة الطيبة والرب الغفور .
وفى التفاصيل فإن إيران التي سلمتها أمريكا مصير أفغانستان والعراق ثم انسحبت أمامها من سوريا هي الهدف البديل الذى طرحته الصهيونية العالمية أمام العرب والأعراب لتمرير صفقة القرن بحجة التحالف السني أمام النزعة الشيعية تارة وبحجة النووي الإيراني المقلق للمسلمين العرب تارة خرى وكأن اليهودة مذهب اسلامي والنووي الاسرائيلي سلاح ردع عربي !
أما إعلان الحرب على اليمن لوقف دعمها للحوثي فحجة واهية , فالذي يبحث عن ايران في اليمن يبدو كالأعمى لا يرى الشمس تشرق على العراق حيث أن الايرانيين يديرون معارك شرسة على مقربة من قواعد الجنود الأمريكان ، ولا يراها تغرب عن الجنود الإيرانيين في سوريا باتفاق تعاون استراتيجي موثق في الأمم المتحدة .
إن كانت مسرحية وارسو من أجل فلسطين فإن مندوبا عن فلسطين لم يحضرها , وإن كانت لعزل إيران فإن إيران محاصرة بالفعل , و رغم حضور مندوبي 60 دولة لهذه الفعالية إلا أنه لم يبرز من بينهم إلا ممثلو أمريكا وإسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي باستثناء الكويت , أما الحضور اليمنى ممثلا في وزير خارجية (الشرعية) خالد اليماني فقد سرق كل الكاميرات كما يقال في عالم السينما – بالتأكيد أريد له ذلك – كما أريد له ولشرعيته من قبل أن تكون حاضرة حضور المتسولين الذين يحضرون القسمة فيرزقون .
نفس الدور الخياني
يبرر اليماني الشرعي حضوره الفعالية لكي يساهم في الحشد ضد إيران التي تطيح في العالم شرا وكأنه كان بإمكانه الرفض , ويزايد فيقول إن شرعيته لن تتنازل عن دعم الحق الفلسطيني , ولا أعرف من أين استمد هذا المنطق وهو وشرعيته وهم لا يملكون قرارا في اختيار الفندق الذي سينزلون فيه في كل العواصم بما فيها عاصمة شرعيتهم .
ويبرر حشره على مقعده بين رئيس وزراء اسرائيل ووزير خارجية أمريكا بأنه عمل بروتوكولي , ولم يسأل نفسه إن لم يجلس هنا مرتزقا فمن سيجلس ؟ هل سيجلس الوزير السعودي عادل الجبير الذي أعلن الحرب على اليمن من واشنطن ؟أم سيجلس الإماراتي أو القطري أو البحريني ,وكلهم يرتبون لشرق عربي – صهيوني جديد تتولى اسرائيل فيه قيادة المنطقة وتتحكم في مصائر شعوبها واستقرار أنظمتها .
مجمل القول أن اليماني (الشرعي ) المرتزق بتبرير قتل شعبه وتجويعه وحصاره أدى في احتفالية وارسو نفس الدور الذي تم تدريبه عليه , إذ جيء به باعتباره صوتا عربيا يتنازل عن القدس التي قيل إنها قضية العرب الأولى كذبا وبهتانا من قبل , وليبصم على صفقة -القرون – وليفوض نتنياهو لقيادة العرب في مواجهة محتملة مع إيران من غير المستبعد أن يكون وقودها متطوعين مرتزقة يمنيين من أولئك الذين قبلوا على أنفسهم المشاركة بقتل الرجال والنساء في بلدهم .
كنت وكان غيرى مستعدين لتفهم حضور اليماني ( الشرعي ) لفعالية الخيانة هذه لو كان قادة الخليج قد أوفوا بوعدهم بضم اليمن بحكومته ( الشرعية ) ولو بصفة مراقب إلى مجلس التعاون لينال شيئا مما يحفظ به ماء الوجه ,ويبدو الأمر وكأنه التزام جماعي بمقررات قمم خليجية , إن لم تعقد علنا فإنها معقودة سرا منذ عشرات السنين , قمم تمهد لتقبل الشعوب العربية للشريك الصهيوني بعد 70 عاما , ولكن حتى هذه لم تحدث.
وكان الأمر سيمر مرور الكرام لو أن اليماني ( الشرعي ) توارى خلف الصفوف كما هو موقعه ,فكثيرون غيره حضروا خجلا أو طمعا ولم يسمع لهم صوتا ولم تنشر لهم صورة , ولكن الذى حشره بين خبيثين -أمريكي وصهيوني -أراد أن يقدمه وليمة أعدها جبان لبلطجية ,فاستسلم المرتزق لمصيره ولم يقاوم , وهو الذي لم يسأل نفسه , مالذي بيدي لأقدمه لبلادي حتى أشارك في تقديم أي شيء للآخرين , إنها الصورة أيها المرتزق الوليمة , ومثلك لا يدري كيف ستثمنها تل أبيب وماذا ستصنع بها واشتطن .!
والخلاصة
في الأفلام المصرية القديمة لا يظهر زعيم العصابة أمام الكاميرا حتى اللحظات الأخيرة وإن كان يدير الأحداث طوال الفيلم وهو ما نراه الآن في الساحة اليمنية , ففي البداية فشل صبية جماعات الارهاب المسلح التي قتلت البروفيسور شرف الدين وعبد الكريم الخيواني بعد ثورة سبتمبر 2014 , وفى المنتصف فشل الساحر والأفاعي أثناء العدوان , ثم فشل العدوان نفسه في تحقيق أهدافه , فجاءت اللحظة التي يعلن فيها زعيم العصابة عن نفسه في حضور البلطجية والصبية وهو ما فعله الصبي اليماني مع زعيم العصابة نتنياهو بالضبط .
وإذا كان اليماني ( الشرعي ) قد أعطى المايك الخاص به لنتنياهو في لقطة سينمائية , فرح بها الأمريكي وابتسم لها الخليجي وتقبلها الصهيوني , فلا معنى لذلك إلا أن تكون شرعية الفنادق والخليجيين معا قد أعطوا لإسرائيل تفويضا لتظهر وهي المختفية في العدوان على اليمن , ولتتبنى وهي العاقر شرعية الفنادق وادارة ما بقي من الصراع على شواطئ جنوب الجزيرة العربية التي استعصت على كل الغزاة .
*كاتب وصحفي مصري