الصمود والمرأة اليمنية
بلقيس علي السلطان
في ذات يوم فكرت أن أجري مقابلة مع الصمود
اتصلت به، فرد عليَّ في عُجالة نعم ماذا تريدين؟
فقلت له: هل استطيع أن أجري معك مقابلة ياسيدي الكريم؟
فرد عليَّ قائلا : يسرني ذلك لكن أنا الآن مشغول
في بيت أمٍ أبناؤها مجاهدون والمرجفات يلمنها لأنها أرسلتهم إلى الجبهات فوقفت بجانبها ،فردت عليهن في شموخ: ابنائي في تجارة مع الله يجاهدون في سبيله فكيف أمنع أولادي من تجارة رابحة، كيف أمنعهم وهم يدافعون عن عزتنا وكرامتنا واستقلالنا ؟ فذلك لم يكن ولن يكaون.
اتصلت له مجدداً فقلت: هل آن الأوان ياسيدي لأجري معك اللقاء؟
قال: ليس بعد فأنا مشغول مع زوجة الجريح، فزوجها تقطعت يداه وكان يرتقب ردة فعل هذه الزوجة عندما تراه في هذه الحال وكل من كان حوله ترقبوا ردة الفعل..
فوقفت بجانبها فقالت أنا يداك يابطل، بك اعتز وافتخر، الحمدلله الذي قدر لي أن أكون زوجة لهكذا مجاهد مغوار ، سكت الجميع من حولها حتى أنا_الصمود_ خجلت من صمودها .
وأعدت للصمود الاتصال في خجل، هل فرغت أيها الصمود من أشغالك؟
قال لي: ليس بعد أنا مع أم الأسير، فالجميع يخاف أن يخبرها بما حصل لكن قلب الأم قد أحس بما حدث لولدها، فوقفت بجانبها وهي تدعو الله في صمود: يارب إن ابني باع منك وجاءك يريد رضاك، فاحفظه كما حفظت يونس في بطن الحوت ورده إليّ كما رددت يوسف إلى أبيه فصبر جميل والله المستعان .
وبعد ترددٍ أعدت اتصالي بالصمود، هل فرغت من جولتك ياسيدي الصمود؟
قال : ليس بعد فأنا في بيت أسرة الشهيد، فهنا أم الشهيد علمتني الصمود عندما تلقت مكالمة بأن ابنها صار شهيداً والكل صار يرتقب ردة فعلها تجاه ما سمعت، فردت عليهم بإيمان أنا بعت والله قد اشترى، فكيف أحزن لأن الله قبل مني بضاعتي واصطفاه وجعله في جواره، اللهم ارض عنه كما وأن قلبي راضٍ عنه..
فأي شرف أكبر من هذا الشرف وأي فخر يضاهي هذا الفخر .
قال لي الصمود: لا تجري مقابلتك معي، بل قومي بإجرائها مع المرأة اليمنية، فهي الصمود بذاته، أجريها مع مجاهدة تصنع الكعك للمجاهدين ولا تملك الخبز لأبنائها.
اجريها مع أم وأخت وابنة الشهيد اللاتي استقبلن شهيدهن بأكاليل الفل وصرخة بلغت عنان السماء .
اجريها مع زوجة مجاهد تقوم على رعاية أطفاله وأهل بيته وتصبر على ما يسببه العدوان من ارتفاع الأسعار وانعدام سبل العيش الكريم وإذا اتصل بها تقول له : نحن في خير وعزة بفضل الله وفضلكم فأنى لله أن يضيعنا .
نعم ياسيدتي أنا لم أخجل يوما مثل خجلي أمام صمود المرأة اليمنية وكبريائها العظيم، فإذا سألوكم يوماً عن الصمود، فاخبروهم بأنه تلاشى أمام هذه المرأة العظيمة، فهي الصمود الأسطوري الذي انحنى أمامه العالم وهي الحصن المنيع الذي صب بزبَر الصمود ونفخت عليه نار العدوان وأفرغ عليه الصبر فلم يستطع العدوان أن يظهره وما استطاع له نقبا .