عَزيزٌ عليْهِ مَا عَنتمْ..

 

مطهر يحيى شرف الدين

تتجسد الرحمة والرأفة والعمق الإنساني والشعور بالمسؤولية وتحمل أمانة أداء الرسالة في شخصية وذات النبي الكريم محمد صلوات الله عليه وآله الطاهرين الذي بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمين والذي أُرسل لِيخرجَ الناسَ من الظلماتِ إلى النور ومن عبادةِ العباد إلى عبادةِ ربِ العباد ، ويعز على رسول الله أن يكونَ الناسُ في جهالةٍ وظلام ، يعز عليه أن تكون الأمة في غيٍ وضلال ويعز عليه منذ أن أُرسل للبشرية أن تبقى الأمة من دون توجيه أو دليل أو دستور حياة يعلم ويفقه ويدبر وينظم حياة الأمم الغابرة والحاضرة واللاحقة على أسس وقواعد تبني مجتمعات إسلامية فاضلة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فقد كانَ الأنبياء والرسل يُبعثون إلى أقوامهم خاصّة وقد بُعث نبينا محمد صلوات الله عليه وآله إلى الناس كافة قال تعالى ” وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ” يعز على رسولِ الله التيه والانحراف الذي قد يميل بهم عن الطريق المستقيم ويعز على النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام أن تظل المجتمعات على غير ملة الإسلام ، يتألم رسول الله ويعاني ويحرص كل الحرص على ألا يبقى الناس جميعاً على جاهلية أو أن يضلوا دون أن يصلهم هدىُ الله ، يعز عليه صلوات الله عليه وآله عنت الكافرين وشقاؤهم وإصرارهم على الكفر والجحود فيبقى رسول الله حريصاً أكثر على هداهم قال تعالى ” إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ” سبحان الله ما أروع وأجمل ما يعكسهُ لنا كتابُ الله الكريم من تعبيرٍ بديع يصفُ موقف رسول الله وسلوكه وتعامله مع من لا يزالون على كُفرهم وما كان يواجههُ رسول الله من تعنت الكفار وعنادهم ومكابرتهم وفي ذلك يقول الحق سبحانه في محكم كتابه ” قَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ” حقيقةً عندما نقرأ هذه الآية الكريمة نشعر بوخز الضمير والخجل من التقصير والإهمال في حق رسول الله ذو الخلق العظيم والشأن الكبير والمنزلة العظيمة وهو من قال الله تعالى فيه “ورفعنا لك ذكرك ” فهل من المعقول أن تمر هذه الذكرى مروراً عابراً دون أن نعطي هذه الشخصية العظيمة حقها من الذكر والتبجيل والمديح وهو ذلك العمق الإنساني الذي يتجلى في موقف وتعامل رسول الله مع أُمته وقد نُعت بالرحمة والرأفة ، ولذلك يعز عليه أن يرانا في ضلال ونغرق في ظلمات الجهالة ، وبهذا ندرك عظمة ومكانة رسول الله والخلق العظيم والنفسية العالية وحبه اللامتناهي لأمته خوفاً من أن تظل أو أن تحيد عن الفطرة السليمة وعن الهدى فتصبح في صف الباطل ، ويدلل على ذلك الشعور والإحساس تعزيز الآية السابقة في قوله عز وجل : ” فلعلك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا” وذلك من شدة ما كان رسول الله يحرص ويبالغ في اهتمامه ومسؤولياته ليخرجَ الناسَ من الظلمات إلى النور ويبصرهم ويرشدهم إلى إتباع الهداية وايصال التبليغ وتوحيد الناس ودعوتهم إلى كلمة سواء ، وتتجلى السماحة وذلك الصبر والتحمل في موقف رسول الله صلوات الله عليه وآله من أهل الطائف حين استهزأوا به وآذوه ورموه بالحجارة حتى أدميت قدماه الشريفتان فكان موقفه من ذلك أن دعا لهم بالهداية والصلاح قائلاً : عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشركون به شيئا وكان في قدرته أن يدعو عليهم بالهلاك وسوء العاقبة لكنها الرحمة والرأفة والعفو وهي السماحة والتجاوز عن سوء أفعالهم وذلك أملاً في توبتهم وعودتهم إلى طريق الهداية والرجوع إلى الله تعالى ، تلك إذاً قطرةٌ من بحر فضائل ومكارم النبي صلوات الله عليه وآله ، فلو لم تكن إلا تلك القطرة الواحدة دون سواها لكانت كفيلة بالذكر والسعادة والابتهاج الذي يسود الأمم والمجتمعات والشعوب الإسلامية في ذكرى مولده صلوات الله عليه وآله الطاهرين ، قال تعالى ” قلْ بفَضلِ اللّهِ وبرحْمَته فبذلكَ فَليفرَحوا هوَ خيرٌ مِما يجْمعُون” وقال تعالى ” إنّ اللهَ وملائِكتهُ يُصَلّونَ على النبي ياَ أيها الذِين آمنو صلّوا علَيْه وسَلمُوا تَسْليمَا”.

قد يعجبك ايضا