في العمق من قضية ” خاشقجي “

 

محمد أحمد المؤيد

يجدر بالإنسان أن يستلهم كل ما يصوغه التاريخ من أحداث حاضرة أو ماضية فيجعلها نصب عينيه , فتكون مصدر إلهام له , كي تتشكل لديه قراءة ثاقبة للمستقبلية منها – الأحداث – بحيث ينظر إلى ما ستؤول إليه الأمور ولو من باب التوقعات أو حتى توخي الحيطة والحذر مما يخبئه الدهر ” والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ” , لذا ومن خلال الأحداث الماضية – منذ الوهلة الأولى لأحداث 11سبتمبر وأبراج التجارة العالمية – للسياسة الأمريكية يمكن لنا قراءة أحداث اليوم – قضية خاشقجي – بالرجوع إلى نهج الكونجرس الأمريكي وكيف أنه يختلق أحداثاً وصراعات من شأنها أن تفسح المجال له كي ينقض على فريسته التي تتواجد معه مصلحة أمريكا العليا , والتي بالحصول عليها يتوقف سيل الدماء بتوقف سيل لعاب الأمريكان , وبذا فلو رجعنا إلى أحداث الماضي لوجدنا أن كل حرب تشنها أمريكا على بلد ما يكمن وراءها مصلحة ليست بالهينة والسهلة وخصوصا إن كانت في مجال الطاقة , فدخولها أفغانستان كان ضروريا بالنسبة لها كي تتحاشى الحاجز الإيراني الذي يحول دون حصولهم على اليورانيوم الخام – من أقوى مصادر الطاقة في العالم طبعا – من القوقاز والتي تتموقع – القوقاز – فيما بين روسيا وإيران ولذا كان على الإدارة الأمريكية أن تجد حلاً لتعدي روسيا وإيران من أجل نقله عبر خليج عمان إلى أمريكا ولذا كان أمر دخول أفغانستان ضروريا, ودخولها العراق كان من أجل دحر نظام صدام الذي كان يشكل خطراً كبيراً على الهيمنة الأمريكية على نفط العرب والخليج وكذا للتحكم بالخريطة العربية عبر هذا المنفذ القابع في قلب الجزيرة العربية (العراق) , وأحداث اليوم في أغلب الدول العربية هي نتيجة طبيعية للثقة العميقة التي يتمتع بها البيت الأبيض وكيف أنه يدير مجريات الأحداث في أرض المعركة سواء السورية أو العراقية أو القطرية السعودية أو اليمن أو غيرها من الدول التي تتماشى وفق طمأنينة أمريكية مطلقة وسببها دخول العراق.
حقيقة انه لو تتبعنا السياسية الأمريكية في العالم وخاصة العالم العربي لوجدنا عجب العجاب من المغازي والأهداف التي تلهث من أجلها أمريكا ولكن نكتفي بما ذكرناه عن أفغانستان والعراق ونعود إلى أحداث اليوم والقضية التي ضج لها العالم – قضية خاشقجي التي نعتبرها جريمة بشعة ولا جدال في هذا – والتي بموجب أحداث الأمس – أفغانستان والعراق واستغلال تدمير ابراج التجارة العالمية لصالح الهدف من الاستحواذ على الطاقة بلا منازع – نجد أن قضية خاشقجي شكلت سيفاً ذا حدين تعمل به الإدارة الأمريكية ضد ومع (السعودية وتركيا) , فلو نظرنا إلى السلاح الموجه من الأمريكان ضد تركيا فهو بسبب معركة إدلب وقضية قطر وخلافها مع السعودية وكيف أن أمريكا اختلقت موضوع القس الأمريكي كي تنال من تركيا وتشد من عضد السعودية ولكن بعد حفنة الإجراءات الأمريكية ضد تركيا أكتشف البيت الأبيض أنه أخطأ في حق تركيا كون قضية إدلب تستدعي من الأمريكان استعطاف الجانب التركي كون الجانبين قد وصلا قبل شهر تقريبا إلى المقاطعة شبه التامة بين الجانبين , ولكن ثغرة خاشقجي شكلت حلقة وصل بين الجانبين كي يتسنى للأمريكان دغدغة مشاعر الأتراك والاستقواء بهم في موضوع إدلب.
أما من السلاح المستخدم ضد السعودية فيبدو أنه من بعد أن فشلت الإدارة الأمريكية في دعم الانقلابيين على نظام الأسد وذهاب كل أموال وجهود السعودية لهم في العبث الأمريكي اللاهث وراء المال السعودي فقط , بلسان حال ترامب الذي يقول : ” هل من مزيد” , ولذا من الطبيعي أن ينتج بين الشركاء الخاسرين صراع من تحت الكواليس ولكن بحذر من التورط في أسوأ من ذلك , ولذا فبسبب الخوف الأمريكي من التمرد السعودي ومالها السائب وإمكانية الإستعانة بالجانب الروسي والصيني كي يغيروا عليها من الابتزاز الأمريكي المجحف , لذا عمدت السياسة الأمريكية لجعل قضية خاشقجي لكي تعيد الأمل للسعودية بالتقرب من الجانب التركي الذي قد يفيدهم في معركة إدلب حتى ولو على حساب سمعة المملكة السعودية ولكن بدعوى ” آخر العلاج بالكي ” ومنها كي تقنع السعودية أنه بإمكان الإدارة الأمريكية أن تفضح السعودية في أقرب لحظة قد تفكر في الاستغناء عن ” حبيب الروح ” أمريكا وحضنها الدافئ..ولذا فلا مجال لأي تلاعب بالذيل من الجانب السعودي..وهو ما يكشفه لنا كيف بدأت القضية تصير إلى التحجيم والشخصنة وتصغير المسألة شيئاً فشيئا وخاصة بعد استعطاف الجانب التركي من جهة البيت الأبيض واستمرار الواصل بعد القطيعة فيما بينهم.
..ولله عاقبة الأمور.

قد يعجبك ايضا