الأمم المتحدة ومشاورات السويد …خطوات جدية أم إسقاط واجب؟
محمد عبدالكريم القليصي
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م وانتصار دول التحالف على دول المحور ، كانت هيئة الامم المتحدة بعد ان شهد العالم دماراً هائلاً في الارواح والممتلكات ، حيث جاءت هذه المنظمة الاممية بهدف تحقيق الامن والسلم الدوليين بين الشعوب كما تحكي اهداف انشائها، على اعتبار ان عصبة الامم والتي جاءت الامم المتحدة على انقاضها عجزت عن تدعيم السلم والامن الدوليين وفشلت في حل النزاعات وايقاف الحروب ،غير انها أي هيئة الامم المتحدة وجدت في الاساس لتحقيق المصالح الذاتية للقوى الكبرى وهذا ليس خافياً على احد ، وما حق النقض الفيتو في مجلس الامن – احدى هيئات الامم المتحدة – والتي تمتلكه هذه القوى دون غيرها إلا أحد السبل لتحقيق تلك المصالح ، أضف الى ذلك هيمنة هذه القوى على ما يطرح ويثار في اروقة الامم المتحدة بمختلف هيئاتها ، فبمجرد مثلاً ان تسعى دولة ما الى شق طريقها بعيداً عن مصالح هذه القوى وسياساتها ما تلبث ان تواجه العديد من العراقيل وتثار ضدها القضايا الشائكة في دهاليز واروقة الامم المتحدة من قبل هذه القوى المهيمنة وعلى رأسها الولايات المتحدة كورقة ضغط تمارس ضد هذه الدولة لثنيها عن تحقيق ما تصبو اليه والعودة الى بيت الوصاية والهيمنة الدولية ، وبصورة تقودنا الى طرح تساؤل عن الوظيفة التي تنفذها هيئة الامم المتحدة في اطار اهداف المنظمة المعلنة وفي ظل التجيير الحاصل والكبير لها من قبل القوى الكبرى ، بمعنى آخر هل استطاعت الامم المتحدة بمختلف هيئاتها وخلال مسيرتها الطويلة نسبياً ان تحقق اهدافها المعلنة من تدعيم للأمن والسلم الدوليين؟
قبل شهر ونصف تقريباً من الآن وتحديداً في 24/اكتوبر الماضي احتفل العالم بيوم الامم المتحدة والذي يصادف هذا التاريخ وهي الذكرى السنوية للميثاق التأسيسي للمنظمة ، والذي قال فيه الامين العام للأمم المتحدة ان هذا الميثاق يجسد آمالنا نحن الشعوب ، غير ان هناك ما هو اهم من الحديث عن الميثاق وهو تطبيقه على ارض الواقع من خلال ايقاف الحروب والنزاعات البينية ونصرة الشعوب والاقليات ودعم السلم والامن الدوليين بدلاً من الاحتفال بميثاق هذه المنظمة والاخفاقات المتوالية وفشلها الكبير في انحاء المعمورة يتحدث عن نفسه .
ولتقريب الصورة اكثر لتتجلى الحقيقة في انصع صورها ويتضح لنا نجاح هذه المنظمة من عدمه ، نجد انه عند متابعتنا ومطالعتنا لأخبار المنظمة وتحديداً لمواضيع العمليات الاغاثية والانسانية في اليمن- كون اليمن مسرحاً لعملياتها الانسانية والسياسية بسبب العدوان – يتضح لنا ان هناك رصداً لمبالغ مالية كبيرة للعمليات الاغاثية والانسانية في البلد،، في حين ان حجم الاغاثات الموجودة على الواقع شحيحة مقارنة بحجم المبالغ المرصودة لتلك الاغاثات ، وهو ما يقودنا الى تساؤل شريف هل استطاعت هيئة الامم المتحدة ان تقوم بالأدوار الاغاثية والانسانية الكاملة في مناطق الحروب والنزاعات ، بشكل عام واليمن خاصة؟، بصورة ادق هل هناك عمليات اغاثية وانسانية من هذه المنظمة بمختلف هيئاتها للشعب اليمني بمختلف فئاته ربما يوازي حجم العدوان الحاصل عليه؟
وهو ما يقودنا للحديث عن وجود خلل في العمليات الاغاثية والانسانية المقدمة من قبل الأمم المتحدة وهو ناتج عن قصور في الشفافية والتعتيم الاعلامي لمسارات العمليات الاغاثية للمنظمة وبما يحقق شراكة مجتمعية ، اضف الى ان غالبية الاغاثات الانسانية مقتصرة ومركزة على مناطق بعينها ، كما ان رصد مبالغ كبيرة كنفقات تشغيلية للعمليات الاغاثية المنفذة من قبل المنظمة الاممية والتي تصل الى نصف قيمة الاغاثات والمساعدات المقدمة تعتبر أحد الشواهد على ما ذهبنا اليه، وهو ما دعا البعض الى إطلاق دعوات للأمم المتحدة الى تحويل عملياتها الاغاثية الموزعة للمستفيدين في اليمن الى اموال نقدية كون المواد الغذائية تحتاج الى نفقات تشغيلية من شحن ونقل وتخزين وتوزيع واشراف وهذا يحتاج الى تكاليف مادية كبيرة بصورة تنعكس سلباً على نوعية المساعدات واعداد المستفيدين.
كما ان ربط المنظمة الاممية للمسار الانساني بالمسار السياسي هو خطأ كبير ترتكبه الامم المتحدة على اعتبار ان المدنيين في مناطق الحروب والنزاعات خاصة في اليمن يفترض اغاثتهم بالمواد الغذائية والدوائية ومختلف الاحتياجات من المواد الاساسية ، وعدم ربط الملف الانساني والاغاثي بالمسار السياسي الطويل والمعقد ، كون الازمة الانسانية التي تعيشها اليمن هي الاكبر والاسوأ على مستوى العالم وبشهادة الامم المتحدة نفسها ، وأي تأخير في عمليات الاغاثة يقابله ازدياد في اعداد الضحايا والوفيات، وبعد هذا التوضيح لطبيعة المسار الانساني للمنظمة الاممية في اليمن والذي يوضح وبما لا يدع مجالاً للشك فشلها وإخفاقها في إدارة هذا الملف الاغاثي فكيف بالملف السياسي !
وهو ما يقودنا الى تساؤل مفاده .. هل هناك جدية لدى الامم المتحدة في تدعيم السلم والامن في اليمن والعمل على إيقاف العدوان الحاصل عليه والسعي الى إنجاح المشاورات الجارية في السويد؟، للإجابة على هذا التساؤل لابد لنا من الاجابة على التساؤل التالي: لماذا هذا التوقيت تحديداً ؟، لماذا الاهتمام الدولي الآن ؟، لماذا تسارعت التحركات الدولية ؟ لاسيما وان قضية اليمن ومظلوميته ليست بالجديدة ، كون تحالف العدوان له ما يقرب من اربع سنوات وهو يقصف اليمن بأشد واعتى انواع الاسلحة الذكية ، ويضرب حصاراً خانقاً على شعبه !! بالإضافة الى ان هناك تجارب تفاوضية سابقة فشلت ولم تحقق شيئاً للبلد، بل ان التاريخ سيكتب ان المنظمة الاممية عجزت يوماً عن توفير طائرة لنقل الوفد المحاصر لحضور جلسات التفاوض، من هذا كله نخلص الى ان المشاورات الجارية في السويد والتي ترعاها المنظمة الاممية ، لا تعدو عن كونها مجرد إسقاط واجب من قبل الامم المتحدة امام نفسها وامام العالم خاصة وان المأساة الانسانية التي يعيشها اليمنيون اصبحت معروفة لدى العالم كله وتسبب إحراجاً وتثير تساؤلات لدى المنظمات الدولية وعن دورها في الحد من معاناة المدنيين في اليمن ، كما ان انعكاسات قضية اغتيال خاشقجي بلا شك قد ألقت بظلالها على قضية ومظلومية اليمن.
وبالتالي فمن فشل في إغاثة شعب محاصر يعيش اكبر ازمة انسانية في العالم ، وعجز عن الدفع قدماً بالمسار السياسي طيلة اربع سنوات، وتحركه القوى الدولية كدمية تبعاً لسياستها ومصالحها المختلفة، لا يمكن التعويل عليه في ايقاف العدوان أو حتى تقديم شيء في الجانب السياسي في اليمن، كونها أي المنظمة الاممية لا تنصف اصحاب الحق ولا يتحقق من خلالها الانصاف إلا بقدر ما يراه المخرج وباقي افراد الطاقم الدولي !!!