العلامة / عبدالرحمن شمس الدين
للجهاد فضل كبير, ومكانة عظيمة في الإسلام وذلك لأهميته الكبيرة فعن طريق الجهاد يحفظ هذا الدين وتحفظ ديار الإسلام وتتحقق العزة للإسلام والمسلمين وتتحقق المذلة للكفار وللغزاة والمستعمرين ,به ترفع راية الإسلام وينتشر الدين في مشارق الأرض ومغاربها ويتم تبليغه للناس, وقد قال رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم في حديث طويل ورد عنه :
“رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد” وقد اتفق جميع علماء المسلمين على أن الجهاد فرض وواجب على المسلمين وقسموه إلى قسمين : جهاد طلب وجهاد دفع .
وكلامنا عن جهاد الدفع ويمكن أن نسميه بالجهاد الدفاعي وهو الجهاد الذين يهدف إلى حماية ديار الإسلام وحماية أهلها في حال تم الاعتداء عليها من قبل الكفار أو البغاة أو المستعمرين وهذا الجهاد فرض عين على كل أفراد المسلمين الذين تحققت فيهم شروط الجهاد, وهناك بعض الحالات التي يتعين الجهاد فيها, أي أنه يصبح فرض عين , وهي حالة النفير العام التي يعلنها الإمام الحاكم .
وجهاد الدفع أعظم أجرا من جهاد الطلب , لأن جهاد الدفع فيه حفظ رأس مال المسلمين , وجهاد الطلب فيه طلب ربح وحفظ رأس المال مقدم على طلب الربح .
وجهاد الدفع أصعب من جهاد الطلب لأن جهاد الدفع يشبه بدفع الصائل ولهذا ابيح للمظلوم أن يدفع عن نفسه كما قال الله تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) لأن دفع الصائل جهاد وقربة كما أن الدفاع عن الأوطان فطرة وإيمان .
لأن الوطنَ للإنسان يعتبر بيته وحياته، وبمراجعة حياة البشر وغير البشر يلاحظ أن حب الأوطان فطرة مركوزة في المخلوقات، فالحيوانات تحن إلى أوكارها، والطيور تئن إذا غادرت عشها، كذلك الإنسان الذي كرمه الله تعالى يحن بحكم الفطرة إلى بلده ووطنه الذي ولد فيه ونشأ على أرضه.
وعلينا أن نستذكر الموقف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أجبره قومه على ترك الوطن الذي تربى فيه وعاش على أرضه ماذا فعل، لقد تصرف بطبيعة الفطرة البشرية فوقف يتأسف على خروجه من بلده، فلقد سمعه من شاهده وهو على راحلته بالحَزْوَرَةَ يقول صلوات الله عليه وعلى آله: »والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت« قال الحاكم في المستدرك: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، فكلامه صلى الله عليه وآله وسلم ليس بطبيعة النبوة والرسالة ولكن بطبيعة البشري الذي عاش في أرضه وأحبها وعشق ترابها وحزن لفراقها حزناً كبيراً.
لقد جعل الإسْلَام حب الأوطان من الإيمان، وإن لم يصح القول (بأن حب الوطن من الإيمان) إلا أن معناه صحيح يؤكده تطبيق النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أخرج من مكة وهاجر إلى المدينة وقال كلمته المشهورة المتقدمة، وإذا كان الإسْلَام يشجع على حب الوطن فإنه يوجب الدفاع عن الأوطان، ولذا شرع الجهاد في سبيل الله تعالى دفاعاً عن الدين والأهل والوطن والأرض والعرض، وجُعل من استشهد في سبيل ذلك شهيداً في سبيل الله تعالى، ففي الحديث الصحيح »من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد«.
وهنا قضية هامة وقضية مؤكد عليها في القرآن الكريم بشكل كبير وهي أن الناس كلما يدخلون في صراع يدخلون فيه على أساس هدى الله وأن يكون في سبيله على الطريق التي رسمها ومن أجله كما قال الشهيد القائد رضوان الله عليه: هذه القضية هامة حتى فيما يتعلق بالدفاع عن الأوطان عندما قال الله تعالى: ?وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين? القضية الأساسية أن يكون الناس مقاتلين في سبيل الله وإذا كانوا في سبيل الله فيكون تحرير أوطانهم قضية ثانوية ويتحقق التحرير تلقائياً؛ لكن إذا عكسوا المسألة (نقاتل من أجل الوطن) وهذه العبارة، وهو المنطق الذي استمر عليه العرب فترة طويلة، ترسيخ الوطنية والقومية ونحوهما من العناوين في الأخير خسروا فعلاً، ما حققت لهم شيئاً، ولا استطاعوا أن يحققوا شيئاً في مواجهة العدو باسم أنه لن نسمح بأن يحتل وسنقاتل من أجل الوطن، وجدنا ممن يهتفون بهذه هم ممن يبيعون الأوطان يأتي الأمريكي والخليجي ويشترونه شراء، وفي الأخير يبيع الأمة والوطن.
الناس الذين يتجهون في سبيل الله ومن أجل الله هم الناس الذين تعتبر الأوطان غالية لديهم، وتعتبر الأعراض عزيزة لديهم، وتعتبر الممتلكات هامة لديهم “وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله” هذا توجيه إلهي لأن الله جعل دينه للناس فعندما يقاتلون في سبيله يكونون مستعدين أن يضحوا بأنفسهم وأموالهم، قتالهم يكون من أجل الله ولله، هؤلاء هم من يحررون الأوطان ومن يصونون الأعراض ويصونون الممتلكات.
وقال رضوان الله عليه: الله ضرب لنا مثلاً رائعاً من بني إسرائيل « أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ » من يأتي لاحتلال أرضك يجب أن تتوجه لقتاله في سبيل الله، وأن تتوجه في سبيل الله، أي ارفع بنيتك و ارفع برأسك إلى الله، لا تنزل تحت تقول: من أجل الوطن، من أجل تربة الوطن، هذه النكسة الخطيرة، انتكس العرب عندما نكسوا نواياهم (مَنْزَل) لاحظ كيف ضرب مثلاً رائعاً جداً، وكلاماً هاماً جداً في الموضوع: من انطلقوا يقاتلون في سبيله مع أنهم لم يبق في الأخير إلا قليل من قليل «ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا» أي قائداً«نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ » هذه القضية معروفة عند بني إسرائيل، ولاحظ كيف هم خباث جداً يعرفون، ونحن نقول أكثر من مرة: هم يحاربوننا، وعندهم معرفة بالسنن الدينية، بالسنن الإلهية، يجب أن نكون حذرين، ونكون واعين، من أين جاءت لنا الوطنية والقومية، من أين؟ من عندهم صدروها من أجل ننكس رؤوسنا مَنْزَل، لينكسونا مَنزَل أليس العرب في الأخير انتهوا إلى أن دسوا رؤوسهم في التراب لأنهم يقولون: وطنية، من أجل الوطن، وتربة الوطن، لكن يرفع الناس رؤوسهم إلى الله تُحمى أوطانهم فعلاً وتصان، بنوا إسرائيل فاهمون في ثقافتهم هذه، أعني: الآية تحكي بأنهم في تلك المرحلة فاهمين بأنه يجب أن يتوجهوا ليقاتلوا في سبيل الله، مع أن الدافع لديهم هو ماذا؟ أنهم قد أخرجوا من ديارهم وأبنائهم، أليس هذا الدفاع الذي يسمى الدفاع عن وطن؟ انتقام من عدو أخرجنا من ديارنا وأبنائنا، أليس دفاعاً عن وطن؟ لكن لو قالوا: وطنٌ، نقاتل من أجل الوطن، لن يرد عليهم النبي ولن يحصل لهم شيء.
معنى هذا أنها قضية مؤكدة لديهم أنه في الوقت الذي يحسون فيه بأنهم مضطهدون ومقهورون من جانب عدوٍ أخرجهم من ديارهم وأبنائهم، عليهم أن ينطلقوا في سبيل الله. إلى أن قال: قتالاً من أجل الوطن أَوْ دفاعاً عن الوطن، هذه العبارة لا تجد لها في القرآن الكريم فيما أعتقد موقعاً على الإطلاق إلا مرة واحدة خُوطب بها مَن؟ خُوطِبَ بها منافقون، لم يُخاطب بها مؤمنون “قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُواْ? إذا ما زال عندكم حرص على أعراضكم، وعلى بيوتكم، وعلى ممتلكاتكم أَوِ ادْفَعُواْ” قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ».
ما خوطب بها المؤمنون أبداً، المؤمنون يوجهون دائماً، المسلمون بشكل عام أن يتحركوا في سبيل الله، وليعرفوا أنها لا تتحرر أوطانهم أبداً بعناوين أخرى إلا إذا انطلقوا في سبيل الله، أين البلد الذي قد تحرر من بداية الاستعمار الأول إلى الآن؟ هل هناك بلد تحرر فعلاً بما تعنيه الكلمة وأصبح مستقلاً؟ لا. بعد الاستعمار الأول خرج المحتل وأبقى أقدامه، أبقى عملاءه، وبعده ماذا؟ تأتي ضغوط أمريكية.