العدوان والفساد… ( يد تحمي ويد تبني)
محمد عبدالكريم القليصي
مما لاشك فيه أن العدوان الخارجي والفساد المالي والإداري يعتبران وجهان لعملة واحدة هي إنهاك اليمن (أرضا وإنسانا ودولة ).. فعلى مدى واحد وأربعين شهراً من عمر العدوان السعودي الإماراتي على اليمن عمد تحالف الشر بقيادة جارة السوء على تدمير البلد تدميراً كلياً من خلال استهدافه لمختلف المجالات السياسية والاقتصادية والخدمية والتعليمية والصحية… مستخدمين في ذلك التدمير والاستهداف شتى الوسائل والإمكانات المادية والعسكرية والسياسية والإعلامية بل ووصل بهم الحال إلى توظيف بيت الله الحرام مستغلين مكانته وقدسيته لدى المسلمين لخدمة عدوانهم ودعم موقفهم وأهدافهم السياسية وبصورة وضيعة ، إلى جانب الأموال المرصودة والإنفاق الهستيري لهذا العدوان و الذي عكس الحقد الدفين لليمن واليمنيين.
ومؤخراً نشرت صحيفة التايمز البريطانية أن السعودية تنفق في حربها على اليمن مبلغ ستة مليارات دولار شهرياً وبحسبة بسيطة لثلاث سنوات ونصف نجد أن المبلغ هو (252) مليار دولار إجمالي ما أنفقته مملكة آل سعود في عدوانها وقتلها لنساء وأطفال اليمن وتدمير بنيتهم التحتية ، وهي بلا شك قد أبدعت في التدمير وتفوقت على ما عداها في القتل والتشريد، متجاوزة بذلك كل الأعراف والمبادئ والقيم وجعلت كل شيء أمامها أهدافا مباحة، ونحن بهذا الكلام لا نتجنى على احد أو نبالغ في تشنيع ما قامت به جارة السوء ، فمن خلال استعراض بسيط لطبيعة الأهداف المستهدفة والتي شملت إلى جانب العديد من المنازل والدور السكنية، المستشفيات والمدارس والجامعات والأسواق وقاعات الأعراس والجسور والطرقات ومختلف المنشآت المدنية بل وحتى مخيمات النازحين تم استهدافها وأكثر من مرة وكل ذلك تم بصورة ممنهجة ومرسومة تعكس الهدف الحقيقي وراء هذا العدوان السافر على البلد والاعتداءات المتكررة لمنشآته الحيوية والسكنية بغية تركيع وإخضاع الشعب اليمني الذين عجزوا عن إذلاله بترسانتهم العسكرية وتحالفاتهم المشبوهة.
في الجانب الآخر من المشهد العام للبلد، يظهر الفساد المالي والإداري كغريم آخر لليمنيين وبمثابة عدوان داخلي لا يقل دناءة ووساخة عن العدوان الخارجي على اعتبار أن كلا العدوانين يستهدفان اليمن الأرض والإنسان بغض النظر عن من يكون الفاعل،
فعلى مدى سنوات خلت تنامى الفساد في اليمن بشكل واسع مقارنة بحجم الموارد الشحيحة والانفجار السكاني المهول ، إلى جانب ضآلة الاستثمارات المحلية والأجنبية الأمر الذي عُد وقتها تهديداً حقيقياً لحاضر ومستقبل الدولة والمجتمع ، أما اليوم فلقد أحالت آفة الفساد حياة اليمنيين إلى أزمات متلاحقة بصورة مشابهة للتركيع والإخضاع الذي يسعى إليه العدوان ، كون الفساد اليوم أتى مصاحبا لحصار خانق تعيشه البلد من قبل تحالف العدوان ،فالوضع لم يعد يحتمل لاسيما وان المتابع لا يجد قطاعاً واحداً بعينه خالياً من أنماط الفساد المختلفة، بل على العكس نجد الفساد ومافيا الفساد تكبر وتتطور يوماً بعد آخر في الشكل والأسلوب، متجاوزة بذلك صور الفساد التقليدية إلى ما هو ابعد من ذلك وأكثر تنظيماً وفتكاً بالمجتمع بصورة تتساوى مع فتك طائرات العدوان الخارجي مستغلين انشغال الدولة بمواجهة هذا العدوان ، في حين ان كلا العدوانين يستهدفان اليمن واليمنيين في مقتل ويحيلا حياتهم إلى جحيم ، غير ان العدوان الخارجي وقفت له الدولة والجيش واللجان الشعبية ومختلف فئات المجتمع بالمرصاد وجوبه بمقاومة ودفاع مستميت من قبل الجميع وقدمت في سبيل صده الجماجم.
في المقابل ظل العدوان الداخلي ( الفساد المالي والإداري) جاثماً على صدور اليمنيين يسرح ويمرح بحرية ويفتك بحياتهم وبمستقبل أطفالهم متى شاء وكيف شاء دون مواجهة تردعه كتلك التي يتلقاها العدوان الخارجي ، مع ان لكليهما نفس الهدف والمشروع، غير ان الرئيس الشهيد صالح الصماد رحمة الله عليه كان قد تنبه لذلك حين أطلق مشروعه (يد تحمي ويد تبني) حيث ساوى بين خطر العدوانين الخارجي والداخلي وذلك من خلال إطلاقه لواحدية أسلوب مواجهة هذين الخطرين اللذين يستهدفان المجتمع اليمني.
نحن اليوم دولة ومجتمع وأفراد مطالبون أكثر من أي وقت مضى برص الصفوف وبذل الغالي والنفيس لمواجهة العدوانين الخارجي والداخلي بنفس الحماس والحزم والشدة كون العواقب عن تخلف تلك المواجهة لا تخفى على احد ، فتقاعسنا وتخاذلنا عن مواجهة هذين الخطرين سيجعلهما يكبران ويتجذران وستصبح مواجهتهما لاحقاً صعبة وأكثر كلفة…فالبدار البدار والنفير النفير.