عبدالله ناصر عامر
الخصام والاقتتال عمل بشري لا يريده الله ولا يرضاه, وقد دأب البشر على اقترافه منذ أن بدأ التكاثر وظهر التنافس بين ولدي آدم هابيل وقابيل, والذي يظهر أنه لم يكن لآدم غيرهما من الذكور على وجه الأرض, وبتوسع التناسل في ذرية آدم كثر الخصام وتوسعت أسباب التنافر بسبب تنوع سبل الحياة وتعدد طرق المعايش, فكان لا بد من إرسال الرسل يبلغون عن الله قوانينه وتعاليمه تعالى التي أراد من البشر أن يسيِّروا حياتهم ويديرونها على وفقها وسننها.
فمن اتبع هذه القوانين والتعاليم كان من عبيد الله وأوليائه ومن اتبع رغبات نفسه واقتفى أثر الشيطان وانقاد لوساوسه الشيطانية كان من أعداء الله ومن حزب الشيطان .
فانقسم الناس تبعا لاتباع إحدى هاتين الطريقتين إلى فريقين وحزبين, أولياء الرحمن, وعبيد الشيطان, ومن هنا كان الصراع بين الفريقين إلى أن ينتهي المطاف بنصر لفريق الرحمن باعتبار المجموع, أو شهادة باعتبار الأفراد, أو هزيمة لأولياء الشيطان باعتبار المجموع, أو عذاب وقتل ونكال باعتبار الأفراد .
وهنا نناقش بصورة مختصرة ماذا يعني النصر أو الشهادة لأولياء الرحمن في مضمار قتالهم ومواجهتهم وجهادهم لأولياء الشيطان .
إحدى الحسنيين :
يقول الله تبارك وتعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) (52)التوبة
الصراع القائم على الارض بين أعداء الله وبين أوليائه اقتضى أن يكون هناك اقتتال بين الفريقين, وحتما سيكون من نتائج الاقتتال قتلى وجرحى, ونتائج ميدانية وسيطرة على الارض في الرقعة التي تتم مجريات الصراع عليها, فما حصل من قتلى في جانب فريق الرحمن يعتبر حُسنى وشهادة تَنقل من قتل في سبيله تعالى إلى حياة السعادة الأبدية, وفي مقابل ذلك ما حصل من قتلى في جانب أولياء الشيطان فهم صرعى يُعجَّل بأرواحهم إلى حياة الشقاوة والتعاسة الأبدية, ومثل هذه المقارنة في جانب السيطرة الميدانية على النطاق الجغرافي الذي يتم الصراع بين الفريقين على ظهره, فما حصل من سيطرة لأولياء الرحمن وجنده فذلك حُسنى ونصر وتمكين، يمكِّن أولياء الله من بسط شرع الله وتعاليمه وإقامة دينه على تلك الرقعة, قال تعالى : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (41) [الحج], إضافة إلى النتائج الدائمة والنصر الأبدي الذي سجلوه عند خلاق البرايا.
وفي المقابل فما حصل من سيطرة على الأرض لجند الشيطان وعُبَّاد الطاغوت فهو نصر صوري وظهور زائف؛ لأنهم في طريق الشيطان يعملون وفي سبيل إشاعة باطله يكدحون، فيعملون على نشر الفساد وإشاعة المنكر (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (64)
(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (67)
والنتيجة الدائمة لسيطرة جُند الشيطان هو الخسران الأبدي والحسرة الدائمة التي لا يفصلهم عنها إلا لحظات من الحياة, (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَونَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) .
وحتى حياة الاشقياء الدنيوية هم فيها يعيشون معيشة ضنكا, وإن ملكوا الأموال وبيدهم الجنود المجندة؛ فالسعادة بعيدة كل البعد عنهم، يقول تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)
ولذلك كانت المقارنة الربانية العجيبة في قوله تعالى : (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) (52)التوبة
فكل فريق يتربص بالآخر على مدى حياتهم وليس لبرهات من الزمن, فهدف أهل الباطل وغايتهم هو إبادة جُند الرحمن, وهذا إن حصل فهو حسنى بالنسبة لجند الله وأوليائه باعتبار الثمار الدائمة؛ وقد يحصل هذا كثيرا في موازين الحياة العاجلة, قال تعالى في قصة أوليائه الذين عُرفوا بأصحاب الأخدود (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) .
هؤلاء الجماعة من أهل الإيمان أُبيدوا بأشد أنواع القتل حرقا في أخاديد حُفرت لهم؛ لكنهم فازوا بالحسنى وربحوا البيع مع الله .
ومثل هذه الواقعة كثير في التاريخ، فما أكثر المجازر والإبادات الجماعية من قبل أهل الباطل الواقعة على المستضعفين من أولياء الله .
لكن الحقيقة الهامة والتي لا مفر منها, هي هل كان المجرمون من المخلدين حتى ينعموا بحياة الخلود بعد اقترافهم لجرائمهم ؟!
كلا فقد لحق الظالم بالمظلوم؛ بل في كثير من الأوقات بأسرع مما يتخيل الظالم والمجرم، وهناك في تلك الحياة الأبدية يرى المجرمون نتائج قبائح أعمالهم حسرات وندامة وعذابا لا يفارقهم (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) . (أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) .
الشهادة من نتائج الثبات على الحق :
فما ينبغي أن يحرص عليه المؤمن هو الاستقامة في طريق الله والسير على منهج الله وهداه حين يواجه الطغاة وأهل الباطل, ثم بعد ذلك يتربص وينتظر إحدى الحسنيين النصر والتمكين في الأرض إلى أجل هو بالغه, أو تعجيل الشهادة والقدوم على الله .
فالمجاهدون في سبيل الله ممن ارتضوا أن يسيروا على منهج الله حين نراهم الأوقات الطويلة مرابطين في سبيله في ميادين المرابطة ممن قد كتب الله لهم حسنى الشهادة تكون أرواحهم وهم لا يزالون في مواجهة العدو معلقة بالرفيق الأعلى والتكرمة الربانية .
وقد يلوِّح الله لأبصارهم ما يدعوهم إلى الرغبة والشوق إلى جنان الله, ولذلك تتواتر الأخبار عن كثير من الشهداء عن رغبتهم الجامحة في الشهادة وطموحهم إليها فيرى العدو منهم ما يبهره من الإقدام والبسالة .
وقد ورد في دعاء زين العابدين علي بن الحسين ما يدل على أن الله تعالى يدعو من كتب الله لهم الشهادة إلى جنته بما لا يراه غيرهم ما يجعلهم يسيرون إلى الشهادة شوقا ورغبة لا يبالون معها من الموت, حيث قال عليه السلام في دعائه للمجاهدين : ( وَاجْعَلِ الْجَنَّةَ نَصْبَ أَعْيُنِهِمْ وَلَوِّحْ مِنْهَا لاِبْصَارِهِمْ مَا أَعْدَدْتَ فِيهَا مِنْ مَسَاكِنِ الْخُلْدِ وَمَنَازِلِ الْكَرَامَةِ وَالْحُورِ الْحِسَانِ وَالاَنْهَارِ الْمُطَّرِدَةِ بِأَنْوَاعِ الاَشْرِبَةِ، وَالاَشْجَارِ الْمُتَدَلِّيَةِ بِصُنُوفِ الثَّمَرِ، حَتَّى لاَ يَهُمَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالادْبَارِ، وَلا يُحَدِّثَ نَفْسَهُ عَنْ قِرْنِهِ بِفِرَار ).
والأمر المهم الذي ينبغي نقاشه هو من هو الشهيد حقا ؟! لا سيما ممن ينتمون للإسلام ممن أعلنوا الشهادتين ظاهرا؛ لأنه كثيرا ما يقع الصراع بين فريقين من أهل الإسلام ويقع بينهم اقتتال وقتل؛ وكل فريق يَعُد قتلاه شهداء.
فما هي الموازين الصحيحة والمعايير الواضحة التي تميز الشهيد من الصريع؟.
من أهم الموازين أن أي قضية يقع فيها صراع لابد من أن يكون هناك حق وباطل, وظالم ومظلوم, ومعتدي ومعتد عليه, سواء كان الصراع والاقتتال بين شخصين أو بين فئتين وفريقين, كيفما كان وضع كل فريق من حيث القلة والكثرة والقوة والضعف.
فمن كان الحق في جانبه فقتلاه هم الشهداء, وقتلى المبطل هم الصرعى في سبيل الباطل, ومن كان هو المعتدي فقتلاه كذلك إلى سخط الله, وقتلى المعتدى عليه هم الشهداء إن كانوا من أهل الإسلام وطاعة الرحمن .
ومعرفة موازين الحق وكذا معرفة الظالم من المظلوم والمعتدي من المعتدى عليه في غالب الأحوال هي موازين عقلية يشترك البشر في معرفتها؛ فمثلا حينما ينفجر نزاع بين فريقين واقتتال؛ ينبغي أن يُدعى الفريقان لأول وهلة إلى إيقاف القتال أولا قبل كل شيء, ثم بعد إيقافه يتم البحث فيمن هو المعتدي ومن المعتدى عليه, ومن هو الفريق الظالم ومن هو المظلوم؛ ولذلك خاطب الله تعالى نبيه في الجنوح إلى السلم حتى مع أهل الكفر والمشرك حين يُدعى إليه, قال تعالى : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) فمن لم يستجب لداعي السلم فقد أدخل نفسه في شباك الباطل وإن كان في أول الأمر محقا.
إسقاط على العدوان الواقع على اليمن :
وإذا ما طبقنا هذه المعايير على الوضع اليمني والعدوان عليه؛ فإننا نجد أن المعتدي السعودي ومن وراءه ومن في فلكه باشروا عدوانا ظالما على بلد بأكمله, مدنه وقراه وطرقه ومنشآته ومصالحه العامة والخاصة, تارة يزعم المعتدي أنه جاء بعدوانه نصرة لطرف يزعم أنه شرعي, وتارة بدعوى الحفاظ على أمن البلدان المعتدية, وتارة بدعوى محاربة مشاريع ونفوذ دول وأنظمة إقليمية, ولكن مما لا شك فيه أن هذا التدمير الشامل يعتبر إجراما وباطلا عند عقلاء البشر مهما كانت الذرائع والمبررات.
فشأن من يأت للإصلاح بين فريقين أن يدعو أولا الفريقين إلى الجنوح للصلح وترجيح السلم على الإقتتال, وله أن يهدد من لم يستجب لهذا الداعي أنه سيكون في صف المستجيب, وإذا رجح استخدام القوة في مواجهة الفريق الذي لم يستجب لداعي الصلح فيكون استخدامها في أضيق الحدود وفي مواجهة المقاتلين الممتنعين عن الاستجابة للصلح .
أما هذا العدوان السعودي الأعرابي الأمريكي فواضح طغيانه وظلمه؛ فمن كان في صف هذا المعتدي وإن كان يزعم أنه يمني فقتلاه صرعى الباطل وإلى غضب الله, ومن كان من أهل اليمن في مواجهة هؤلاء المعتدين فقتلاهم في سبيل الله وهم الشهداء عند الله الذين فازوا بإحدى الحسنيين.
فجرائم الإبادة للأطفال والنساء والأبرياء والتدمير الواسع لليمن ومصالحه أوضح من الشمس في أن من يقوم به هم فريق الباطل ودعاته, هم ومن يقاتل في صفه من مرتزقة الداخل والخارج ومن صُرع منهم فإلى غضب الله ونقمته.
ألم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح أنه قال : ((من قاتل دون ماله مظلوماً فهو شهيدٌ، ومن قاتل دون نفسه فهو شهيدٌ، ومن قاتل دون أهله فهو شهيدٌ، ومن قاتل دون جاره فهو شهيدٌ، وكل قتيلٍ في جنب الله فهو شهيدٌ)).
والمعتدون على اليمن بُغيتهم وهدفهم استباحة اليمن بكل ما فيه من أموال وثروات وبشر, وتنفيذ مشاريع أئمة الكفر, واستباحتهم لجنوب اليمن الذين سيطروا عليه واحتلوه خير دليل.
ومما يزيد باطل الفريق المعتدي وضوحا أنهم يُدعون من قبل أنظمة كثيرة في العالم ومنظمات إلى السلم وإيقاف العدوان والجلوس على مائدة الحوار والسلم والصلح فيرفضون ذلك ويزدادون إجراما وتدميرا, فليس أمام المعتدى عليهم إلا الجهاد والثبات والصبر حتى يكتب الله لهم إحدى الحسنيين نصر وفتح وتمكين, أو شهادة وفوز بالرفيق الأعلى حتى وإن استمر هذا العدوان لفترات طويلة, فليس أمام المعتدى عليه دينا وخُلقا إلى الثبات والصبر والجهاد والجلاد حتى يأذن الله لهم بما شاءه وأراده .
ومما يزيد أهل اليمن رسوخا في مواجهة المعتدين, أن المعتدين قد أصبحوا في مشروع واحد مع أئمة الكفر وأرباب الشرك والطغيان العالمي, المتمثل في أمريكا ومن يسير في فلكها من أنظمة الغرب, ولم يعد ذلك سرا؛ بل إن المعتدي أصبح يتبجح بأن الأمريكان وحلفاءهم من دول الغرب هم الذين يديرون الحرب على اليمن من غرف العمليات الحربية.
فهنيئا لمن حالفه حظ الشهادة من أهل اليمن المعتدى عليهم, والعاقبة النصر والتمكين لمن كتب الله لهم الحياة في عزة وكرامة.
Prev Post