بالمختصر المفيد.. 26سبتمبر … وأعداء الجمهورية
عبدالفتاح علي البنوس
ثورة الـ 26من سبتمبر ليست بالحدث الهامشي أو الشيء الكمالي الذي يمكن تجاوزه والقفز عليه أو الاستغناء عنه وإلغاءه ، فهي محطة تاريخية هامة في حياة اليمنيين ولا يمكن بأي حال من الأحوال المرور عليها مرور الكرام ، بل يجب الوقوف عندها وإفرادها بالدراسة والتحليل وهذه مسألة طبيعية لا غبار عليها ، اليوم نحتفل بالذكرى الـ 56للثورة السبتمبرية بعد أيام قلائل على احتفالنا بالثورة السبتمبرية الوليدة ثورة الـ21سبتمبر والتي جاءت لتصبغ المشهد السبتمبري بعبق الثورة والتحرر من ال اما من عمر الثورة اليمنية يتساءل الجميع: ما الذي تحقق للوطن والشعب من أهدافها الستة التي جاءت بها وسعى الثوار من أجل تحقيقها ؟؟!!
وللإجابة على هذا التساؤل ينبغي التأكيد أولا على أنه لا يمكن لأي قوة أن تمحو هذه الذكرى من ذاكرة اليمنيين أو تغمضها في تاريخهم ، ولا يعني ذلك أنها وغيرها من الثورات باتت مقدسة وغير قابلة للانتقاد والأخذ والرد بشأنها فيما يتعلق بمسارها ومصدرها والمحرك لها والأهداف التي رفعتها ، فالتاريخ يشهد إنحراف مسار الثورة الذي كان مرسوما لها وذلك نتيجة صراع الثوار والتدخل السعودي المناهض والتدخل المصري المساند لها ، فالمصريون أرادوا لها أن تحمل الطابع المصري وكان لهم ذلك ، أما السعوديون فقد وقفوا ضدها وعمدوا إلى دعم المملكة المتوكلية وأنصارها التي تمثل النظام الإمامي من أجل إجهاض الثورة والقضاء على الجمهورية ، تماما كما هو موقفهم من ثورة الـ21من سبتمبر والتي أزعجتهم كثيرا وأربكت حساباتهم ودفعت بهم إلى التحرك نحو البيت الأبيض طلبا للنجدة والمساعدة فكان خيار شن العدوان على بلادنا هو الرد العملي على هذه الثورة الوليدة الوحيدة التي لا أثر فيها ولا حضور للعامل الخارجي على الإطلاق فكانت ثورة يمنية – يمنية بامتياز .
واليوم وبعد 56عاما من عمر الثورة السبتمبرية كان لزاما علينا أن نقف عند أهدافها ونراجعها بإنصاف وتجرد من أي ولاءات وانتماءات ضيقة ، وسيجد الباحث المنصف بأن الثورة لم تحقق من أهدافها إلا ما يتعلق بتحقيق الوحدة الوطنية واحترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم ، أما بقية الأهداف فقد ظلت حتى اليوم سطحية التنفيذ وغير ملموسة على أرض الواقع ، فمن التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات والطبقات ، انغمست البلاد وخصوصا عقب اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي في وحل الاستبداد والتبعية للسعودية والانبطاح لأمريكا ودول الاستكبار العالمي وتحولت الجمهورية إلى جمهوملكية وتعمقت الفوارق والامتيازات والطبقات وصارت اليمن إقطاعية يتقاسمها مجموعة من الثعابين الذين شكلوا ضربة موجعة للنظام الجمهوري ، إلى رفع مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وإنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل ، وهنا الشواهد واضحة للعيان فلا اقتصاد ولا حياة كريمة وهانئة للشعب ولا تعليم ولا ثقافة ولا سياسة ولا ديمقراطية حقيقية ، فالحاصل كان للديمكراضية أقرب منها للديمقراطية ، اقتصاد منهار وتعليم مفقود وثقافة مستوردة ووعي مفقود ، ولكم أن تتخيلوا بأن ينتخب شخص في البرلمان وهو لا يقرأ ولا يكتب ماذا يعني ذلك ؟؟!!
أعداء الجمهورية ولصوصها الذين يدعون اليوم بأنهم حراس لها هم من قادوا الأوضاع في البلاد نحو الاحتقان ، وفرضوا على الشعب حتميا الخروج في ثورة شعبية لتصحيح مسار ثورة الـ26من سبتمبر والعمل على تحقيق أهدافها ، قبل أن تواجههم ذات القوى التقليدية التي واجهت ثورة 26سبتمبر التي كانت قد بسطت نفوذها وأحكمت سيطرتها على الدولة وثرواتها ومقدراتها ورهنت قراراتها لآل سعود والسفير الأمريكي ، ولكنها فشلت ، ووجدت نفسها خارج الحسابات الوطنية بعد أن تحالفت مع قوى العدوان والإجرام ضد وطنها وشعبها ، واليوم تحاول جاهدة التلبيس والتدليس على الشعب بإدعاء الوطنية والدفاع عن الجمهورية من داخل ممالك القهر والإذلال والعبودية والطاعة العمياء في الخليج ، غير مدركة بأن الشعب اليمني شب عن الطوق وتحرر من نظام الوصاية والتبعية ، وأنه ما يزال وسيظل متمسكا بالنظام الجمهوري ، وساعيا نحو تحقيق أهداف ثورة الـ26من سبتمبر على أرض الواقع لا أن تظل مجرد شعارات وعبارات جوفاء لا تغادر مربعات صدر صفحات الصحف الرسمية ، الثورة مكاسب ينعم بأثرها الشعب ويرتقي بنتائجها الشعب – كل الشعب ، لا أن يقتصر الأمر على قبيلة أو أسرة أو حزب أو جماعة أو مذهب أو طائفة ، وأي انحراف عن مسار الثورات اليمنية أو تجاوز لأهدافها وتفريط بالتضحيات التي قدمت من أجلها سيقابل بالنقد والاستهجان والرفض والإدانة .
الرحمة والخلود للشهداء ، الشفاء للجرحى ، الخلاص والحرية للأسرى والمعتقلين ، والنصر والتمكين لليمن واليمنيين ، وكل عام وأنتم والوطن بألف ألف خير ، وعاشق النبي يصلي عليه وآله .