عدنان الجنيد
إن من أكبر الفرص المتاحة لوحدة الأمة الإسلامية ولمّ شملها وتوحيد صفها هو هذه المناسبة – مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف – إذ أن الأمة الإسلامية على اختلاف مذاهبها ومشاربها غير مختلفة في نبيها من حيث نبوته ورسالته وتعظيمه وتبجيله والفرح به والاحتفال بذكرى مولده..
ولهذا كانت – أي الأمة الإسلامية – قديماً وحديثاً – تحتفل بذكرى مولده – صلى الله عليه وآله وسلم – وتقيم أنواع الاحتفالات المعبرة عن فرحها به – صلى الله عليه وآله وسلم – وذلك امتثالاً لقوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]
(بفضل الله): أي بنعمه المتواترة عليهم ، (وبرحمته): أي المهداة إليهم وهو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء : 107]
وجاء في الحديث: «إنما أنا رحمة مهداة» رواه الطبراني والبيهقي..
وما من نعمة أنعمها الله علينا، إلا والمصطفى كان السبب في وصولها إلينا، وإذا كانت الفطرة والإنسانية تأمرنا بمحبة واحترام كل من أحسن إلينا أو أسدى إلينا معروفاً، فكيف بمن أنقذنا الله به من الجحيم وجاءنا بالقرآن الكريم، وأخرجنا من الضلالة، ودلنا على طريق الهداية ألا وهو السيد الأكرم والحبيب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. لهذا كان تعظيمه واجباً على كل مؤمن لذلك.. فإن هذه الاحتفالات التي تُقام في ذكرى مولده صلى الله عليه وآله وسلم تُعد نوعاً من أنواع التعظيم والتكريم له صلى الله عليه وآله وسلم، والله سبحانه وتعالى أمرنا بتعظيمه قال تعالى: ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ [الفتح :9 ]
بل أعطى صفة الفلاح لمن عظم ووقر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [سورة الأعراف : 157] .. وكلمة (عزروه ونصروه) تعني التكريم والتعظيم.. وتعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم كما يكون في حياته كذلك يكون بعد وفاته إلى قيام الساعة.. فالاحتفالات في يوم ميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلقاء الخطب والقصائد وإقامة المهرجانات تعد مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ…﴾، ومصداقاً- أيضاً- لقوله تعالى: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [سورة الأنشراح:7] .. فالاحتفالات النبوية سواء في يوم ميلاده أو بعثته أو معراجه أو هجرته أو أو …. هي نوع من رفع الذكر المذكور في الآية الآنفة.
هذا ومازال المسلمون قديماً وحديثاً يحتفلون بيوم مولده – صلى الله عليه وآله وسلم- ويفرحون ويبتهجون ويطعمون الطعام، ويدخلون السرور على سائر الأنام، حباً له عليه وآله الصلاة والسلام..
وهكذا ظل المسلمون بما فيهم العلماء الأعلام والأئمة الكرام يحتفلون بمولد النبي قرناً بعد قرن إلى يومنا هذا ، ولم ينكر أحد عليهم ذلك إلا عندما جاء هؤلاء الوهابيون التكفيريون ومن سار على نهجهم هكذا بدأوا ينكرون على المسلمين بما فيهم العلماء العاملون والأولياء الصالحون والأقطاب العارفون والجهابذة المخلصون.. أنكروا عليهم احتفالاتهم بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بحجة أنها بدعة لم تكن في الزمن السابق (زمن الصحابة والتابعين) بل ووصل بهم الأمر إلى أن بدَّعوا وكفروا كل من يحتفل بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهذا جهل منهم بمقاصد الشريعة وأصولها، فهم لم يسبروا غورها، ولم يدركوا سرها ولم يعرفوا عظمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن وأن محبته والتفاني فيه من كمال الإيمان، واحترامه وتعظيمه من أعلى مراتب الإحسان فكيف يكون بدعة ضلالة واحترامه وتعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم من الأمور المطلوبة شرعاً؟!
إن هؤلاء الوهابية قد خالفوا بمنهجهم جميع أهل الإسلام بل وحاربوا المسلمين الذين يحتفلون بذكرى المولد النبوي …
هذه هي الوهابية التي أنشأتها بريطانيا وتعهدتها أمريكا ورعتها إسرائيل ونشر أفكارها آل سعود بقوة السيف فقد ارتكبوا – من أجل نشرها – أشنع المجازر التي لم يعرف التأريخ لها مثيلاً ..
إن آل سعود الوهابيين وأسيادهم من الصهاينة والأمريكان يستخدمون كل وسائلهم وإمكانياتهم لمنع الاحتفالات النبوية والحيلولة دون إقامتها..
بل وأرادوا أن يشدوا المسلمين في مشاعرهم إلى مناسبات تافهة لا قيمة لها ولا أثر في واقع الأمة ويبعدوهم عن مثل هذه المناسبات العظيمة ، لأنهم يعلمون أن الاحتفالات بهذه المناسبة قد تشكل خطراً كبيراً عليهم ، لعلمهم أن هذه المناسبة والاحتفال بها تزيد المسلمين قوة وتماسكاً وتوحداً فيما بينهم وتمسكاً بنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد استطاع أعداء الإسلام _ من الوهابية والصهاينة والأمريكان _ أن يحولوا دون إقامة هذه المناسبة النبوية في كثير من الفترات في بعض البلدان حتى كان الناس يحتفلون بذكرى المولد النبوي خفية نتيجة التضييق الذي لا قوه من السلطات الموالية لليهود والنصارى …..
وما نال أعداء الإسلام من هذه الأمة إلا لمّا ابتعدوا عن إقامتهم للمناسبات الدينية التي تذكرهم وتربطهم بنبيهم صلوات الله وسلامه عليه وآله..
لهذا مزقوا الأمة إلى طوائف عديدة وفرق متناحرة ومذاهب وأحزاب كثيرة وأصبح المسلمون يقتل بعضهم بعضاً كما نراهم اليوم..
لذلك كانت هذه المناسبة النبوية تذكيراً لأبناء الأمة الإسلامية بنبيهم الذي حذرهم مما وقعوا فيه الآن.. حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم:” لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ….” رواه البخاري..
وتذكيرهم _ أيضاً _ بكتاب الله الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عند الله.. فقد حذرهم الله تعالى من الاختلاف في أكثر من آية قال تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [ الروم :32-13] .. وقال تعالى: ﴿ وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[آل عمران : 105] .. وقال تعالى: ﴿ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾[ الأنفال :46] ، وقال تعالى : ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا﴾[ آل عمران : 103] ..
إن الاحتفالات التي تُقام في مناسبة ذكرى مولد الجناب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ليست مهرجانات لعرض الخطب أو ترفيَّا.. بل إن الأمة بحاجة في هذا العصر إلى أن تحتفل بمثل هذه المناسبات سيما وهي في ظل هذا الواقع الذي تعيشه من هَوَانٍ وشقاء واختلاف وفرقة واستباحة وإهدار للكرامة وحالة غباء وفقدان للحكمة ..بحاجة إلى ما يفيد تغيير واقعها السيئ المزري وتصحيح وضعها القائم, وإصلاح الخلل فيها ، بحاجة إلى ما يخرجها من مأزقها وهوانها وذلها بين الأمم..
ولن يخرجها من ذلك كله إلا بالعودة الصادقة إلى الرسول ورسالته وإلى أعلام الهدى من آل بيته ، لأن بهذا تكون الأمة قد عادت إلى ربها, وذلك من خلال العودة إلى الرسول العظيم سيدنا محمد لمعرفته من جديد , ومعرفة ماذا يعني لنا هذا الرجل العظيم وماذا تعني لنا رسالته , والهدى الذي أتى به من عند الله والقيم والأخلاق والمبادئ التي أتى بها , والمواقف التي دعا إليها ، ولمّا أضاعتها الأمة ضاعت وذلت وهانت واختلفت وتفرقت وحكمها سفهاؤها وأشرارها وهيمن عليها أعداؤها وتفوقت عليها الأمم الأخرى التي ليس لها نبي كهذا النبي ولا هدى كهذا الهدى..
إن مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف فرصة لهذه الأمة للعودة إلى الإسلام الحقيقي ومنبعه الصافي الذي قد طالما سعى الوهابية _ أداة الصهاينة والأمريكان _ إلى تشويهه من خلال أفكارهم المتطرفة ، وأعمالهم المريعة ، وجرائمهم الفظيعة في حق أبناء الإسلام وما حدث ويحدث في اليمن خير شاهد حيث منذ أكثر من ثلاثة اعوام ونصف وآل سعود الوهابيون يرتكبون في حق الشعب اليمني أشنع المجازر التي يندى لها جبين الإنسانية ، ناهيك عن حصارهم لهذا الشعب من أن يصل إليه الغذاء الأساسي والدواء الضروري ، وكل هذا بمرأى ومسمع من العالم كله الذي لم يحرك ساكناً ..
لهذا نأمل من جميع الشعوب في هذه المناسبة الكريمة والذكرى العظيمة أن يتعاطوا معها بوعي وفهم وبصيرة ومسؤولية .. فهي مناسبة معطاءة وحافلة بالدروس والأمة في أمس الحاجة إليها ، وأن يعودوا إلى إسلامهم الحقيقي الذي ما جاء إلا لنصرة المستضعفين وإزالة الظلم عن المظلومين ونشر العدل وتعبيد الناس لخالقهم الجليل لا للظالمين والفاسدين ، وإذا ما عادت الشعوب إلى الإسلام المحمدي الأصيل تمكنت حينها من مواجهة المستكبرين ونصرة المستضعفين واجتثاث الفكر الوهابي اللعين التابع للصهاينة والأمريكيين …
وأمكن للشعوب _ أيضاً _ أن تحظى بالعزة والكرامة إذا ما جددت ولاءها لنبيها صلى الله عليه وآله وسلم ، وارتبطت به الارتباط الوثيق القائم على أساس الولاء الصادق والطاعة الخالصة ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾[الأحزاب :6 ] وأن تقتدي به وتتعرف عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم والوقوف على صفاته والاستفادة من هديه ومنهجه وحياته ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ [الأحزاب :21]
إن فلاح هذه الأمة ونصرها وظفرها قائم على أساس الارتباط بمنهج الله والولاء لله والولاء لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ولآل بيته القائم على الاتباع له ولمنهجه ( القرآن الكريم ) والقائم على استشعار هذه المسؤولية من منطلق قول الله تعالى : ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ﴾” الصف :14 ” .. فعلى هذا الأساس تتوحد الأمة وتتحرك وتنهض استجابة وطاعة لله، وقياماً بالمسؤولية أمام الله فيما هو خير لها وللمسلمين جميعاً..
هذا ونحن من خلال هذا المنبر الفكري الحر نهيب بكافة علماء الأمة وخطبائها ومثقفيها أن يكثفوا جهودهم التوعوية من خلال الخطب والمحاضرات والندوات والمهرجانات ومجالس الاجتماعات، ويحثوا مجتمعاتهم لاسيما في هذه المناسبة – مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف – يحثوهم على الوحدة ولمّ الشمل وترك كل الخلافات والمناكفات والخصومات التي يسعى الأعداء إلى إذكائها.. فبالوحدة الإسلامية سوف ننتصر وبالتفرق والاختلاف سوف ننكسر …
ألا فلنحتفل جميعاً بهذه المناسبة العظيمة والذكرى العطرة التي هي من أجلى مظاهر الوحدة العربية والإسلامية..
• رئيس ملتقى التصوف الإسلامي