حروب أمريكا الخاسرة..من فيتنام الى سوريا واليمن

 

احمد الحبيشي

رفض الرئيس السوري حافظ الأسد الانخراط في نهج التسويات القائمة على التفريط بالقضية الفلسطينية والتنازل عن مبادئ الصراع العربي الاسرائيلي ، وأصرّ على عدم توقيع أي اتفاقيات مع اسرايل تنطوي على حلول استسلامية واعتراف مباشر بالكيان الصهيوني الغاصب للأراضي العربية والفلسطينية بدون تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بشأنها.
الثابت ان هذا الموقف تسبب في تعاظم المؤامرات والضغوط على سوريا بهدف تغيير مواقفها ، وكان الغزو الاسرائيلي للبنان وإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان والأردن وخروج مصر من ميدان الصراع العربي الاسرائيلي بعد التوقيع على معاهدة كامب ديفيد واعترافها باسرائيل ، قد أدّى الى اختلال موازين القوى في غير صالح سوريا ، ووصول التآمر المباشر ضدها الى الداخل السوري من خلال توظيف الاخوان المسلمين في تخريب الجبهة الداخلية ومحاولة اغتيال الرئيس حافظ الأسد ، وصولا الى محاولة إثارة النعرات الطائفية وتفجير المواجهة المسلحة مع الدولة السورية في حمص وحماه وحلب عام ١٩٨٢ ، بهدف تقسيم سوريا وتمزيق الوحدة الوطنية للشعب السوري.
سعى الرئيس السوري الى تشكيل جبهة ممانعة قوية ضد المشاريع الأمريكية الصهيونية من خلال التحالف مع الثورة الإيرانية واستقطابها الى لبنان ، وانشاء جبهة مقاومة لبنانية فلسطينية عربية اسلامية بدعم سياسي وعسكري سوري وايراني ، حيث جاء تشكيل حزب الله والهجوم عل قوات البحرية الأمريكية (المارينز) ومنعها من الانزال الحربي في شواطئ بيروت بموازاة العدوان الاسرائيلي على لبنان ، ومحاصرة بيروت ليفتح مرحلة جديدة من الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة ضد المخططات الاستسلامية التي تقودها أمريكا واسرائيل ، بعد تكبيد قوات المارينز الأميركية في بيروت أكثر من ثلاثمائة مائة قتيل وجريح.
هكذا أصبجت سوريا هدفا محوريا للهجوم الأميركي الصهيوني على المنطقة العربية بشكل عام ، ومحور المقاومة والممانعة الذي يضم سوريا وفصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله وايران بشكل خاص.
في هذا السياق انعقد في سالزبورغ عام 2005 ملتقى استراتيجي برئاسة وزيرة الخارجية كونداليز رايس شارك فيه عدد كبير من المفكرين الاستراتيجيين وخبراء الاستخبارات في حلف الناتو ، وشارك فيه كل من :
الفيلسوف اليهودي الأمريكي البريطاني برنارد لويس ، هنري كيسنجر ، زنبيجيو بريجنسكي ، توني بلير ، كونداليزا رايس ، مادلين أولبرايت ، برنارد هنري ليفي ، إيهود يعاري ، روبيرتا بينوتي، رالف بيترز ، جوليو اندريوتي ، جوزيف ناي ،جورج سورس، جارد كوهين ، وليام نافت ، ومهندس الثورات الملوّنة في البلقان والشرق الأوسط جين شارب ، وحضر في نهاية الملتقى بناءً على طلبهم كل من حميد الأحمر من اليمن وفؤاد عجمي من العراق وميشيل فيكو من سوريا وعلاء الأسواني من مصر.
ترأس هذا الملتقى المستشرق برنارد لويس حيث أقر المجتمعون اعتماد خطة جين شارب لتفجير ثورات ملوّنة في عدد من الدول العربية المحورية وفي مقدمتها سوريا وليبيا ومصر والجزائر واليمن، وصولا الى بناء شرق أوسط جديد بعد تفكيك بعض الدول والجيوش العربية الى كانتونات وميليشيات متناحرة.
مر تنفيذ مخرجات ملتقى سالزبورغ بمرحلتين: الأولى من خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006 ، والثانية من خلال قيام أوباما بالتمهيد لما تُسمى ثورات الربيع العربي في خطابه بجامعة القاهرة أواخر عام 2010 ، والثانية في نهاية عهده عندما خطّط مع وزير خارجيته جون كيري لإعلان شن العدوان السعودي الأميركي على اليمن من واشنطن!!
في ملتقى سالزبورغ تم وضع خارطة القوى الاجتماعية والتيارات الفكرية التي يحتاجها مخطط تفجير الثورات الملوّنة في الشرق الأوسط ، حيث وصف المستشرق اليهودي الأميركي البريطاني برنارد لويس أفكار بن تيميه والوهابية بأنها تمثِّل (الكرت الذهبي) لتفكيك الشرق الاوسط ومحاصرة ايران و روسيا الاتحادية؟
وبالعوده الى الخارطة التي تقدم بها برنالد لويس الى الكونجرس الامريكي عام 1981 في عهد ريجان بعد غزو الاتحاد السوفيتي لافغانستان ، بما في ذلك فكرته عن ان الشرق الاوسط هو المحيط الجيو سياسي للاتحاد السوفيتي، يتضح أن تفكيك الشرق الاوسط كان خطوة ضروريه لمحاصرة الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت ومن بعده روسيا ومحيطها الأوراسي، وان التفكيك لايكون بدون تمزيق وحدة النسيج الاجتماعي للمسلمين والعرب والمسيحيين في الشرق الاوسط حيث يمكن توظيف الجماعات المتطرفة التي تسترشد بأفكار ابن تيميه والوهابية السعودية لتنفيذ هذه المهمة.
في عام 1981 اقترح برنارد لويس فتح مدارس دينية خارج النظام التعليمي الرسمي في اليمن وشرق السعودية والصومال والسودان لتدريس افكار بن تيميه والوهّابية ، وقد ساهم برنارد لويس بوضع مناهج التعليم في هذه المدارس التي تولت دعمها ورعايتها رابطة العالم الاسلامي وهي منظمة سعودية غير حكومية تتبع هيئة كبار رجال الدين في السعودية.
ويبقى السؤال الجوهري : لماذا اختار الغرب تنظيم الاخوان المسلمين والجماعات الارهابية التي خرجت من جّبه هذه التنظيم لان يكونوا لاعبين اساسيين في ثورات الربيع العربي ، وصياغه خطط أخونة الشرق الاوسط كمقدمه لتفكيك دوله وجيوشه؟
في مطلع عام 2013م ، أي بعد عامين من ذلك الحوار الذي نشرته صحيفة ( الأهرام) المصرية مع الأستاذ محمد حسنين هيكل في ربيع عام 2011 ، عاد الرجل الى الحديث عن مستقبل مصر والشرق الأوسط بعد صعود الإخوان المسلمين وحلفائهم السلفيين الى سدة الحكم في مصر وتونس وليبيا واليمن ، حيث أوضح هيكل في سلسلة مقابلات أجرتها معه الإعلامية المصرية لميس الحديدي على شبكة cbc المصرية ، ان الولايات المتحدة تسعى منذ قيام دولة اسرائيل وانتشار الأفكار القومية والحركات الوطنية في المنطقة العربية ، الى تمكين الاخوان المسلمين من الوصول الى السلطة في الدول العربية ، لأن منطلقاتهم وتوجهاتهم الفكرية ، توفر أرضية أيديولوجية فعالة لمقاومة المشروع القومي الذي يعبئ الشعوب العربية بروح مقاومة الاستعمار ومواجهة اسرائيل وتحقيق الاستقلال والوحدة العربية ، ناهيك عن أن الإيديولوجيا الاسلامية لا تؤمن بفكرة الوطن والقومية العربية التي تهدد المصالح الأميركية والغربية واسرائيل معا .
وقال هيكل في تلك المقابلات انه لم يفاجأ بالدعم الكبير الذي قدمته الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي ، لما يمكن أن يسميه مشروع أخونة العالم العربي وليس فقط أخونة مصر ، لكنه تنبأ بسقوط هذا المشروع وفشله ، لأنه جاء الينا من الموروث الفقهي للعصور البعيدة ، ويعجز عن انتاج رؤية عصرية لبناء دولة مدنية حديثة لا تستمد هويتها من عصور ونظم حكم بالية ، وأحكام فقهية قديمة مضت ، بل تنتسب الى العصر الحديث والحضارة الحديثة والمجتمع الدولي الحديث ، والقانون الدولي الانساني والجنائي العام ، والميثاق العالمي لحقوق الانسان ، والعلاقات الدولية والمواثيق والاتفاقيات الدولية الحديثة في العالم المعاصر .
وفجّر هيكل في سلسلة المقابلات التي أجرتها معه السيدة لميس الحديدي على شبكة cbc المصرية قبل قيام ثورة 30 يونيو 2013 في مصر ، قنبلة جديدة عندما قال ان مشروع تمكين الاخوان المسلمين والجماعات السلفية من الوصول الى السلطة تحت مسمى الثورات الملونة ، لم يكن محصلة ما توصف اعلاميا بثورات (الربيع العربي) ، بل هي جزء من مخطط أميركي أوروبي اسرائيلي لتفكيك الدول والجيوش العربية ، وإعادة صياغة خارطة الشرق الأوسط على أسس دينية طائفية وأثنية وجهوية ، مشيرا الى أن هذا المخطط ليس وليد الأحداث والتحولات التي شهدتها بلدان الشرق الأوسط في أواخر ديسمبر 2010 م ، ومطلع عام 2011 م ،ولكنه تطبيق لمخطط أعده ملتقى سري انعقد في العاصمة النمساوية سالزبورج ،، تحت رعاية حلف الناتو عام 2005 ، وشارك فيه عدد كبير من المفكرين والباحثين الاستراتيحييين والقادة السياسيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة الأميركية ، وحزبي المحافظين والعمال في بريطانيا ، وأحزاب اليمين والوسط والاشتراكية الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي واسرائيل ، حيث شكل الملتقى لجنة لصياغة توصيات استراتيجية لحكومات دول الناتو تم تسمبتها ( وثيقة سالزبورغ ) على أن تحاط بالسرية ، فيما تم وصف أعضائها بلجنة (الحكماء العشرة ) برئاسة مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون .
وكشف هيكل النقاب عن ان ما قاده الى التعرف على مضمون وثيقة ( سالزبورغ ) هو تصريحات كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش ، بعد فشل العدوان الاسرائيلي على مواقع حزب الله في لبنان عام 2006 ، موضحا ان الأحزاب التي تتداول السلطة في دول الناتو ، لا تختلف برامجها الانتخابية حول المصالح القومية لبلدانها ، وتعتمد في سياساتها الخارجية على أهداف يتم بلورتها من خلال مؤسسات وجماعات ضغط ومراكز دراسات وبحوث استراتيجية ، وانجازات سابقة للحكومات المتعاقبة لا يجوز التفريط بها ، فيما تنحصر إختلافاتها على القضايا الداخلية وسبل تنمية الاقتصاد وتوفير فرص عمل للشباب وتحسين الضمان الاجتماعي والصحي ..
ومما له دلالة ان الولايات المتحدة الامريكية ودول حلف الناتو احاطت قرار الكونجرس الامريكي الذي قدمه المستشرق الامريكي برنارد لويس عام 1982 بالسرية ، ولم يتم الاعلان عنه آنذاك ، فيما تم الكشف عن مضامينه الرئيسية بعد ثلاثين عاما ـــ عقب قيام ماتسمى ثورات الربيع العربي ـــ من خلال الكتب والدراسات والتناولات الاعلامية في عام 2012م.
وفي الاتجاه نفسه تم احاطة ( وثيقة سالزبورغ ) التي حددت ملامح استراتيجية الفوضى الخلاقة لتفكيك دول وجيوش الشرق الاوسط ، بالسرية النسبية ايضا ، ولم يتم نشر هذه الوثيقة حتى الان ، على الرغم من تناول مضامينها في عدة كتب وابحاث وتناولات اعلامية في الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي وروسيا ومصر وايران والجزائر ، استنادا الى ما كشفته المخابرات الروسية وبعض مراكز الابحاث العالمية المناهضة للصهيونية والعولمة عام 2012م ، وهو نفس العام الذي تم فيه الكشف عن قرار الكونجرس الامريكي بشأن تفكيك دول وجيوش الشرق الاوسط عام 1982م .
واستنادا الى هذه المراجع التي بذلت جهدا كبيرا في متابعتها وترجمتها ، يمكن تلخيص ابرز ما جاء في هذه الوثيقة التي اعلنت مضمونها الرئيسي — لأول مرة — وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كوندليزا رايس ، بعد فشل العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006م ، على النحو التالي :
اولا : ضرورة تصفية مخلفات الحرب الباردة في هذه المنطقة وفي مقدمتها الدول والجيوش التي نشأت وتطورت في حقبة الكفاح ضد الاستعمار في الخمسينات والستينات بدعم من الاتحاد السوفيتي وفي مقدمتها الجزائر، مصر، ليبيا، سوريا، العراق و اليمن.
ثانياً : بناء شرق اوسط جديد لا يقوم على عوامل القومية والدين والموروث الفكري والسياسي لحقبة الحرب الباردة.
ثالثا : اشاعة الفوضى من خلال استخدام الجيل الرابع من الحروب ، واذا تعذر ذلك يمكن الاستعانة ايضا بالجيل الثاني من الحروب بشكل محدود.
رابعا : اشاعة ثقافة الكراهية بين الجماعات الدينية والعرقية والطائفية ، التي تضم مسيحيي الشرق الاوسط والسنّة والشيعة والبهائية والاسماعلية والنقشبندية والأباظية والزيدية ، واعاده تقسيم الشرق الاوسط الى كيانات جيوسياسية غير وطنية ، انطلاقا من تركيبة سكانية غير متجانسة .
خامسا : احياء الموروث الفقهي الديني لبعض المذاهب الاسلامية التي لا تعترف بفكرة الوطن ، وتسليح أتباعها وتمكينهم من اقامة كيانات جيوسياسية محلية ومغلقة ومعادية لفكرة الوطن والقومية العربية .
سادسا : احتواء النخب السياسية والثقافية اليسارية التي تَشكّلَ عقلُها السياسي والثقافي في حقبة الحرب الباردة ، ودمجها ضمن مفاعيل الفوضى الخلاقة.
سابعا : انشاء ودعم وتمويل وتدريب مؤسسات اعلامية ومنظمات مدنية غير تابعة للحكومات في الشرق الاوسط.
ثامنا : دعم وتمويل وسائل وطرق جديدة لنشر الفوضى من خلال التقنيات الحديثة للمعلومات والاتصالات.
تاسعا : زيادة فاعلية الصندوق الوطني للديمقراطية NED في الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوربي ، بمشاركه فعالة من الحكومة الامريكية وحكومات الاتحاد الأوروبي و دول الناتو والشركات في امريكا واروبا.
عاشرا : الانفتاح المحدود على بعض الفاعليات الاعلامية والسياسية والاجتماعية من الشباب في منطقة الشرق الاوسط، ومنحهم فرص الظهور العالمي من خلال الجوائز والشهادات التقديرية والمنديات الدولية .
احد عشر : تمويل وتصميم برامج لنشر الديمقراطية في الشرق الاوسط ، من قبل المنظمات غير الحكومية في الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوروبي ودول حلف الناتو تحت رعاية الصندوق الوطني للديمقراطية NED ومنظمة فريدم هاوس.
اثنا عشر : دعم وتمويل الابحاث الخاصة بتطوير تقنيات التواصل الاجتماعي عبر الانترنت ، و توظيفها في الدعاية والتحريض والحرب النفسية والتنظيم ، لزيادة تأثير المنظمات والمؤسسات غير الحكومية والحركات الاسلامية في الشرق الاوسط ، بعد استيعابها في برامج نشر الديمقراطية والفوضى الخلاقة.
ثالث عشر : دمج الدبلوماسية الدولية بالدبلوماسية الشعبية بما يكفل ممارسة ضغوط سياسية على الحكومات التي تتضرر من الفوضى الخلاقة، وتلجأ الى مقاومة مطالب التغيير الجديدة.
رابع عشر : انشاء ،ودعم شبكات اعلامية وقنوات فضائية حرة ومستقلة عن الحكومات ، وتغيير مفهوم الاعلام الحر فيما يتعلق بالعمليات التي تدخل ضمن مفاعيل الفوضى الخلاقة ، وتمكين الاعلام الحر وغير الحكومي ، من توجيه هذه العمليات، واضعاف تأثير الحكومات.
خامس عشر : بلورة خطط سياسية وعسكرية واعلامية لدول حلف الناتو وحكومات العالم الحر لتأمين الموارد الطبيعية والمضائق والخلجان والممرات المائية وطرق الملاحة التجارية في منطقة الشرق الأوسط ، وربط الاتجاه العام للفوضى الخلاقة بالمصالح الحيوية للعالم الحر في الخلجان والممرات المائية وطرق الملاحة التجارية (الخليج الفارسي، خليج عدن ، خليج السويس، خليج سرت، خليج العقبة ،مضيق هرمز، مضيق باب المندب، ومضيق قناة السويس).
سادس عشر : الاستفادة من خبرات التعاون بين اجهزة الاستخبارات الامريكية والاطلسية والسعودية والخليجية والاردنية والمغربية ، مع فروع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في الشرق الاوسط ، ورابطة العالم الاسلامي التابعة لجهاز الاستخبارات السعودية في حقبة مكافحة خطر انتشار الأفكار الشيوعية والافكار القومية العربية ، واستيعاب فروع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في الشرق الأوسط وناشطيها الذين درسوا في أميركا وأوروبا، ضمن برامج نشر الديمقراطية ، وتأهيلهم كتيار يميني محافظ يستلهم التجربة الديمقراطية التاريخية للأحزاب المسيحية المحافظة في العالم الحر ، واعطاء فروع هذه التنظيم وناشطيه دورا وظيفيا في عمليات نشر الفوضى الخلاقة ، ومساعدتهم للوصول الى السلطة، بما يخدم تفكيك الدول والجيوش القومية في الأنظمة الجمهورية ، واصلاح وتغيير نظم الحكم الملكية الوراثية الفاسدة والمطلقة ذات الطبيعة الدينية ، اينما كان ذلك ممكناً في منطقة الشرق الأوسط ..
سابع عشر : الاستثمار الجيد للمرجعيات والحواضن الفكرية والتنظيمية التي يوفرها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين لجماعات الاسلام السياسي الجهادية، وتوظيفها في مواجهة الدول والجيوش التي ولدت وتكونت بدعم سوفيتي في حقبة معاداة العالم الحر ، باعتبارها من اخطر مواريث ومخلفات الحرب الباردة، حيث لا يمكن بناء الشرق الاوسط الجديد بدون تفكيكها وتصفيتها.
ثامن عشر : احياء وتطوير الخبرات المكتسبة من الثورات الملوّنة التي حظيت بدعم سياسي واعلامي من اجهزة استخبارات العالم الحر، في المجر عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا عام 1968 وبولندا عام 1980 والصين عام 1988 ودول البلقان وجورجيا وأوكرانيا ودول المحيط الاوراسي في التسعينيات ، واغناؤها بمنجزات ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال.
تاسع عشر : استيعاب الحركات الاسلامية المعارضة في الشرق الاوسط ــ كحليف استراتيجي مستقبلي ــ والاستفادة من نشاطها السياسي والديني المعارض ، وتشجيعها على التمدد افقيا وعموديا في اوساط الشرائح الاجتماعية المحرومة من عائدات الموارد الطبيعية التي يذهب فائض قيمتها الى ماسمتهم ( وثيقة سالزبورغ ) النخب الحاكمة القديمة التي تمثل كبار قادة الدولة والجيش والامن ورجال الاعمال الفاسدين وزعماء العشائر ، على تربه الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها بلدان الشرق الاوسط.
واللافت للنظر ان ( وثيقة سالزبورغ ) شددت على ضرورة دمج اسرائيل وتركيا بالشرق الأوسط الجديد ، وتشجيع المنظمات ووسائل الاعلام غير الحكومية على تطبيع علاقاتها باسرائيل ، واعتبرت أن الدعوة للتعايش القائم بين الاقليات المسيحية والبهائية والسريانية والمسلمين بمختلف طوائفهم وأعراقهم في الشرق الاوسط ، تشكل الاساس الموضوعي لفكرة القومية العربية التي تنطلق منها نظرية الامن القومي العربي في مواجهة اسرائيل كدولة يهودية يرفض العرب التعايش معها .
ولعل كل ذلك يفسر قيام تنظيم داعش وتنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات الارهابيةــ كمنتج امريكي سعودي ــ بارتكاب جرائم ومذابح وحشية ضد هذه الاقليات الدينية والعرقية في سوريا والعراق ومصر ، وإجبارها على الرحيل والهجرة الى اوروبا ـــ وسط صمت امريكي وأوروبي ـــ بهدف القضاء على رابطة القومية العربية التي جمعت ولا زالت تجمع المسلمين والاقليات الدينية والطائفية العربية في الشرق الاوسط ،عبر مختلف مراحل نشوء وتطور الدول العربية المستقلة عن الاستعمار ، على نحو ماجرى ويجري من إثارة وتغذية ممنهجة للصراعات الدينية والطائفية والمذهبية في مصر وسوريا والعراق واليمن ، على تربة مشاريع الفوضى والتفكيك التي تم تدشينها عمليا من خلال ما تسمى (ثورات الربيع العربي عام 2011م) ، والتي كان المفكر الفرنسي الصهيوني برنارد هنري ليفي ــ وهو احد ابرز المشاركين في صياغة ( وثيقة سالزبورغ ) عام 2005 ــ عرابا ميدانيا لها في بعض العواصم العربية المنكوبة بمشاريع الفوضى والتفكيك.
في ضوء ما تقدم يمكن القول ان ظلال ومخاطر المخططات السياسية والعسكرية التي رسمتها الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها في اوروبا ومنطقة الخليج اثناء الحرب العراقية الايرانية ،وماسميت بحربي الخليج الثانية والثالثة ، لازالت قائمة حتى الآن ، حيث يشكل العدوان السعودي الامريكي على اليمن، امتدادا موضوعيا لمشروع اغراق المنطقة بالفوضى ، وتنفيذ مشاريع تفكيك الدول والجيوش الوطنية على اسس طائفية وعرقية وجهوية غير وطنية ، وصولا الى إخضاع الشرق الاوسط للهيمنة الامريكية والصهيونية الكاملة والمطلقة، وهو ماتقاومه الشعوب العربية وقواها الوطنية والقومية والاسلامية التي ترفض الخضوع والاستسلام للتدخلات الخارجية والوصاية الاجنبية ، وتخوض في مواجهتها معارك باسلة دفاعا عن هويتها الوطنية ، وحقوقها المشروعه في الحرية والسيادة والاستقلال والتطور المستقل .
في ضوء ماتقدم تعرفنا على الخطوط العامة لمخطط سالز بورغ وسنعرف الان كيف قادت الولايات المتحدة الامريكية عملية التنفيذ عندما قام اوباما بزيارة القاهرة عام 2010 وطلب زيارة جامعه القاهرة والقاء خطاب امام طلابها حيث اصر على مخالفة البروتوكول وعدم مرافقة الرئيس المصري له كما رفض مرافقة أي مسؤول مصري رفيع المستوى اثناء زيارته لجامعه القاهرة والحديث الى طلابها
قارنوا بين افكار سالز بورغ وخطاب اوباما التي دشن بها ثورات الربيع العربي بعد بضعه شهور من زيارته للقاهرة !!
بعد ان قامت ثورات الربيع العربي في الشرق الاوسط ماذا كان يقول الاعلام الامريكي اثناء تلك الاحداث .
الاعلام الامريكي يتكلم بوضوح عن ازمات اقتصادية وامنية عالمية تشير الى ان مايجري في الشرق الاوسط هي بداية الطريق الى حرب عالمية ثالثة تخطط لها الدوائر الامريكية و الغربية بهدف اعادة صياغة مصالحها في الشرق الاوسط والمحيط الاوراسي وشرق اسيا وصولا الى روسيا والصين.
سمعنا خطاب اوباما في جامعه القاهرة في عام 2010 بعد عام من انتخابه والذي كان واضحا انه يخطط لإعادة صياغة العالم واستخدام الشباب وشبكة الانترنت وقنوات التلفاز وفق ما خطط له الملتقى الاستراتيجي لمفكري حلف الناتو عام 2005 بهدف إحداث التغيير وايجاد حكومات منتخبة سلميا ثم قوله ان الانتخابات لا تخلق ديمقراطية حقيقية !!
وعلينا أن نسأل بصوت عال :
* لماذا منحت لجنة جائزة نوبل الصهيونية الرئيس الامريكي اوباما جائزة نوبل للسلام بعد انتخابه مباشرة وقبل اداء القسم الدستوري ودخوله البيت الابيض في يناير 2009؟
* ماهي المفاعيل الاجتماعية والسياسية لثورات الربيع العربي وكيف بدأت في سوريا المطالبة بتعديل الدستور والغاء الدور القيادي لحزب البعث .
وعندما وافق النظام في سوريا على هذه المطالب وقام بتعديل الدستور وتم الاستفتاء على الدستور، برزت مطالب اخرى وهي اسقاط النظام وتسليح المعارضة ورحيل الاسد وصولاً الى شن حرب كونية على سوريا .. وهو ما سنتناوله في الحلقة القادمة؟

قد يعجبك ايضا