الثورة نت | تقارير
أتى المحتفلون من مسافات تزيد عن الساعة سيرا على الأقدام بالمنطقة ليغنوا ويرقصوا ويهنئوا العريس يحيى جعفر (20 عاما). وكان مكان الاحتفال بسيطا، خيمة عرس مبنية من فروع الأشجار وقماش ملون، بالإضافة إلى الغرفة الوحيدة للعريس وعروسته وقد امتلأت بالرجال والفتيان وهم يقرعون الطبول ويعتمرون أكاليل الياسمين على رؤوسهم.
وكانت النساء بخيمة أخرى تبعد قليلا عن خيمة الرجال، يغنين ويرقصن أيضا. ومع الصوت العالي للموسيقى والطبول، لم يسمع أحد صوت الطائرة التي كانت تحلق فوق الرؤوس.
تجمع الناس يوم 23 أبريل/نيسان الماضي بقرية الرقة اليمنية في مركز بني قيس بمحافظة حجة شمالي اليمن للاحتفال بأحد أعراس البلدة.
أجساد ممزقة
قال صالح يحيى (35 عاما) لموقع إنترسبت الأميركي “كنا نغني ونرقص. وكانت كل أنشطة العرس قد أوشكت على الانتهاء. وكنا على وشك المغادرة، لكن فجأة وجدتُ نفسي على الأرض، ولا أستطيع سماع أي شيء. فقدتُ السيطرة على جميع أحاسيسي. وكانت هناك أشلاء من جثث حولي. وبدأت أبحث فقط عن أطفالي”. ووجد يحيى أحد أطفاله بكامل الجسد وحيا يُرزق، والآخر قد فارق الحياة بعد تمزق جسده.
ضرب الصاروخ المكان حوالي الحادية عشرة ليلا وقتل 23 من المحتفلين وأصاب أكثر من 60 بجروح. وقال سكان القرية لمراسلة الموقع أليكس بوتر إن جميع القتلى تمزقت أجسادهم وأصبحت عبارة عن قطع متناثرة. وأوضح صالح يحيى أنهم قضوا أكثر من أسبوع للعثور على كامل الأجساد.
وبلدة الرقة اليمنية لا توجد على أغلب الخرائط. وهي ليست أكبر من نقطة صغيرة على جانب من جبل وتبعد حوالي ساعتين ونصف الساعة من مدينة حجة عاصمة المحافظة، وأكثر من ساعة من أقرب طريق معبّد بالأسفلت. ولكي تصل إلى الرقة عليك أن تسير في طريق مليء بالصخور أقرب إلى قاع النهر الجاف وتتبع التوجيهات التي يقدمها لك الأهالي. وهي مكان يقطنه مزارعون ولا يوجد به مقاتلون البتة.
“جعفر قال إنه وعروسته أكملا الإجراءات الرسمية لزواجهما وانتقلا إلى منزل والديهما (بعد أسبوعين من الغارة)، وإنهما يعانيان من الصدمة ولم يستطيعا النوم ولا يشعران بأنهما عريس وعروس (ذكر وأنثى) ويمتلآن بالخوف من عودة الطائرات السعودية“ |
لا تفسير
ولكن ولسبب غير معروف، استهدف التحالف الذي تقوده السعودية عرس يحيى جعفر وفطوم علام. ولم يعط السعوديون أي تفسير للغارة على الرقة. ويقول القرويون بالرقة إنهم لا يحملون أي سلاح.
وقالت الكاتبة إنها لم تر سلاحا في القرية وإن الأهالي لا ينتمون لأي قوة محاربة، وقد أصر بعضهم على إدخالها لمنازلهم البسيطة، إذ لم تشاهد في أغلبها غير سرير واحد أو سريرين، وعلب طعام وبعض مواد المطبخ.
ووفقا لشهود عيان تحدثت إليهم الكاتبة، خرجت النساء من مكان الاحتفال يصرخن ويبحثن عن أطفالهن وأقاربهن. ونصح المنقذون الذين أتوا من القرى المجاورة النساء بالهروب من المكان لأن الطائرات لا تزال تحلق فوقه.
وتجاهلت النساء نصائح الجيران واستمررن في انتشال جثث أحبائهن من تحت الركام. ومضت ساعات قبل أن تصل سيارات الإسعاف من مدينة حجة.
رهاب الصوت
وتحدث رجل نحيف يعتمر قبعة من القش واسمه عثمان علي (35 عاما)، وهو يحمل ابنه بيديه، قائلا إن ذلك اليوم السعيد قد تحول إلى كارثة، حيث امتلأت النساء رعبا، ولم تستطع كثيرات منهن الخروج، وأصبح عدد منهن يبللن ملابسهن عندما يسمعن صوتا عاليا.
وكان كثيرون بالقرية حريصين على التحدث عن تلك المأساة، لكن جميع من تحدثوا كانوا يعانون من مشكلة في السمع جراء الغارة، خاصة العريس جعفر الذي ذهبت الكاتبة معه إلى منزل أهله حيث يعيش الآن هو وعروسته فطوم لأن المنزل الذي بناه لنفسه قد دمرته الغارة.
جعفر قال إنه وعروسته أكملا الإجراءات الرسمية لزواجهما، وانتقلا إلى منزل والديهما أمس (أي بعد أسبوعين من الغارة)، وإنهما يعانيان من الصدمة ولم يستطيعا النوم الليلة السابقة ولا يشعران بأنهما عريس وعروس (ذكر وأنثى) ويمتلآن بالخوف من عودة الطائرات السعودية، “لم نستطع تجاوز ما حدث تلك الليلة”.
وكان المصابون بمستشفى حدة، أطفالا ورجالا، هزيلي الأجساد بسبب الفقر الذي منعهم من شراء ما يرممون به أجسادهم. كان بعضهم مبتور الرجل أو اليد، أو أجرى عملية لترقيع أمعائه أو لتضميد جرح بصدره أو غير ذلك.
مواقع إلكترونية