تُنتج السعودية أكثر من عشرة ملايين برميل من النفط الخام يوميًّا، وهي أكبر منتج في منظمة البلدان المُصدرة للنّفط “أوبك”، وأكبر مُصَدِّر للنفط في العالم، بأكثر من سبعة ملايين برميل يوميا، في المُتَوَسِّط.
تُشَكِّل إيرادات صادرات النفط أهم مصدر لثروة آل سعود ولجهاز الدّولة الذي كان يُوَزِّعُ جُزْءًا من الرّيع على الرعايا المحليين، مقابل “السّلم الاجتماعي” والولاء للحُكْم، مع استغلال فَظِيع للعمال المهاجرين الأجانب، وتنخفض أسعار النّفط الخام مرة كل عشر سنوات تقريبًا، مما يُؤَثِّرُ في إيرادات وبرامج الدول المُصَدّرة للنفط، والتي لا تستغل العائدات خلال فترة الارتفاع للاستثمار في قطاعات منتجة كالزراعة والصناعة أو البحث العلمي والتكنولوجيا، وكانت السعودية تزيد حجم الإنتاج لتعويض بعض الخسائر، لكن الموجة الحالِيّة لانخفاض الأسعار (منذ منتصف يونيو 2014) مُخْتَلِفَة عن سابقاتها، لأن الانهيار كبير (من معدل 115 دولارا إلى ثلاثين دولارا لبرميل النفط الخام)، ولأن التغييرات -التي حصلت في خارطة الإنتاج وفي سوق الطاقة- جوهرية وهيكلية ولها نتائج بعيدة المدى، تجسّدَتْ حاليا في تغيير موقع السعودية وانخفاض تأثيرها في عملية الإنتاج والتّسْويق، مما اضطر السلطات إلى الاتفاق مع روسيا، من أجل الحد من انهيار الأسعار، رغم محاولات الولايات المتحدة إلغاء تأثير هذا الإتفاق (بين منظمة الدول المُصَدّرة للنفط “أوبك” وروسيا) عبر إغراق السوق بالنفط والغاز الصّخرِيَّيْن، ومحاولة الاستحواذ على حصة روسيا من سوق الغاز والنّفط في أوروبا وآسيا.
وتمكّنت الشركات الأمريكية – المدعومة من الدّولة- (خلال فترة حكم باراك أوباما) من تطوير الوسائل التّقنية ومن خَفْضِ تكاليف إنتاج النفط والغاز الصّخْرِيّيْن، فيما ألغى النّواب الأمريكيون الحَظْر الذي كان مفروضًا على صادرات النفط الأمريكي منذ 1974، وأصبحت الولايات المتحدة مُنافِسًا جدِّيًّا للسعودية، ولمنظمة “أوبك” ولروسيا في مجال إنتاج وتصدير الطاقة، وساعدها في ذلك انخفاض إنتاج النفط الليبي منذ العدوان الأطلسي سنة 2011 وانخفاض الإنتاج والصّادرات في أنغولا ونيجيريا والكونغو وجنوب السودان، فيما لم تتمكن إيران من استعادة مكانتها في سوق الطاقة، بسبب السياسة العدوانية الأمريكية، وإعادة العمل بنظام العُقوبات الجائر…
من جهة أخرى أصبح الغاز الطبيعي (الروسي والقَطَرِي والغاز الصّخري الأمريكي) مُنافِسًا جِدِّيًّا للنفط في الأسواق العالمية، رغم ارتفاع تكاليف البنية التحتية (من بينها إنشاء خطوط الأنابيب ومحطات التَسْيِيل والتخزين…)، فهو يعتبر “طاقة نظيفة” مُقارنة بالنفط، وأقل ثَمنًا…
لا تزال السعودية مُنْتِجًا هامًّا للنفط، لكنها تأثَّرت بهذه العوامل التي تُغَيِّرُ المعادلات التي حَكَمَتْ سوق الطاقة منذ نهاية 1973، وبالتّالي تَغْيِير مكانة السعودية في استراتيجية الهيمنة الأمريكية، لأن هذه المكانة مُرْتَبِطَة بحجم إنتاج وتصدير النفط، وبما تحتويه خزينة آل سعود، لإنقاذ المصارف والشركات والوظائف الأمريكية، عبر الإنفاق على شراء الأسلحة والتجهيزات الأخرى، مثل السيارات الفاخرة ورباعية الدّفع، ومرتبطة بقُدْرَة السعودية على مُسايَرة (بل الاندماج في) تَنْفِيذ المُخطّطات الأمريكية في الوطن العربي وفي منطقة الجوار في آسيا وإفريقيا (اليمن وإيران وسوريا وأفغانستان والقرن الإفريقي)…
أَدَّى انخفاض أسعار النفط الخام واحتداد المُنافسة إلى تهديد أُسُس الدولة السّعودية التي تَخَلّفت عن تسديد مُستحقّات الشركات الخاصة، وتسببت بإفلاس شركة آل الحريري (سعودي أُوجِيه) وخلق صعوبات لشركة “أُسْرة بن لادن”، ولجأت إلى خَفْضِ الإنفاق الحُكُومي، وخفض رواتب موظفي الدّولة، وإقرار ضرائب غير مباشرة (ضريبة القيمة المُضافة، على مستوى خَلِيجِي)، وزيادة أسعار الوقود والغذاء والكهرباء وخصخصة المطارات والصحة وبعض مؤسسات التعليم، في بلد اعتاد مواطنوه على الاستفادة من فُتات ريع النفط، فَتَغَيَّرَ بذلك نمط حياة السعوديين، وأَدّى استمرار ارتفاع حجم ونسبة العجز في الميزانية، وانخفاض احتياطي النّقد الأجنبي، إلى البحث عن مصادر جديدة لتمويل بَذَخ الأُسْرَة الحاكمة ولتمويل مشاريع الدولة، ولجأ ولي العهد (الحاكم الفعلي للبلاد) إلى ابتزاز أثرياء الأسرة الواسعة ورجال الأعمال، عبر اعتقال المئات، وإطلاق سراحهم مقابل فِدْيَة وتقديم آيات الطّاعة والولاء، وأَعَدّت شركة الاستشارات الأمريكية “ماكنزي” دراسة تحت عنوان “رؤية السعودية 2030” وتضمنت “توصيات” من بينها خصخصة 5% من أسْهُم شركة النفط “أرامكو السعودية”، عبر عَرْض اكْتِتاب دولي، وتأمل حكومة السعودية جَنْيَ مائة مليار دولار من هذه العملية، واضطرت السعودية إلى التّعامل في مجال الاستثمارات مع بعض خُصُوم أمريكا (الصّين وروسيا)، “لِيُصْبِح الخُصُومُ شُرَكَاءَ” بحسب تعليقات وسائل الإعلام الرُّوسِيّة، لكن قد تكون مثل هذه المبادرات إيذانًا ببداية النِّهاية لنُفُوذ منظمة البلدان المُصَدِّرَة للنفط (أوبك)، ولِدَوْرِها كَإِطار مباحثات ومُشاورات بين 12 دولة مُصَدِّرة للنفط، وانخفض كذلك دور المُنَظّمة في تحديد سعر النفط، بسبب وَفْرَة النفط الصّخْرِي الأمريكي (وانخفاض تكلفة إنْتاجه)، كما انخفضت أهمية دور السعودية التي كانت أهم مُصَدِّرٍ للنفط نحو الولايات المتحدة، وانخفض دورها في الاستراتيجية الأمريكية، حيث ساهمت (السعودية) في إفلاس الاتحاد السوفييتي عندما أغرقت الأسواق العالمية بالنفط الرخيص بداية من 1985، وموّلت في نفس الوقت تَسْلِيح المنظمات الرجعية في أفغانستان، التي أوْلَدَت تنظيم “القاعدة” و”طالبان” و”النصرة” وغيرها، أما اليوم فأصبح النفط الصخري الأمريكي يُنافس نفط السعودية وغاز روسيا في أسواق آسيا وأوروبا، واضطرت السعودية إلى الاستثمار في المصافي وفي مصانع البتروكيماويات، لتحويل جزء من نفطها الخام إلى نفط مُكَرّر، واشتركت مع روسيا منذ سنة 2016 في بناء مصانع بتروكيماويات في السعودية، كما اشتركت “أرامكو” مع شركات صينية في إدارة مشاريع تكرير النفط (السّعودي) في الصين ومشاريع بنية تحتية وطاقة وتعدين في السعودية بقيمة عشرين مليار دولار…
بالتّوازي مع تنويع مصادر الدّخل (لكنها هذه المصادر لا تزال جميعها مُرْتَبِطَة بقطاع النّفط)، بدأت السلطات السعودية تنفيذ سياسة تخزين النفط، بهدف ضخ كِمِّيّات قَدْ تُعَوِّضُ نَقْصَ النفط الإيراني عند دخول العقوبات الأمريكية حيز التطبيق، في الرابع من نوفمبر 2018، وتُنتج إيران حاليا 3,8 ملايين برميل، وتُصَدِّرُ 2,3 مليون برميل يوميًّا، تجاه بلدان آسيا خصوصا (الصين والهند وكوريا الجنوبية).