أكد تقرير جديد صادر عن منظمة الأغذية العالمية (فاو) ارتفاع نسبة إهدار الغذاء من إجمالي الإنتاج الغذائي العالمي (الخام والمُصَنّع)، أما الأسباب فهي متعددة، منها ما يتعلق بغياب وسائل التّخْزِين ومنها ما يتعلق بالمناخ والعوامل الطبيعية التي تُفْسِدُ جُزْءًا من الإنتاج الغذائي، ومنها ما يتعلق بوسائل الحِفَاظ على الأغذية المُصَنَّعَة، في وسائل النقل وفي المَتاجر وفي البيوت، وتَقُوم جُل الحكومات بحملات من حين لآخر (قبل إعلان زيادة أسعار الاستهلاك) تَدْعُو إلى عدم إلقاء أو إتْلاف الغذاء، مُحَمِّلَة المواطن المُسْتَهْلِك مسؤولية هَدْر الغذاء، خصُوصًا قبل زيادة الأسعار، لتبرير تلك الزيادات.
ولا أحد يَتّهِمُ نَمَط الاستهلاك وهو جُزْءٌ من منظومة أوسَع تتجاوز صغار الفلاحين والمُسْتَهْلِك، إلى الشركات الكبرى لتصنيع وبيع الغذاء بكميات ضَخْمَة، وفي الضّفّة المُقابلة للهدر.
ويشير التقرير الى ان حوالي مليار إنسان (واحد من كل سبعة أشخاص من سكان العالم) يفتقرون إلى ما يكفي من الغذاء، أو إلى الغذاء المُتوازن، وهذه ليست مسؤولية المواطن المُسْتَهْلِك الفَرْد الذي يُلْقِي بالغذاء في القمامة حسب التقرير ، بل تتجاوزها إلى التبادل غير المُتكافِئ وإلى انعدام التّوازن على صعيد داخلي (داخل كل بلد) وعلى صعيد عالمي… قدّرت منظمة الأغذية العالمية (فاو) التابعة للأمم المتحدة أن العالم يهدر سنويّا 1,3 مليار طنًّا من المواد الغذائية الصالحة للأكل، أو ما يُعادل ثلث الإنتاج العالمي من الغذاء (هدْر مُتوسط 115 كيلوغراما سنويّا للفرد)، أو ما يَكْفِي لِتَغْذِيَة 3 مليارات شخص.
وقَدّرت المنظمة قيمة الغذاء المهدور في الدول الصناعية المُتَطَوّرة بحوالي 680 مليار دولار، سنويا وفي الدول “النامية” (أي البلدان الفَقِيرة) بقيمة 310 مليارات دولار، أو ما يقارب تريليون دولارا في مجمل بلدان العالم سنويًّا، وبدَل مُحاربة الفقر من جُذُوره، وإعادة توزيع الثروات، تعمد حكومات مختلف الدول إلى التّهريج الإعلامي، واتخاذ قرارات ظرْفِيّة لا تُزْعِجُ الشركات الاحتكارية وشبكات التجارة والصناعات الغذائية.
في الوطن العربي (ما يُسَمِّيه صندوق النقد الدولي “منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”) لا تَصل نسبة المساحة المزروعة إلى 4 % من المساحة الإجمالية للأراضي، مما يُساهم في شُحّ الإنتاج الزراعي ويُهَدِّدُ الأمن الغذائي، ولا تُنْتِجُ المنطقة سوى 50 % من احتياجاتها من الغذاء، وتستورد نصف حاجة السّكّان، وبلغت قيمة واردات الغذاء قبل عشر سنوات (سنة 2008) حوالي 61,4 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 92,4 مليار دولار بحلول سنة 2020، وتعتبر مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، تليها الجزائر… أما في السعودية “أكبر اقتصاد عربي” (بفضل ريع النّفط، وليس بفضل الزراعة أو الصناعة أو التكنولوجيا)، فقد أصدرت “وزارة البيئة والمياه والزراعة” (يونيو 2018) تقريرا أَكّد أن البلاد تحتل المرتبة الأولى عالمياً في هدر الغذاء.
وصادف صدور التّقرير إقرار زيادات في أسعار الكهرباء والوقود والغذاء، وأوضح التقرير “إن حوالي 30 % من الأغذية المنتجة (أين أُنْتِجَتْ؟) يتم إهدارها، أو ما مقداره 8,3 ملايين طن من الغذاء سنويا، بينما تصل قيمة الطعام المهدر حوالي 49 مليار ريال سنوياً” (دولار واحد = 3,75 ريال سعودي).
وبذلك يبلغ نصيب الفرد من الطعام المهدر في السعودية حوالي 250 كيلوغراماً سنوياً، أو أكثر من ضِعْف المعدل العالمي البالغ 115 كيلوغراماً سنويًّا للفرد، وفق تقديرات منظمة الأغذية والزراعة، مع الإشارة إلى أن السعودية تستورد كافة احتياجاتها الغذائية تقريبًا، بعد أن ألغت زراعة الحبوب، وتنفق السعودية حوالي 4 % من احتياطي العملة الأجنبية على واردات الغذاء، ولا شيء يُشِير إلى حُدُوث تغييرات باتجاه تشجيع الإنتاج الزراعي.