الثورة نت|….
انتهجت سلطنة عمان تاريخياً دوراً يقوم على نسج علاقات متوازنة مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية، حيث تمتاز السلطنة بقدرتها الفريدة على التواصل مع كل الأطراف، فيما يتعلق بكل القضايا، وفي كل الأوقات، وبفضل هذه السياسة تمكّنت مسقط حتى الآن من تجاوز جميع الأزمات التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط والخليج الفارسي على وجه الخصوص، إلا أن مؤشرات جديدة تشير إلى مساعٍ سعودية وإماراتية لحرف هذا النهج العماني المعهود، وذلك من خلال محاولة فرض أثمان على مسقط في الميادين المختلفة السياسية والاقتصادية.
وقد أشار معهد استراتفور المعني بالشؤون الأمنية، إلى مساعٍ تبذلها كل من السعودية والإمارات بهذا الاتجاه، حيث قال في تقرير له: إن الإمارات والسعودية تضغطان على سلطنة عمان من أجل تغيير مواقفها حيال العديد من القضايا الإقليمية.
إلا أن عمان من أجل تجنّب هذه الضغوط سارعت إلى توسيع علاقاتها بشكل كبير مع جميع القوى الإقليمية والدولية المؤثرة، وتعزيز دبلوماسيتها العالية، بما يمكنها من لعب دور الوسيط في حل الأزمات، بدلاً من أن تكون ضحية لها، وقد أعاقت عمان باستمرار الجهودَ السعودية الإماراتية التي سعت إلى تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد خليجي في عام 2013م، لأنها لم تشأ التخلي عن حيادها.
فيما يتعلق بالنزاعات في منطقة الخليج الفارسي التزمت سلطنة عمان سياسة الحياد، وأبقت على علاقات جيدة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولم تقطع علاقاتها بقطر، وهي تلعب دور الوسيط في الأزمة اليمنية.
وفي الوقت الذي تفرض فيه أمريكا عقوبات اقتصادية على الجمهورية الإسلامية، تعمل السعودية والإمارات على استغلال هذه الحالة للضغط على عمان لقطع علاقاتها بإيران، حيث تعوّل السعودية والإمارات على أن الموقف الأمريكي المتشدد من إيران، سيقود إلى موقف مماثل من سلطنة عمان التي تجمعها علاقات جيدة مع الأخيرة، وأن حكومة ترامب لا تثق بمسقط لهذا السبب، إلا أن الأخبار التي تتحدث عن محاولات متكررة للإدارة الأمريكية للاتصال بإيران، تنفي هذا الاحتمال، بل على العكس ستجد أمريكا نفسها بحاجة إلى وساطة مسقط من جديد، وهذا سيعزز الدور الدبلوماسي لعمان.
مسقط لم تستجب للضغوط السعودية الإماراتية لقطع علاقاتها التجارية والدبلوماسية مع إيران، حيث توجد روابط متينة بين البلدين، إذ يُقدَّر التبادل التجاري بينهما بنحو مليار دولار سنوياً، فقد أبرمت عمان اتفاقاً مع إيران يقضي باستيراد 10 مليارات متر مكعب من الغاز الإيراني بشكل سنوي، كما دُشن بالفعل خط ملاحي يربط بين البلدين، وهو ما سيزيد من حجم التبادل التجاري بينهما في الفترة القادمة.
ولا تقف العلاقات القوية بين عمان وإيران عند هذا الحد، فعمان تمثل طهران في البلدان التي لا يوجد لها تمثيل دبلوماسي لها، مثل كندا، كما تربط بين عمان وإيران اتفاقيات للتعاون الأمني، التي بدأت عام 2009م وتطورت في عام 2013م، هذا بالإضافة إلى المناورات البحرية المشتركة بين البلدين في مضيق هرمز الذي يتشارك فيه البلدان ويعبر من خلاله 40% من النفط العالمي.
وفي الشأن اليمني لم تشارك مسقط قوات التحالف الذي تقوده السعودية في العدوان على اليمن، بل عملت على لعب دور الوسيط وتسهيل الحوار بين الأطراف المتنازعة من خلال نسج علاقات مع جميع الأطراف المتنازعة في اليمن.
إلا أن هذا الدور – وفقاً لتقرير معهد استراتفور- لم يرق للسعودية والإمارات اللتين ترغبان أن تتحرك مسقط وفق مصالحهما وسياساتهما، والتي تقضي بأن تقطع عمان علاقاتها التجارية مع إيران وتغلق جميع القنوات مع حركة أنصار الله، وتلتحق بركب الدول المحاصرة لدولة قطر.
أما الوسائل السعودية الإماراتية لدفع عمان للتخلي عن مواقفها، فهي من خلال إقناع أمريكا بممارسة ضغوط على السلطنة تدفعها لقطع علاقاتها مع إيران، وكذلك الضغط من خلال الشركات العمانية الموجودة في الإمارات التي تعتبر الشريك التجاري الأول للسلطنة، وعرض ضخ استثمارات سعودية وإماراتية في عمان مقابل مسايرة السلطنة لسياساتهما، هذا بالإضافة إلى مساعي السيطرة على محافظة المهرة اليمنية التي تعتبر البوابة الشرقية لليمن نحو عمان والتي لطالما كانت تحت النفوذ العماني.
ووفقاً لتقرير أوردته صحيفة فورين بوليسي يونيو الماضي، فإن السعودية والإمارات تعملان على التدخل في مسألة خلافة السلطان قابوس، من خلال بث الأخبار التي تتحدث عن تدهور الوضع الصحي للسلطان قابوس ومحاولة الحصول على معلومات حول هذه الأمر من أروقة السياسة العمانية (قضية خلية التجسس الإماراتية في عام 2011م).
إلا أن سلطنة عمان تعلم أن خضوعها للضغوط عليها، وتخليها عن سياستها المحايدة والمتوازنة مع جميع الأطراف، سوف يجعلها في نهاية المطاف عرضة للاستفراد بها من قبل السعودية والإمارات، وسيضعف من مكانتها الإقليمية ويضعها في موقف الدول المنفعلة بأحداث المنطقة بدل الفاعلة، كما تعلم أن السياسات المتهورة التي يقوم بها حكام السعودية والإمارات الجدد، ستدخلهم في مآزق متعددة، وستدفعهم في نهاية المطاف للجوء إلى مسقط، لإنزالهم من على الشجرة، ولا سيما في قضية اليمن التي لم يفلح التحالف السعودي في فرض إرادته عليها بعد أكثر من 4 سنوات من العدوان.