أعربت صحيفة الـ”سي بي إس نيوز” بأنه على الرغم من ادعاءات الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” التي أكد فيها عن قيام الحكومة الأمريكية بتوفير العديد من الوظائف للعاطلين عن العمل، وأن الاقتصاد الأمريكي يشهد نمواً كبيراً، إلا أن دراسة أجرها معهد أبحاث “أربين” كشفت بأنه من بين كل عشرة أمريكيين، هنالك أربعة منهم غير قادرين على دفع تكاليف احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك الطعام وإيجار السكن وأن هذه المشكلة متفشية بين الطبقتين الوسطى والفقيرة في المجتمع الأمريكي.
ونتائج هذا البحث فاجأت الباحثين في معهد “إربين”، وذلك لأنهم لم يتبأوا بأن الطبقة المتوسطة من الأسر الأمريكية لم تكن قادرة على تلبية وتأمين احتياجاتها الأساسية ولكنهم عقب مشاهدة تلك النتائج أيقنوا بأن مقدار الدخل السنوي للطبقة الوسطى التي تتدحرج باتجاه الفقر، هو مؤشر على تحسّن أوضاعها أو تراجعها وأن ذلك المؤشر يزداد انخفاضاً عاماً بعد عام في دخل أسر هذه الطبقة التي تنفق أكثر من نصف دخلها على إيجارات المساكن.
وفي حين أعلنت حكومة أمريكا بأن معدلات التوظيف فيها قد وصلت في وقتنا الحاضر إلى أعلى مستوى ممكن لها، إلا أن 39.4٪ من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18-64، أعربوا بأنهم كانوا يعانون الكثير من المشكلات المالية في عام 2017م وحول هذا السياق، أعلن “فيليب ألستون” المّقرر الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في تقرير نشره مؤخراً، بأن العمل المنهجي لحكومة “ترامب”، أثّر بشكل كبير على برنامج الرعاية الاجتماعية في أمريكا وأدّى إلى تأزم الأوضاع المالية والمعيشية للملايين من أبناء الشعب الأمريكي الذين تزداد أوضاعهم الصحية والمعيشية سوءاً يوماً بعد يوم.
وهنا حذر “فيليب ألستون” من موت ملايين الأمريكيين الذين يعيشون اليوم في حالة يرثى لها، حيث قال: “إذا لم يتم منح القسائم الغذائية والخدمات الصحية والمساعدات السكنية، فإنه سيكون لذلك تأثير سيئ للغاية على الأشخاص الذين يعيشون على خط الفقر” وأضاف “ألستون”: “إن السياسات التي تم انتهاجها في العام المنصرم استهدفت عن عمدٍ فيما يبدو إلغاء وسائل الحماية الأساسية للأكثر فقراً ومعاقبة العاطلين وجعل حتى الرعاية الصحية الأساسية امتيازاً يتم اكتسابه بدلاً من أن تكون أحد حقوق المواطنة”، ووفقاً لما قاله “ألستون”، فإن الرئيس الأمريكي “ترامب” يوجه أمريكا نحو “تغيير كبير”، يصبح فيه الأغنياء أكثر ثراء، والفقراء أكثر فقراً بحيث لا يستطيعون تلبية وتأمين احتياجاتهم الأساسية وطالب “ألستون” السلطات الأمريكية بتوفير حماية اجتماعية قوية ومعالجة المشكلات الكامنة وراء ذلك بدلاً من معاقبة ومحاصرة الفقراء.
وفي سياق متصل كتب “بوني ساندرز”، وهو سيناتور أمريكي مشهور، على صفحته على “تويتر” بعد نشر هذا التقرير: “في أغنى دولة في العالم، هناك الملايين يعيشون في فقر مدقع، وليس لديهم تأمين صحي، ولا يستطيعون شراء الأدوية التي يصفها لهم الأطباء، ولا يستطيعون استئجار منازل رخيصة ومناسبة للعيش”.
من جهته قال الخبير الاقتصادي في مركز التطوير الأمريكي “جو فالينتي”: “لم يشهد التمييز في الدخل هذا التصعيد منذ قرابة القرن، فعلى الرغم من التحسن الاقتصادي في أسواق البورصات، إلا أن رواتب العمال لم تتحسن، حيث تذهب 95% من العائدات السنوية للدولة إلى جيوب 1% من السكان”.
وعلى الرغم من كل هذه المشكلات المالية والمعيشية التي يعيش فيها نصف المجتمع الأمريكي، إلا أن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، أعربت بأن الأغذية التي يرميها الأغنياء في أمريكا يمكنها أن تنقذ الملايين من السكان حول العالم من الجوع وهذا الأمر يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن هناك فجوة كبيرة بين الطبقة الغنية والطبقة المتوسطة والفقيرة داخل هذا البلد الذي يدّعي بأن اقتصاده شهد تحسناً خلال السنوات القليلة الماضية وبالنظر إلى هذا التفاوت الطبقي العميق الموجود في المجتمع الأمريكي، والتقرير الأخير للأمم المتحدة الذي قارن فيه حالة الفقر في هذا البلد مع بعض الدول الفقيرة الأخرى في إفريقيا وآسيا، فإن حكومة هذا البلد تستطيع استثمار ذلك الطعام الفائض ونقله إلى سلة الأسر ذات الدخل المنخفض وذلك ليكون لهم عوناً كبيراً لأمنهم الغذائي وفي سياق متصل أعربت وزارة الزراعة الأمريكية أنه في عام 2016م وعلى الرغم من وفرة المنتجات الزراعية والغذائية في البلاد، إلا أن 12.3 % من الأسر الأمريكية كانت تعاني من فقر في أمنها الغذائي.
وهنا يمكن القول إن أمريكا لم تعد في نظر الكثير من أبنائها أو المقيمين فيها، هي البلد الذي كان ولايزال يمثل حلم الهجرة للملايين من البشر، إن أمريكا في ظل هيمنة رأس المال وطغيانه على الطبقة المتوسطة والفقيرة، لا مكان فيها إلا للأثرياء حيث يزداد الثري ثراءً، والفقير فقراً، ومن كان ينتمي للطبقة الوسطى يعجز عن البقاء ضمن طبقته، لأن جور رأس المال يدفع به باتجاه الفقر لا الثراء.