بعد أن انفرد الحزب الجمهوري الأمريكي بأغلبية مقاعد مجلسي الكونغرس (الشيوخ والنواب)، خلال قرابة العامين، انتزع غريمه الديمقراطي السيطرة على مجلس النواب، في انتخابات التجديد النصفي، التي جرت الثلاثاء الماضي.
وجرت الانتخابات لاختيار جميع أعضاء مجلس النواب، وعددهم 435، و35 من أعضاء مجلس الشيوخ، البالغ عددهم 100، إضافة إلى 36 من مناصب حكام الولايات الخمسين.
فمنذ تولى الرئيس الجمهوري، “دونالد ترامب”، السلطة رسميا، في 20 يناير 2017م، وهو يتصرف بسلطة شبه مطلقة، بفضل ضمان أغلبية من حلفائه الحزبيين في مجلسي الكونجرس.
لكن بعد سيطرة المعارضة الديمقراطية على مجلس النواب، بدأت هذه المعادلة تتغير؛ فلن يعد باستطاعة ترامب على ما يبدو تمرير ما يشاء من قرارات في الكونغرس.
وفي أول كسر لسيطرة الجمهوريين على مجلس النواب منذ 8 سنوات. فاز الديمقراطيون، وبحسب النتائج غير الرسمية المعلنة حتى فجر الخميس، بـ223 مقعدا، فيما حصل الجمهوريون على 197 مقعدا، حسبما أفادت وكالة “أسوشييتد برس” الأمريكية.
بالمقابل، تمكن الحزب الجمهوري من المحافظة على الأغلبية في مجلس الشيوخ، حاجزا 51 مقعدا، مقابل 44 للحزب الديمقراطي.
تغيير ميزان السلطة
صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية رأت أن الترجمة الحقيقة لـ”الفوز الكاسح” للديمقراطيين بمجلس النواب هو “رفض سياسات ترامب”.
وتابعت إن انتخابات مجلس النواب هي “الانعكاس الحقيقي للرأي في البلاد (الولايات المتحدة) بشكل عام”.
وذهبت إلى أن سيطرة المعارضة على مجلس النواب ستغير ميزان السلطة، فلن يتمكن الديمقراطيون فحسب من محاسبة “ترامب” وفتح تحقيقات فيما ترتكبه إدارته من سياسات خاطئة، بل سيكون لهم تأثير كبير أيضا على الميزانية.
وسيكون الديمقراطيون كذلك قادرين على الدفاع عن قانون الرعاية الصحية، الذي دفع به الرئيس الديمقراطي السابق، “باراك أوباما” (2009-2017م).
بشكل عام، سيبدأ الديمقراطيون طريقا بديلا لـ”الصبغة الترامبية”، التي باتت سياسات الولايات المتحدة تصطبغ بها، حسب تعبير الصحيفة.
وقالت إنه ربما يكون الجمهوريون حققوا مكاسب في سباق مجلس الشيوخ، لكنه هذا السباق برمته انطلق في ساحة سيطرتهم؛ حيث خسر الديمقراطيون في الولايات التي ما يزال “ترامب” يحظى بشعبية كبيرة فيها (إنديانا، ميزوري ونورث داكوتا).
إلا أن المفارقة هي أن أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين فازوا في الولايات التي كانت أساسية في فوز “ترامب” بالرئاسة من خلال أصوات المجمع الانتخابي وهي: ويسكونسن وميشيغان وأوهايو وبنسلفانيا.
ربما يناور “ترامب” ليحاول وصف نتيجة الانتخابات بأنها “انتصار عظيم”، رغم الخسارة التي مني بها حزبه.
لكن توجد حقيقة تظل قائمة وتؤشر إلى دلالات مستقبلية مهمة، وهي أن خسارة الجمهوريين فيما يسمى بـ”الولايات المتأرجحة”، التي كثيرا ما تحسم انتخابات الرئاسة، لها مدلول في هذا السياق.
ويشير هذا، حسب “واشنطن بوست”، إلى ضعف شعبية “ترامب” إلى حد كبير بين “ذوي الياقات الزرقاء” (طبقة العمال) والطبقة الوسطى.
وإن اختلفت تفسيرات نتيجة الانتخابات، تظل هناك حقائق مؤكدة لا غبار عليها، وهي ذهاب أعداد كبيرة من أصوات الناخبين إلى الحزب الديمقراطي، وحدوث شرخ في الحكومة الجمهورية الموحدة، وأن نفوذ “ترامب” أصبح محصورا حاليا في معاقل الجمهوريين.
لكن في المقابل، لا يعني هذا بالضرورة أن الديمقراطيين سيستطيعون تمرير أجندتهم؛ حيث سيصطدمون بمجلس الشيوخ، الذي لا يزال تحت سيطرة الجمهوريين.
غير أنه على الأقل، وفقا للصحيفة، سيتمكن الديمقراطيون من عرض أجندتهم، وعرض ما ينوون فعله في حال امتلكوا الأغلبية في مجلسي الكونجرس، في انتخابات 2020م.
مواربة مع الديمقراطيين
ومحاولة استشراف مستقبل العلاقة بين الطرفين، رأت صحيفة “واشنطن إجزامينر” الأمريكية أنه سيتعين على “ترامب” في هذه المرحلة “المواربة”، وليس الصدام المعتاد مع الديمقراطيين، إذا أراد تمرير قوانين محورية بالنسبة له.
بالفعل، يبدو أن “ترامب” سيتبع هذا النهج؛ إذ قال بعد إعلان نتيجة الانتخابات أنه “حان وقت التعاون مع الديمقراطيين”، في تراجع حاد عن النبرة التي كان يتعامل بها معهم سابقا.
وزاد بقوله: “قد نتوصل إلى اتفاق وقد لا نتوصل، هذا ممكن. ولكن تجمعنا الكثير من القواسم المشتركة حول البنية التحتية. نريد أن نفعل شيئا بالنسبة للرعاية الصحية، وهم يريدون القيام بشيء بالنسبة للرعاية الصحية”.
رئاسيات 2020م
تداعيات نتيجة انتخابات التجديد النصفي للكونجرس ربما تمتد إلى حظوظ المتنافسين في انتخابات الرئاسة عام 2020م.
ونقلت وكالة “أسوشيتيد برس” عن “ترامب” قوله إن “هذه الانتخابات (التجديد النصفي للكونجرس) مهمة بالنسبة لجولة انتخابات الرئاسة في 2020م، ونتائجها تكشف عن الدعم الذي تحظى به سياسات إدارتنا في مجالات عديدة”.
وترى “واشنطن بوست” أن فرص “ترامب” في الانتخابات القادمة ستحددها في النهاية عوامل محورية عديدة.
وخصت بالذكر: نتائج التحقيق الذي يجريه “روبرت مولر” في التدخل الروسي المحتمل في انتخابات 2016م، ونتائج السياسات الاقتصادية التي ينتهجها “ترامب”، وإن كانت ستؤدي إلى انكماش للاقتصاد أم ستجعله أكثر قوة.
كل هذا سيكون من المحددات الأساسية التي سترسم ملامح السباق الرئاسي المقبل، وربما تعلب دورا حاسما في تحديد من سيدخل البيت الأبيض بعد انتخابات 2020م، التي يتأهب لها المعسكران.