كشفت منظمة الشفافية الدولية (ترانسبرنسي) عن وجه آخر قاتم لمدينة دبي، الإمارة المترفة التي تستقطب المستثمرين والأثرياء ورؤوس الأموال من جميع أنحاء العالم، يعرفه جيدًا مروجو المخدرات والفاسدون، وحتى المصنفون على قوائم الإرهاب الذي تتخذه الإمارات ذريعة لتدخلاتها الخارجية. ثمة حاجة مشتركة تجمع كل هؤلاء الملاحقين دوليا، في الإمارة التي تسوق لنفسها صورة الرفاه والسلم الاجتماعي: غسيل الأموال.
ولم تخفِ الابراج العالية رائحة الفساد ولم تتمكن الصورة الذهنية عن مدينة دبي الإماراتية باعتبارها مركزا تجاريا وسياحيا عالميا، من تغيير واقع حولها إلى عاصمة للفساد وأحدث إرهاصات هذه الصورة شكلها تقرير منظمة الشفافية الدولية في تقريرها السنوي الاخير الذي قال: إن دبي أصبحت مركزا عالميا نشطا لغسيل الأموال حيث يمكن للفاسدين وغيرهم من المجرمين أن يذهبوا لشراء عقارات فخمة دون قيود.
وقد تحوّلت دبي في السنوات الماضية إلى ملاذ آمن للسياح ورجال الأعمال من جميع أرجاء المعمورة، لغسيل الأموال والتهرب الضريبي، ما دفع الكثير من الشركات والأشخاص الراغبين بالاستفادة من الإعفاءات الضريبية والتراخي في قواعد الإقامة، بالتوجّه نحو دبي نظراً للتسهيلات الموجودة هناك بهذا الخصوص ولاسيما التدقيق المالي الدولي.
وهذه ليست المرة الأولى التي تعبر فيها منظمة دولية عن قلقها من وجود ممارسات مشبوهة في قطاع العقار بدبي، فذكر مقال للصحفي دومينيك دودلي في مجلة فوربس الأمريكية أنه رغم الصورة السلبية المرتبطة بسمعة الإمارة في مجال غسيل الأموال، فإن السلطات هناك لم تبادر إلى اتخاذ قرارات حاسمة للقطع مع هذه الصورة.
وكان تقرير لمركز الدراسات الدفاعية المتقدّمة صدر في يونيو 2018، قد كشف أن هناك 44 عقاراً في دبي قيمتها 28.2 مليون دولار مملوكة بشكل مباشر لأفراد خاضعين للعقوبات، فضلاً عن 37 عقاراً بقيمة 80 مليون دولار في الإمارة نفسها مملوكة لأفراد يرتبطون بشكل مباشر مع هؤلاء الخاضعين للعقوبات.
وكانت قناة “ABC” الأمريكية كشفت قبل عام من الآن، عن الدور الذي تقوم به حكومة دبي، بتمويلها شركة دولية تقوم بعمليات غسيل الأموال على نطاق عالمي واسع واستنزفت مئات الملايين من أستراليا.
وقالت، في تقرير لها، إن شركة “وول ستريت للصرافة”، وهي واحدة من أكبر شركات تحويل الأموال في الشرق الأوسط، ومكتبها الرئيسي في دبي، تعد مركزا رئيسيا لغسيل أموال عصابات المخدرات والجماعات الإرهابية.
وفي أكتوبر 2018م، كشفت مجلة لونوفال أوبزيرفاتور الفرنسية أن العديد من التحقيقات باتت تستهدف عمل “الشبكة الدولية للتهرب الضريبي وغسيل الأموال” التي تقودها مجموعة هيلان ومقرها إمارة رأس الخيمة بدولة الإمارات.
الحديث عن علاقة إمارة دبي بعمليات غسيل الأموال ليس وليد تلك المواقف السابقة، بل يضم هذا الملف العديد من المحطات بوقائع واتهامات طالتها. ففي نوفمبر 2017، كشف النائب البريطاني اللورد “بيتر هين” أن دبي استُخدمت كوسيط لنقل أموال مشبوهة لعائلة ثرية مقربة من رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما.
وأشار تقرير آخر صادر عن الخارجية الأمريكية في مارس 2017، إلى تصنيف الإمارات من بين البلدان الرئيسية في مجال غسيل الأموال، لتصبح البلد الخليجي الوحيد الذي دخل ضمن هذا التصنيف. وذكر أن جزءاً من نشاط غسيل الأموال في الإمارات يرتبط بعائدات غير قانونية من المخدرات المنتجة في جنوب غرب آسيا مشيرا إلى أن جرائم غسيل وتبييض الأموال في الإمارات تشمل بشكل رئيسي القطاع العقاري وتجارة الذهب والألماس.
تقرير دولي آخر، كشف عن تصدر الإمارات لقائمة الدول التي تنتشر فيها جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وأفاد معهد “بازل” الدولي لمكافحة غسيل الأموال في تقريره السنوي للعام 2017، بأن الإمارات تحتل المرتبة الأولى خليجياً من ناحية مخاطر تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، والمرتبة الـ72 عالمياً من أصل 146 دولة.
وفي تقرير صادر عن الحكومة البريطانية، منتصف 2017، جاءت الإمارات على رأس قائمة الدول العشر الأولى التي يتجه إليها المجرمون البريطانيون عندما يريدون غسيل أموالهم.
وفي نوفمبر 2016، حذر خبراء من أن الإمارات تواجه خطر إدراجها في القائمة السوداء للملاذات الضريبية، وسط مخاوف متزايدة حول استخدامها كقناة لتدفقات مالية غير قانونية، ونقلت تقارير إعلامية عن مسؤول في منظمة التعاون والتنمية إنه على الإمارات أن توقع على معاهدة لتيسير تبادل المعلومات عن المتهربين من الضرائب لأنها باتت مصدر قلق.
وفي العام 2016 أكد التقرير السنوي للخارجية الأمريكية بشأن الإرهاب، أن الجماعات الإرهابية استغلت الإمارات كمركز لتعاملاتها المالية.
وإضافة لما سبق من مؤشرات وتقارير دولية، فقد اعترف المصرف المركزي الإماراتي، في عام 2017، أن جرائم غسيل الأموال في البلاد ارتفعت بنسبة 30% عام 2016، رغم القوانين التي صدرت في مجال مكافحتها.
ولا ترتبط عمليات غسيل الأموال بالإمارات بالأجانب، فقد وجهت السلطات السويسرية، عام 2016، تهماً لاثنين من المسؤولين في الإمارات تتعلق بالتورط بقضايا فساد وغسيل أموال وعمليات نهب وسرقة، استهدفت صندوقاً استثمارياً ماليزياً تبلغ قيمته مليار دولار، بحسب ما نقلت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية.
وذكرت الصحيفة، في أغسطس 2016، أنها اطلعت على وثيقة تكشف بأن سويسرا حققت بوجود أنشطة غسيل أموال وفساد واحتيال، والضلوع في مؤامرة دولية لنهب صندوق ثروة ماليزي، لرئيس مجلس الإدارة لشركة الاستثمارات البترولية الدولية (آيبيك)، خادم القبيسي، وهي شركة مملوكة لحكومة أبوظبي.
وبحسب المعلومات التي نشرتها الصحيفة البريطانية، فإن التحقيقات طالت إلى جانب القبيسي مسؤولاً إماراتياً آخر هو محمد بدوي الحسيني، الذي كان يشغل منصباً كبيراً في شركة “آبار” المملوكة لحكومة أبوظبي.
وحتى الآن لم يحاكم المسؤولان الإماراتيان اللذان أُعفيا من منصبيهما، وتجميد أصولهما المالية عام 2015.
ويبدو أن غسيل الأموال جزء لا يتجزأ من اقتصاد الإمارات ونهضتها في مجال الاستثمار والعقارات، فهي بالرغم من كل الحقائق تدعي أنها تتعاون مع وحدة استعلام مركزية في دول مختلفة لتبادل المعلومات والتصدي لعمليات غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب، بحسب محافظ المصرف المركزي الإماراتي، مبارك راشد المنصوري، الذي قال خلال مؤتمر مشترك بين الإمارات وبريطانيا قبل أشهر: إن دولة الإمارات مركز مالي إقليمي رئيس في المنطقة، وتولي أهمية كبرى لمكافحة الجرائم المالية والحفاظ على الأمن الاقتصادي للمجتمع الدولي.
ويدل عدم انضمام الإمارات إلى مجموعة FATF الدولية لمكافحة غسيل الأموال والتأمين المالي للسياح، على أن السلطات الإماراتية شريكة بما يجري بهذا الكم الهائل من غسيل الأموال في بلادها، وعلى ما يبدو أنه أصبح جانباً معتمداً من الدخل القومي.